لبنان الاول في الوعي والاخير في القدرة على التقدّم/ بطرس عنداري


طرح زميلنا شوقي مسلماني الصوت داعياً اللبنانيين بطلائعهم الفكرية والمستنيرة الى انتفاضة ضدّ النظام الطائفي المتخلّف المتشبّث برقاب وعقول اللبنانيين منذ قيام دولة لبنان عام 1920.

ولا شك ان دعوة الزميل شوقي وتمنياته انبثقت عما شاهده من ثورات شعبية حقيقية في حوالي عشرة بلدان عربية ادت الى الاطاحة السريعة بنظام دولتين واهتزاز الارض تحت اكثرية الانظمة العربية.

لقد هزت المفاجأة - الصدمة وعي الانسان العربي الذي امضى قرناً ونصف القرن مصلوباً بين الامل واليأس الى ان تغلّب اليأس في مطلع الالفية الثالثة وتم الاستسلام للذل بعد الهزائم المتكررة وضياع فلسطين واجتياح وتدمير العراق وسط صمت عربي شامل وتشرذم المقاومة الفلسطينية وتطويق المقاومة اللبنانية عربياً وعالمياً ولم يعد للانسان العربي اي تطلّع الى آفاق التفاؤل واصبح انتظار الاسوأ جزءاً من الحياة اليومية كالماء والهواء.

ومع بزوغ بشائر الثورات العربية التي بدأت من تونس كثرت التحاليل وتهافت المفكرون الى اعطاء آرائهم وتوقعاتهم وقد تذكر الكثيرون قول الفيلسوف اللبناني المعاصر نسيم طالب في كتابه «البجعة السوداء» الصادر عام 2007 حيث يقول: «ان عنصر المجهول في التاريخ هو اكبر بكثير من الامور المرتقبة. اي انه يمكن تفسير التاريخ بعد حصوله..».

وهكذا بدأ عصر عربي حديث بعد 25 كانون الثاني يناير 2011 واجمع منظرو الأمة على انّ العرب كانوا من اهل الكهف قبل هذا التاريخ. لقد تحرك الشباب من ادغال موريتانيا الى رمال حضرموت وظفار والبحرين مروراً ببلدان المغرب والمشرق ووادي النيل. وهنا ازدحمت ساحة المفكرين بالاقبال على تفسير الاسباب التي فجرت الساحات لتصحّ نظرية نسيم طالب.

ولكن الذي يؤسف له هو اجماع كبار اهل الفكر في لبنان على ان الوطن الصغير بحجمه وشعبه والكبير بوعي ابنائه سيكون آخر الاقطار العربية في مجال التغيير نحو الافضل. هذه آراء المفكرّين غسان سلامه وجورج كرم. اما الصحافي البارز نصري الصايغ يقول في مقال عنوان : العالم يتغيّر.. الاّ نحن ما يلي: «الفساد في لبنان منتشر، دين السياسة اللبنانية مؤلف من اقانيم الفساد والطائفية والوراثة ، من يتجرأ على المساس بهذه الأقانيم الثلاثة؟»،

لقد تحرّك قسم من اللبنانيين ورفعوا اصواتهم مطالبين بالغاء الطائفية ولكنهم ضد اعتماد العلمنة، وهذا مثل ان تكون شيوعياً وتلعن ماركس ولينين. وتحرّك قسم آخر معلناً ان «ثورة الارز» هي ام الثورات وقد تعلّم اهل تونس ومصر منها كيف يثورون ويجابهون دون اية اشارة الى ان حسني مبارك كان الحليف الداعم لهذه الثورة مع خادم الحرمين الشريفين.

هل هذه الادعاءات او هذه التناقضات تصلح ان تكون مثالاً يحتذى به ام ان انتخابات الملياري دولار حفذت «التوانسة» على ثورة الياسمين وحرضت بهيّة على استقدام طوفان النيل؟..

ان التركيبة الطائفية الاستغلالية للمجتمع اللبناني اخضعت اهم نخبه فريسة الغريزة الى حدّ حوّل امكانية التغيير امراً مستحيلاً. هذه التركيبة الطائفية النادرة لا تعطي لزعماء الطوائف الروحيين وزنا يوازي نفوذ السياسيين الى حدّ نكاد فيه لا نشعر بأي اهمية لرجال الدين وربما تكون هذه الاهمية ثانوية في افضل الاحوال.

ان المحاصصة الطائفية في لبنان يتناتشها الزعماء السياسيون ولا دور او حصّة لأي زعيم ديني في تشكيل اي حكومة او اختيار النواب والمرشحين.. وهذا يعني ان الفساد او العلّة المزمنة تكمن في الطبقة السياسية التي تحتمي بالغطاء الطائفي وتستغلّ اسم الطائفة متذرعة بالغيرة على مصالحها وحجم تمثيلها.

هل سمعنا مرة او قرأنا عن زعيم طائفة دينية في لبنان رفع صوته رافضاً تركيبة حكومية؟ هل تمت استشارة اي بطريرك او امام في امر تشكيل حكومة او تعيين موظف درجة اولى؟... السياسيون هم اسياد الطوائف والمتاجرون باسمها ورجال الدين يساندون هذا او ينتقدون ذاك وفق المصالح والمزاجات.

لقد كتب على اللبنانيين ان يكونوا النخبة في الوعي القومي والوطني ولكن حرّم عليهم ان يتذوقوا طعم الانتصارات وان يحتفلوا بنجاح الانتفاضات لاسباب التشابك الطائفي مع الفساد السياسي. وقد يكون تحوّل لبنان الى منابر اعلامية للدول العربية لتصدر الصحف والمجلات وتطلق الفضائيات لحماية انظمتها ترك ثقافة عامة هي ثقافة الارتزاق وهذا ما حرم لبنان من طاقات فكرية وثقافية حجبها الغبار المادي.

اننا لا نحاول ان نقول للزميل شوقي ان الامل بعيد وعلينا ان نستسلم لأننا لا نقدر ان نستبعد وننفي نظرية طالب عن ان العنصر المجهول في التاريخ هو اكبر بكثير من الامور المرتقبة.. ونحن تحدثنا فقط عن الامور المرتقبة ولسنا ندري ما يحمل لنا الغيب في وطن التناقضات متمنين ان يداهمنا «المجهول» كما نحلم ونبتغي.

CONVERSATION

0 comments: