البطريرك الراعي احرج المتطاولين واسمعهم صوتاً فاتيكانياً صارخاً/ بطرس عنداري


ماذا قال البطريرك بشاره الراعي في باريس حتى اثار هذه العاصفة من الردود والتهجمات من اعداد كبيرة من السياسيين والكتاب الكبار والصغار وبعض رجال الدين وغيرهم؟

لقد تسرّع جميع الذين علقوا على كلام البطريرك فبدا وكأنهم كانوا ينتظرون اشاعة او تهمة ليصفوه بالمتخلّي عن ثوابت بكركي الوطنية والجاهل بالسياسة وفاقد الذاكرة الذي يحتاج الى اكل الصعتر لتحسين انتباهه.

ماذا قال غبطته بالضبط؟

كتب البروفسور انطوان فليفل استاذ الفلسفة في احدى الجامعات الفرنسية يوم الجمعة الماضي مقالاً قال فيه انه حضر ندوة البطريرك الاعلامية وكان كل ما قاله واضحاً ولا علاقة له بالتعليقات التي صدرت عن «صبيان» السياسة والاعلام في لبنان.

وقال فليفل ان البطريرك الراعي قال انه ابلغ الفرنسيين حرصه القوي على احترام الشرعية الدولية والتقيّد بقراراتها وطالب فرنسا والدول الكبرى كي يساعدوا لبنان على تنفيذ القرارات المتعلقة بانسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية التي تحتلها حتي نطالب حزب الله بالتخلي عن سلاحه فوراً اذا لا يجوز ان تطلب من انسان ان يترك سلاحه فيما ارضه محتلة. وذكرهم بالقرار 194 الداعي الى اعادة الفلسطينيين والصادر عام 1948.

وقال البطريرك انه لا يؤمن الاّ بدولة قوية وجيش واحد وانتقد الذين يعرقلون تسليح الجيش اللبناني ووصف اسرائيل انها «جاسمة على صدورنا».

اما فيما يتعلق باحداث سوريا فقال انه ضدّ العنف والدماء ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها ولكنه متخوّف من انتقال السلطة الى من هم اكثر تطرفاً مما قد يشكل خطراً على الاقلية المسيحية كما حصل في العراق ويحصل في مصر. وطالب باعطاء الرئيس السوري الوقت اللازم لاجراء الاصلاحات.

ولكن المتربصين بالبطريرك بسبب انفتاحه الصريح والجدي وبسبب استقلاليته المطلقة قالوا انه أيّد وجود السلاح غير الشرعي مع حزب الله وعارض اسقاط نظام الاسد.. ولكنه تمكّن من احتواء حملة التشويه هذه بعد نصف ساعة من عودته واحرج المتطاولين فصمت بعضهم واعتذر آخرون او تهرّبوا.

كان احد كبار موارنة القرن العشرين الاب ميشال الحايك يقول: «ان الازمة المارونية قضيّة كبيرة حملها رجال صغار فاسقطوها واسقطتهم».

فهل صعود تلميذ الحايك الى السدة البطريركية حالياً هو المؤشر لنهاية عهد الرجال الصغار المسيطر والسائد منذ ثمانية عقود؟

في الاسبوع الذي تم فيه انتخاب البطريرك الراعي كتبنا مقالاً بعنوان: «البطريرك الماروني الجديد: اختيار فاتيكاني لاختراق انفتاحي». لم يكن هذا الكلام نبوءة بل كان قراءة لمسيرة البطريرك الراعي الذي رعى واشرف على السينودس من اجل لبنان واعدّ ارشاده الرسولي الشهير عام 1995 كما كان وراء انعقاد سينودس العام الماضي في الفاتيكان من اجل مسيحيي الدول العربية.

اذا ما قاله البطريرك في فرنسا وما يقوله في جولاته اللبنانية يرتكز على الارشاد الرسولي الذي يصلح ان يكون مرجعاً مقدساً لمسيحيي ومسلمي الشرق ولكنه للأسف الشديد طبع مرة واحدة وقرأته نخبة محدودة.

لقد وصل الحدّ مع بعض مثيري التشويش على اقوال البطريرك في باريس الى حدّ التهديد بإيفاد وفد الى الفاتيكان ليقدم شكوى ضده.. ولكنه ردّ على هؤلاء بتكرار اقواله وآرائه بصوت هادر بعد عودته.

من المثير للاسى ان الكاتب السوري المعارض ميشيل كيلو الذي يتمتع بتقدير واحترام المثقفين وعشاق الحرية كتب مقالاً هزيلاً اتهم فيه البطريرك الراعي بفتح جبهة حرب مع المعارضة السورية كما قال ان البطريرك لا يمثل سوى اقلية صغيرة من مسيحيي الشرق.

لا شك ان الاستاذ كيلو قرأ ما ادلى به بطاركة الارثوذكس والملكيّين والسريان من تصريحات مؤيدة للرئيس الاسد ومتقدمة جداً على اقوال الراعي. ولا شك ان البطريرك الماروني يحظى بتأييد ودعم جميع الكرادلة والبطاركة العرب... اذا كان الاستاذ كيلو الذي نتابع مقالاته منذ سنوات طويلة ونحترم آراءه يسعى الى الحصول على تأييد الرأي العام العربي فعليه ان يتراجع عن هفوته كي لا يقع ضحية الوشايات والتحريف مثل غيره. والتراجع قضية سهلة بعد ان بعث الرئيس الفرنسي سفيره ليستوضح من البطريرك ما كان قاله خلال لقائهما الباريسي الذي استمرّ لساعات طويلة. لقد كان رئيس فرنسا شارد الذهن ...ولا نشك اطلاقاً ان ساركوزي لم يعرف حتى الساعة ان اكثر من نصف مليون مسيحي عراقي تشردوا وهجروا عندما كان بول بريمر حاكماً للعراق الخاضع لاحتلال 300 الف جندي اميركي او حليف لاميركا التي قصفت 40 كنيسة ودير في بغداد وحدها خلال اول عشرين يوماً من الاحتلال.

انها المرة الثانية التي تسمع فيها فرنسا هذا الكلام الصريح والصارخ. المرة الاولى كانت عام 1920 عندما انتفض البطريرك الحويك بوجه الجنرال غورو معارضاً الصلاحيات التي منحت للمفوض السامي الفرنسي.

انها مشكلة ازمات كبيرة ورجال صغار.

CONVERSATION

0 comments: