عدوى سين وسوف انتقلت إلى مواقف الدول العربية بعد أن كانت حكراً على النظام السوري، فبعد الضجة الكبرى التي صدرت عن الجامعة العربية وما اتخذته من مواقف متشددة ضد النظام السوري المتمترس خلف آلة القتل والتدمير بعد شهور من الصمت المعيب، تراجعت إلى حد يخجل أي مواطن عربي من المحيط إلى الخليج من وجود هذه الجامعة التي أثبتت أنها أكذوبة مستهجنة وممجوجة لا حول لها ولا قوة ولا رباط أو زمام لقراراتها ولا مواقف يعتد بها لشخوص أعضائها.
فبعد زيارة نبيل العربي الذي حمل خطة عربية مطاطية لا تلبي مطالب الشعب السوري في (إسقاط النظام ورحيل بشار الأسد) وقد دفع الثمن غالياً لستة أشهر دموية (3000 شهيد، 4000 مفقود، 5000 جريح، 25000 مهجر، تقطيع أوصال المدن والبلدات والقرى وحصارها ومنع الماء والدواء والغذاء والكهرباء والاتصالات عنها ونهب بيوتها ومتاجرها وتدمير وسائل النقل فيها)، وقد تضمنت الخطة ثلاثة عشر بنداً تطالب النظام السوري بوقف نزيف الدم ووقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وبدء حوار وإعلان بشار عن نيته تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات رئاسية تعددية في عام 2014. إلا أن النظام في سورية رفض الخطة جملة وتفصيلاً معتبراً أن الخطة تدخلاً بالشؤون السورية السيادية.
وعاد العربي من دمشق بخفي حنين بعد لقائه الأسد الصغير الذي استهجن الطلبات العربية واستخف بها وبمن أصدرها، حاملاً معه اتفاقاً تم بينه وبين الأسد يقوم على (التركيز على أهمية الحوار الوطني المفتوح الذي يضم كل الشخصيات على أساس المصالحة الوطنية وأن تلعب الجامعة العربية دوراً أساسياً وميسراً لهذا الحوار وفق آلية يتم التوافق حولها) كما صرح بذلك العربي لوسائل الإعلام.
وهكذا عاد العربي من دمشق إلى القاهرة بصيد ثمين لا يزيد على حجم بقايا فأر متهالك لقاء جبل من الطلبات التي اعتبرها السوريون موقفاً جريئاً ومتقدماً للعرب ولو كان متأخراً، ليحصدوا سراباً وأملاً ضائعاً في لقاء وزراء الخارجية العرب الذي عقد لمناقشة ما جاء به العربي من دمشق يوم أمس، حيث أصدر وزراء الخارجية العرب بياناً يدعو – كما فعلت إيران وروسيا والصين - إلى (إحداث تغيير فوري يؤدي إلى وقف إراقة الدماء وتجنيب السوريين المزيد من أعمال العنف والقتل)، طالبين من القيادة السورية (اتخاذ الإجراءات العاجلة لتنفيذ ما وافقت عليه من نقاط مع نبيل العربي وخاصة ما يتعلق بوقف أعمال العنف بكافة أشكاله وإزالة أي مظاهر مسلحة والعمل على تنفيذ ما جرى إقراره من إصلاحات)، وكان رد النظام السوري على بيان وزراء الخارجية العرب سريعاً وفي نفس اليوم بقتله 60 مواطناً واعتقال المئات وتسليم عشرات الجثث إلى ذويهم ممن قتلوا أثناء التعذيب واقتحام المدن واستباحتها وقتل قافلة من الحمير الضالة.
وهكذا حصد السوريون من إخوانهم العرب كلاماً لا يوقف نزيف الدم ولا آلة القتل ولا استباحة المدن وتقطيع أوصالها.. حصدوا منهم ما حصدوه من هذا النظام خلال نصف قرن من وعود وعهود لم تتجاوز (سين وسوف، وقررنا, وأصدرنا، وشكلنا، وأمرنا...) وهذا حال بيان وزراء الخارجية العرب الذي لم يرق إلى الحد الأدنى مما كان يرتجيه السوريون من إخوانهم العرب.
من هنا فإنني أدعو الثائرين في سورية أن يسقطوا من حساباتهم أي اعتماد على مواقف الحكومات العربية المتخاذلة التي أدارت ظهرها إليهم في ساعة العسرة وتركوهم لقدرهم، أمام عدو ظالم متجبر، يسخّر كل ما لديه من آلة القتل والدمار لمواجهتم، معتمدين على الله وليس على شيء آخر غيره فهو حسبهم ونعم الوكيل، وأن يتوجهوا إلى الشعوب العربية التي تفاعلت مع ثورتهم ليكونوا الحضن الدافئ لهم والبديل عن الأنظمة العربية التي لا تجيد إلا ما يجيده النظام السوري من كلمات وجمل وبيانات!!
0 comments:
إرسال تعليق