ماذا يعني أن تكون فلسطينيا/ حسن العاصي


أن تعشق وطنا لم تراه ، أن تحارب نيابة عن أمة الضاد ، فأنت القومي الأول ، وأن تحارب نيابة عن المسلمون ، فأنت حامي الأقصى ، ونيابة عن أحرار العالم ، فأنت أممي ضد العولمة ، وسيكيلون لك المديح ، لكنك ياحافي القدمين ضحية كل الأزمات .

أن تكون فلسطيني يعني أن ترضع مفردات السياسة طفلا ، وتكتب قصائد الشعر وأنت مراهقاً ، وتعتقل وأنت شاباً ، فإن لم تقتل ، تتزوج لتنجب أبناء وأحفاد يكررون المقرر ، مالم تفعل ذلك فأنت إمٌا عميل أو مجنون ،

أن تكون فلسطينيا ، ينبغي أن تحفظ أسماء الشهداء ، وعدد المعتقلين ، وأماكن السجون والمعتقلات في العالم ،وتحفظ تاريخ الثورات بداية من ثورة سبارتكوس.

أن تكون فلسطينيا ، عليك أن تكون مروجا لبضاعة كاسدة إسمها الكرامة ، سلعة إنخفضت أسهمها ، وقلٌ تداولها ، منذ أن إبتدعنا قواميس جديدة للأخلاق .

عندما تكون فلسطينيا ستصاب بمرض غسمه الحزن ، ويلتصق أنين الحجارة بصوتك .

عندما تكون فلسطينيا ، ستتمتع بذاكرة قوية ، فأنت تذكر عدد حبات رمال البحر ، وصوت كل مأذن ، وضحكة كل طفل ، ستذكر أماكن المعتقلات ، وأقنعة الجلادين ، وتذكر لون الفجر ، ورائحة الموت الممتزج بالبارود .

لأنك فلسطيني ، ستدرك أهمية الأرقام ، سيتحول إسمك إلى رقم في جداول وكالة الغوث ، تاريخك إلى أرقام ، موقع بيتك ، عدد أفراد الأسرة المعتقلين والمنفيين والمفقودين والمقتولين هي أرقام ، عدد الأيام التي أمضيتها في المخيم ، سيلهج لسانك بالشكر لمن إخترع الأرقام ، لولاها لما كنت أصلا موجودا .

عندما تكون فلسطينيا ، ستعيش حالة من الحنين الدائم ، لاصحوك ولا إستيقاظك ، لا في عملك ولا في إجازتك ، لا في وعيك ولا في غيبوبتك ، إلٌا وتكون قلسطين موجودة ، فلسطين وماكنت عليه ، وماصارت عليه ، وماستصبح عليه .

ماذا يعني أن تكون فلسطينياً ؟

أن يكون لك وطناً وبيتا ، بيٌارة ومكان عمل ، عائلة وأفارب وأصدقاء وجيران ، ثم فجأة يأتبك أحد ما ، لسبب ما ، بمساعدة ما ، وخيانة ما ليقتل نصف عائلتك ، وتصبح أنت ضيفاً ثقيل الظل في أرضك .

أن تسير في شارع ما ، في عاصمة ما ، في دولة ما ، وأنت لاتعلم هل ستعود إلى بيتك أم لأ .

أن تتهم في قتل أي إنسان قد يموت ميتة طبيعية ، في بيت ما في بلد ما ، دون أي سبب .

إن حصل تفجير في السويد ، تغلق معابر غزة ، إن إنزلق قطار في الهند تقطع المساعدات من الدول المانحة ، وإن غرقت سفينة في بحر الشمال ، أصدر مجلس الأمن قراراً يدين عنف الفلسطيني .

أن يكون لك حكومتان ورئيسان ، والجميع يمتهن كرامتك ، ولايقر بمواطنتك

يعني أنك نجحت أو لم تنجح ، حققت أعلى مراتب التحصيل العلمي ، لن تحصل على وظيفة محترمة ، وإن حصلت لن تعامل كاقرانك ، بدون وجه حق ، فقط لأنك فلسطيني .

عندما تحصل ثورة في مكان ما ، بلد ما ، تتهم أنت بإعتبارك من قام بالتحريض ، وبأنك أجندة خارجية ، وتمنع من دخول بلد ما .

عندما تنفجر كنيسة ما ، أو مسجد ما ، تعتقل أنت لأنك فلسطيني ،ويصبوا جام حقدهم فوق رأسك ، ورأس أجدادك ، ليتضح أن من فعل هذا ، وزير ما ، في بلد ما ، أو حزبا ما في دولة ما ، ويكتشفون أن لاعلاقة لك بالأمر ، لكنهم لايقرون .

يعني أن تدخل دولة ما في احتكاك ما مع دولة عربية أخرى ما ، فيتم فرض إرتداء الزي العسكري عليك ، وترسل في طائرات حربية رغما عن أنف أهلك إلى جهة ما ، لتدافع عن زعيم ما ، رغم أن بلادك أحوج لهذا القتال .

يعني أن ترتدي أي زي فلسطيني ، أو تضع الكوفية الفلسطينية ، وأنت في عملك ، أو في دراستك ، أو حتى في الشارع العام ، تحصل على إنذار بالفصل من العمل أو المدرسة بتهمة إرهابي .

يعني أن تكون موضع مزايدات كافة المثقفين ، والكتاب ، والفنانين ، ورجال الأعمال ، الذين يزاحموك في وطنيتك وحبك لفلسطين ، من أجل حفنة من الدولارات ، من أجل تسويق كتاب أو عمل فني .

أن تكون مادةً مهمة في خطابات الزعماء في العالم العربي ، يستخدمون إسمك وبلدك ، وكم يكنون لك من الحب والأحترام ، وكم يساهمون في مد يد العون لفلسطين ، فقط من أجل إظهار بطولاتهم ، وفروسيتهم أمام شعوبهم ، وسجونهم ممتلئة بالمناضلين الفلسطينيين .

يعني أن يأتي الصومالي أو الهندي أو الباكستاني أو التايلاندي أو المجوسي إلى اي بلد عربي ، ويحصل على إقامته خلال ثلاث أيام ، وأنت تنتظر ستة عشر شهرا بلا سبب ، فقط لأنك فلسطيني .

تتحدث عن حق العودة ، يتهمونك بالجنون ، تتحدث عن تحرير فلسطين ، يتهمونك بالهلوسة والتحريض على الأمن والسلم الإجتماعي العالمي ، وبأنك أصبحت خطرا على التماسك الأجتماعي لبلد ما ، ومن ثم لا يستطيع أحداً إيجادك ، ولا يتجرأ أحداً ما أن يسأل عنك جهة ما .

أن تضع روحك بين كفيك ، وتستشهد في سبيل وطنك ، تجدهم يصفقون لك في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني بقبضون ثمن دمك ، واليوم الثالث ينتقموا من أهلك .

أن تجد خبرا ، أو مقالة في الصفحة الأولى لصحيفة ما ، يتناول وضع السلفادور ، وتجد إسم فلسطين في منتصف الخبر أو المقال .

أن تكون مبدعا ، خلاقاً ، مخترعاً ، وتكتب الصحف عن إنجازاتك في ميدا ما ، وتتلقى أرقى الشهادات وأرفع الأوسمة ، لكن يظل الجميع ينظرون لك بعين الريبة ، فقط لأنك فلسطيني .

في جامعة ما ، في بلد ما ، وتكون أنت من المتفوقين في دراستك ، ويستعين بمعلوماتك خليل وأحمد ونيفين ونسرين ، وفي نهاية العام هم ينجحون وأنت لاتجد إسمك بينهم .

يعني أن تحمل في جيبك خمسون ألف ورقة وختم وطوابع ، تقضي أسابيع وأحيانا شهور لأنجاز هكذا معاملة ، فقط كي تسافر ، وفجأة تجد نفسك ممنوعاً من المغادرة .

أن تكون كرتاً ومجرد ورقة في حسابات السياسات الداخلية والخارجية ، لبعض الدول الشقيقة والبلدان الإقليمية .

أن تجد ثلاثون محطة تلفزيونية ، وخمسون وكالة إخبارية ، وعشرات الصحف ، ومئات الندوات سنويا ، وآلاف المؤتمرات ، جميعها تناقش أسباب هزيمة 1948 وقبام دولة إسرائيل ، ولم يتوصلوا قط إلى رؤية تسعد وطنك على إستعادة ولو جزء من أرضه التي انتهكت ، وانتهكت حقوق اصحابها على مر ستون عام ونيٌف على مرأى الأشقاء .

إن حدث كسوف أو خسوف ، فأنت المسؤول لأنك فلسطيني .

يقتل رجل أسود على يد أمريكي أبيض ، أنت المسؤول .

تحدث هزة أرضية ، أو ينشط زلزال ما في مكان ما ، فأنت المسؤول .

اي خلل في نظام الطبيعة أنت مسؤول عنه ، أية إمرأة تطلقت ، أي فريق كرة قدم ينهزم ، اي كوب قهوة يندلق ،اي حادث تصادم ، أية قضية تسجل ضد مجهول ، أنت مسؤول .

لأنك فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: