في الذكرى العاشرة لزلزال 11 أيلول/سبتمبر 2001/ محمود كعوش

عندما وقع زلزال 11 أيلول / سبتمبر 2001 وأصاب الكيان الأميركي في الصميم في كل من واشنطن ونيويورك ونزلت الكارثة فوق رؤوس المسؤولين في العاصمة الأميركية والعواصم الغربية الكبيرة الحليفة للولايات المتحدة نزول الصاعقة، تجنب هؤلاء الإجابة بصراحة وموضوعية على رزمة كبيرة من الأسئلة الهامة والمحرجة التي تم طرحها وتداولها بشكل مستفيض وملح على جميع المستويات الدولية بشأنه وبشأن الأشخاص الذين نفذوه والجهات الرسمية التي وقفت وراءهم. وحتى أن الإجابات التي قدمها المحللون والمعلقون في تلك العواصم في حينه وخلال السنوات الثماني السابقة لم تخرج عن سياق الاجتهادات غير المقنعة والروايات التضليلية المقصودة.
الآن وبعد مرور عشر سنوات على تلك الهجمات العاصفة وبدء عام إضافي آخر يمكن القول دون ما تهيب أو تردد أن الغمامة قد انقشعت واتضحت الرؤيا وأصبح بالإمكان التفكر والتأمل ملياً في ما حدث في ذلك اليوم الاستثنائي وإعطاء الإجابات الوافية والشافية على كل الأسئلة التي تم طُرحها وتداولها بإلحاح وإصرار إستثنائيين في جميع أصقاع المعمورة ولم يجرؤ أحد على مقاربتها بشكل مقنع ومغاير للامنطق واللاموضوعية في السياسة الأميركية التي اعتاد على رسمها ووضع خطوطها المحافظون الجدد الموالون بلا تحفظ للكيان العنصري في تل أبيب والصهيونية العالمية.
وبعد تلك السنوات الصعبة التي زخرت بالأحداث الكبيرة والثقيلة والتي أقل ما يمكن أن توصف به أنها كانت غير اعتيادية وأنها من هول تأثيرها غيرت وجه العالم، توفرت حقائق وأدلة كثيرة أسهمت في تسهيل وتيسير الإجابة على تلك الأسئلة دون ما جهد يُذكر وحتى دون ما حاجة لإزعاج أو "تكليف خاطر" أي من هؤلاء المسؤولين والمحللين والمعلقين. ومن أهم وأبرز الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر: هل حقاً أن هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 أحدثت تغيرات كبيرة وجذرية على الشكل المألوف للعالم ما كان لها أن تحدث بهذا الكم وذاك الكيف لولا تلك الهجمات؟ وهل حقاً أن العرب بصورة خاصة والمسلمين بصورة عامة قد دفعوا ثمن تلك الهجمات أكثر من غيرهم، دون ما وجه حق أو شرع؟ وإلى أي مدى سيستمرون في دفع هذا الثمن؟ وهل من نهاية ممكنة، قريبة أو بعيدة الأجل، لآثار تلك الهجمات على العرب والمسلمين الذين كانوا السباقين لإدانتها واستنكارها والسباقين لدعم ومساندة الولايات المتحدة في حربها المفتعلة على ما أسمته "الإرهاب الدولي"؟
الإجابة على هذه الأسئلة تستوجب التنويه إلى أنه وبرغم أن زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري قد اعترفا في أشرطة مصورة ومسجلة كثيرة عُرضت لهما بمسؤولية التنظيم عن هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، إلا أن الولايات المتحدة بكل ما اتصفت به من قد وقديد وجبروت وقدرات سياسية وعسكرية وأمنية وتقدم تكنولوجي لم تستطع الوصول إلى الأول إلا في هذا العام بينما لم يزل الثاني على قيد الحياة يمارس مهمة قيادة التنظيم والإشراف على نشاطاته على المستويين العربي والدولي. وهي وبرغم الوقت الطويل الذي مر على تلك الهجمات، وبرغم رحيل زعيم التنظيم واعتقال آلاف الأشخاص، ربما ظلماً وبهتاناً، بتهمة الضلوع فيها في معتقل "غوانتانامو" الواقع في كوبا والمشابه لمعتقلات النازية وفي العديد من المعتقلات السرية الأخرى المنتشرة في العديد من دول الغرب والشرق المتآمرة والمتواطئة معها وإخضاعهم لأقسى أنواع التعذيب ووضعهم في ظروف لا يحتملها بشر، وبرغم احتلال بلدين مستقلين وعضوين مهمين في منظمة الأمم المتحدة هما أفغانستان والعراق وتدميرهما وتهجير مواطنيهما وارتكاب الفظائع التي وصلت حد الإبادة الجماعية بمن تبقى منهم فيهما دون مبررات أو مسوغات منطقية أو موضوعية، فإنها لم تتمكن بعد حتى اللحظة الراهنة من إدانة أي من المعتقلين وإثبات ضلوع "القاعدة" في تلك الهجمات.وهذا يعني بالعقل والمنطق أن كل ما ارتكبته الولايات المتحدة من ممارسات وحشية وبربرية ولا أخلاقية، وما قامت به من تدمير وبطش وظلم وتعسف وسفك دماء بريئة وانتهاك للقيم والمبادئ والأخلاق والأعراض وإجرام بحق البشر على مستوى الكرة الأرضية وبالأخص العرب والمسلمين في ظل رئيسها السابق الأهوج جورج بوش الابن على مدار فترتي ولايته في البيت الأبيض بذريعة هجمات 11 أيلول / سبتمبر وضلوع تنظيم "القاعدة" فيها لم يكن مبرراً أو مقبولاً في أي حال ولم يكن له غير تعليل واحد هو أنه حدث في إطار مخطط تآمري شيطاني أُريد من ورائه السيطرة على كل مقدرات العالم وبالأخص الوطن العربي والعالم الإسلامي، تنفيذاً لسياسة أكثر شيطنة أشرف على رسمها تيار المحافظين الجدد الذي كان يتزعمه ديك تشيني خدمة للتوجهات الأميركية الإمبريالية الجديدة ولحماية أمن الكيان الصهيوني وتكريس هيمنته على منطقة الشرق الأوسط بكل ما فيها من ثروات وبالأخص الثروة النفطية، في ظل أحلام إعادة صياغتها و"تجديدها".
لا شك أن هجمات أيلول / سبتمبر 2001 قد شكلت منعطفاً تاريخياً هاماً وخطيراً لم يكن في حسبان أهل القرار والحل والربط في السياسة الدولية، كما شكلت مفترقاً أهم وأخطر في مجريات الأحداث، إذ فرضت على العالم "تقويماً جديداً طغى على التقويمين الميلادي والهجري المألوفين والمعتمدين على مستويي العالمين المسيحي والإسلامي"!! فمن فرط ما ركز عليها جورج بوش الابن واستغلها واستثمرها هو وأركان إدارته والمتحالفون مع تلك الإدارة لغايات استعمارية وشخصية وأنانية متباينة، بلغ الأمر مبلغاً أصبح الناس معه ينظرون إلى 11 أيلول / سبتمبرعلى أنه مفصل بين فترتين زمنيتين أصبحتا تعرفان بفترتي "ما قبل وما بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001"!
وبغض النظر عما إذا كانت تلك الهجمات عملاً إرهابياً خطط له ونفذه خصوم للولايات المتحدة كما ادعت واشنطن وبعض العواصم الغربية وعلى وجه الخصوص لندن ووفق ما اعترف به زعماء "القاعدة" أو نتيجة لمؤامرة دبرتها جهات أميركية من داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن نفسها أو قريبة منها أو من جهات خارجية على علاقة وطيدة بها لتكون ذريعة لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية أو لتنفيذ استراتيجيات وخدمة توجهات إمبريالية توسعية جديدة افترضها نظام القطبية الواحدة الذي استأثر بالعالم الجديد الذي ولد بعد تفكك "الاتحاد السوفييتي" وانحسار نفوذ الاتحاد الروسي الذي ولد من ضلعه، علينا كعرب ومسلمين أن نقر ونعترف بحجم التغيير الكبير الذي أحدثته تلك الهجمات الإجرامية وردود الفعل الأميركية ـ الغربية عليها التي فاقتها إجراماً على مستوى العالم وبالأخص الوطن العربي والعالم الإسلامي، وعلينا أن نتعامل مع هذا التغيير بكل حكمة وحنكة وذكاء.
فبعد 11 أيلول / سبتمبر بكل ما حمله من علامات سوداء، خرجت السياسة الأميركية من عقالها وتحولت الولايات المتحدة إلى وحش كاسر ومفترس قسم العالم إلى فريقين، أحدهما معه وكان عليه أن يصطف إلى جانبه في كل حروبه العدوانية وغير المبررة والآخر ضده وكان عليه أن يدفع ثمن جريمة لم يرتكبها، استجابة لمقولة جورج بوش الابن " من ليس معنا فهو ضدنا". وعلى خلفية "منطق المجانين" ذاك تم غزو أفغانستان والعراق واحتلالهما وقلب نظامي حكمهما وتنصيب نظامين عميلين فيهما وتحويلهما إلى مستنقعين للفوضى العارمة ومرتعين لجميع الأعداء والطامعين فيهما. وعلى خلفية ذات "المنطق" جرى ما جرى في فلسطين ولبنان والسودان وباكستان بشكل علني وسافر وفي دول عربية وإسلامية أخرى بشكل سري وماكر. وعلى ذات الخلفية تمت ملاحقة العرب والمسلمين حيثما ولوا وجوههم وفي حلهم وترحالهم، ففتحت لهم المعتقلات داخل وخارج الولايات المتحدة وفي كل مكان من الغرب والشرق بما في ذلك كثير من العواصم والمدن العربية والإسلامية، وأصبح كل عربي ومسلم متهماً حتى تثبت براءته. هذا إذا تمت محاكمته بشكل عادل ومنصف، وهو ما لم يحصل مع المتهمين بهجمات 11 أيلول / سبتمبر أنفسهم. والآتي أعظم وأدهى وأمر!!
وما يدعو للحزن والأسى أنه وبرغم التباعد الزمني بين تاريخ 11 أيلول/سبتمبر واليوم وانتقال الإدارة الأميركية من عهدة الجمهوري جورج بوش الإبن إلى الديمقراطي باراك أوباما، فإن الولايات المتحدة ظلت تمارس جميع أشكال الضغوط والتهديدات العسكرية والسياسية والنفسية على العرب والمسلمين. وكانت كلما أخفقت قواتها في تحقيق الأهداف التي من أجلها غزت أفغانستان والعراق بفعل تصاعد المقاومة المسلحة فيهما تضاعف من هذه الضغوط والتهديدات عليهم، وتزداد حماقة فوق حماقة وجنوناً فوق جنون في التصرف والتعامل معهم، وفي تصرفها وتعاملها حتى مع أقرب أصدقائها، بحجة محاربة "الإرهاب الذي يتهدد الولايات المتحدة والعالم" والذي لم يكن يعشش شبحه إلا في خيالات الرئيس السابق جورج بوش الابن وأركان إدارته وصقور اليمين الصهيوني الذين كانوا يسيطرون على تلك الإدارة الرعناء. وبرغم مرور عشر سنوات على هجمات أيلول / سبتمبر، لم تستطع الولايات المتحدة وكل الدول التي تحالفت معها طوعاً أو قسراً إحكام سيطرتها على أي مكان من أفغانستان باستثناء بضعة أجزاء من العاصمة كابول، ولا على أي مكان في العراق باستثناء "المنطقة الخضراء" في قلب العاصمة بغداد. وحتى الأجزاء التي سيطرت عليها قواتها الغازية في كل من كابول و"المنطقة الخضراء" بقيت عرضة لهجمات يومية من قبل المقاومين الأفغان والعراقيين، مما حول البلدين المحتلين إلى مستنقعين لاستنزاف هذه القوات تدريجياً، وهو ما لم تستطع الولايات المتحدة تحمله وقتاً أطول، الأمر الذي أوقع بها هزيمة نكراء بها عبر عنها الانسحاب المذل لها من العراق باتجاه الكويت وهو ما نتكهن بقرب تكرار حدوثه في أفغانستان.
صحيح أن الولايات المتحدة بانسحابها المزعوم من العراق باتجاه الكويت خلفت وراءها خمسين ألفاً من قواتها توزعوا في القواعد العسكرية التي أنشأتها لهم فيه وأن احتلاله لم ينته بعد بشكل كامل وحقيقي، إلا أن الصحيح أيضاً أن المقاومة العراقية الباسلة لن تخمد جذوتها ولن يهدأ لها بال ما لم تجبر زعيمة الإمبريالية الجديدة في العالم على حمل "ديمقراطيتها" المزعومه والرحيل بها بعيداً عن العراق والمنطقة كلها بلا عودة، والتزام التعويض المادي والمعنوي على العراق وأهله!!
كاتب وباحث فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: