الحص من رئيس وزراء إلى شاهد (ما شفش حاجة)/ محمد فاروق الإمام

أليس من المعيب أن يتحول رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص الذي يكن له السوريون كثيراً من الاحترام إلى شاهد زور للنظام السوري يبرؤه مما اقترفته وتقترفه يداه من جرائم ما سبقه إليها أحد لا في الشكل ولا في الكم ولا في المضمون، ويعلن عقب لقائه ببشار الأسد قاتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال وقاطع الرؤوس والأطراف وباقر البطون ومشوه خلقة الإنسان التي خلقها الله سبحانه وتعالى في أحسن تقويم.
أليس من المعيب أن يتحول هذا الرمز اللبناني إلى شاهد زور يبرئ ساحة الجلاد وينفي عنه كل هذه الجرائم التي يرتكبها جهاراً نهاراً بحق متظاهرين عزل ثاروا مطالبين بالحرية والكرامة المصادرة من السوريين منذ نصف قرن، مستكثراً عليهم المطالبة بها، وهو في لبنان الشقيق يتمتع وكل اللبنانيين منذ الاستقلال بأقصى درجات الحرية والكرامة والديمقراطية، ويقاتل هو قبل غيره من أجل مقعد نيابي أو وظيفة يجد أنها من حق أنصاره في الدوائر والمؤسسات اللبنانية، ولا يريد للشعب السوري أن يمتلك بعض هامش من الحرية والحق في المطالبة بإتاحة فرص العمل للجميع بالتساوي ويستعيد بعض الكرامة الإنسانية، أم أن اللبنانيين أخوة من الست يحق لهم ما لا يحق للإخوة من أبناء الجارية في سورية؟!
أليس من المعيب أن يستمع الحص لكلام الأسد ويصدقه ويحمله إلى الصحافة ووسائل الإعلام ينشره دون أن يكلف نفسه عناء التحقق مما يجري في سورية وما يلاقيه السوريون من قمع همجي ووحشي فاق ما فعله هولاكو في بغداد، وكان الأجدر به أن يستمع لصوت المعارضة أو على الأقل يشاهد على القنوات الفضائية المحايدة العربية والأجنبية بالصوت والصورة ما يجري في سورية من موبقات وآثام وفواحش على يد شبيحة النظام السوري ورجال أمنه، وكيف باتت المدن السورية من دون الجولان المحتل مسرحاً لعمليات الجيش السوري ومرتعاً لدباباته ومجنزراته ومدرعاته، وقد ذاقت بيروت والمدن اللبنانية الأخرى الويلات والويلات من هذه الأجهزة وهذه الأسلحة عندما استباحها الأسد الأب والأسد الابن بين أعوام (1976-2005)، أم أن الحص يتناسى كل ذلك على أمل أن يحوز على رضا الأسد الصغير ويؤمن له دوراً جديداً في الحكم ورئاسة الوزراء في لبنان قبل أن ينتهي أجله وقد تخطى السبعين من العمر؟!
الأسد الصغير الذي أوهم الحص في لقائه به في 28 أيلول المنصرم أن "الحوادث التي مرت بها سورية انتهت وأن المدن السورية تستعيد استقرارها، وأن السلطة في سورية تسهر على الوضع وتوليه اهتماماً بالغاً حفاظاً على سلامة الشعب العربي السوري وهنائه"، وقد ثمّن الحص مواقف سورية الأسد واعتبر في حديث لقناة "الجديد" اللبنانية بعد عودته من دمشق أنه عاد من زيارته للأسد "مطمئنًا" إلى أنّ الأوضاع السورية باتت مستقرة، موضحًا أنّ الرئيس السوري بشار الأسد أكد له أنّ "الاضطرابات في سورية انتهت".
كما أوضح الحص في حديثه أنّه "مقتنع فعلاً بأنّ الأزمة السورية انتهت، والرئيس الأسد يستند في الاطمئنان الذي أبداه إلى الوقائع"، واستطرد قائلاً: "الاضطرابات في سورية لا تتوسع بل على العكس من ذلك هي آخذة في الانحسار ولم يعد هناك من أحداث سوى تلك الجارية في حمص"، ورأى الحص أنّ "سورية مستهدفة كما أكد الرئيس الأسد في تصريحاته"، معتبرًا في هذا السياق أنّ الدول التي تمارس ضغوطًا على النظام السوري "لا تريد أن تهدأ الأوضاع في سوريا".
صح النوم يا حص.. الأوضاع في سورية ليست مستقرة ولن تكون مستقرة وليست بهذا التوصيف الذي حملته من دمشق إلى بيروت، فهذه المظاهرات الغاضبة تنطلق صباح مساء في معظم المدن والبلدات والقرى السورية وهي في تنامي وتصاعد، ولن تتوقف حتى تحقق الثورة أهدافها في إسقاط النظام ومحاكمة القتلة والفاسدين وتحقيق الديمقراطية وإقامة الدولة المدنية التي سيعم خيرها ليس فقط على سورية والشقيقة لبنان بل على كل المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتعود سورية دولة فاعلة في إرساء قواعد السلم والأمن في المنطقة والعالم.. ترفد الحضارة الإنسانية والمدنية الحديثة بطاقات أبنائها المشهود لهم بالإبداع في كل مناحي الحياة.
أخيراً نتمنى على السيد سليم الحص المعروف بعقلانيته ورزانته أن لا يكون بوقاً ينضم إلى قافلة الأبواق اللبنانية الرخيصة التي باعت نفسها للشيطان وتسوق دعاوي النظام السوري وافتراءاته الكاذبة الباطلة لقاء ثمن بخس لا يليق بمقام الحص ومكانته، ويحول نفسه من رئيس وزراء محترم ذو تاريخ محترم إلى (شاهد ما شفش حاجة)!!

CONVERSATION

0 comments: