لئلا «يتمورن» الارثوذكس/ بطرس عنداري


لقد ابتكر الزحليون فعل «تمورن» - اي اصبح مارونياً - في فترات المنافسة مع الموارنة والذي تحوّل بعد ذلك الى عبارة ممازحة وفكاهة وقد استلفناه في هذا المقال لنحاول لصقه بمجموعة ما يعرف باسم «اللقاء الارثوذكسي» التي طلعت على اللبنانيين بمشروع انتخابي يحاول ارجاع لبنان الى حقبة حكم المماليك او ما قبلها.

ان الملفت والمثير هو ان يأتي هذا القانون من مجموعة ارثوذكسية تنتمي الى طائفة اعطت عدداً من عمالقة الفكر التنويري الاصلاحي ابتداء من جرجي زيدان وفرح انطون الى انطون سعاده وميشال عفلق وقسطنطين زريق الى غسان تويني وفيليب سالم.

يقضي القانون بأن ينتخب اعضاء كل طائفة نوابهم وممثليهم.. فهمنا. ان عدد الطوائف الممثلة في المجلس النيابي اللبناني هي ثمان طوائف مسيحية واسلامية مع تمثيل خجول للاقليات. وهناك عشر طوائف تضم 10 - 15 بالمئة من مجموع الناخبين فمن الذي سينتخبه هؤلاء؟.. ونذكر من هؤلاء الناخبين: الكلدان، الاقباط، الآشوريين، السريان، اللاتين، الانجيليين، الانغليكان، الاسماعيليين، اليهود وربما هناك طوائف اخرى مثل الصابئة من المحتمل وجود اعضاء منها.

ان قانون اللقاء الارثوذكسي المقترح الذي لن يصبح قانوناً يمثل مراحل ما قبل الطائفية والانعزالية ويثير الغرابة ولا نجد لاطلاقه مبرراً سوى عدوى «المورنة».. وعبارة المورنة هنا نعني بها اعتماد النكاية السياسية باطلاق المشاريع والمقترحات التي لا يؤمن بها مطلقوها انفسهم. كيف سقط اللقاء الارثوذكسي في هذا المطب ومن هو المحرك الرئيسي لهذا التوجه؟ لا ندري.

من الملاحظ ان «اللقاء» يضمّ شخصيات رصينة بعيدة عن الطائفية، لا ندري كيف يتورط هؤلاء في مشروع يبدو واقعياً في التفكير السطحي ولكنه قمّة الانحطاط الطائفي جوهرياً وتطبيقياً. لقد غاب عن اللقاء نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذي مثل قمّة الانتهازية عندما انتقد كلام البطريرك الماروني في باريس وتغاضى عن كلام بطريركه هزيم الذي كان شديد الوضوح بالدفاع عن النظام السوري ورئيسه. وكذلك فعلت النائب نايله تويني.

هل يحاول بعض الارثوذكس دخول الزمن العبثي في آخز زمن الصراع السياسي المرتكز على اثارة الغرائز؟.. اذا كان هؤلاء يحاولون او يحلمون بلعب دور سياسي اكثر اهميّة من المتوفّر لهم حالياً فعليهم اعادة النظر بتموضعهم وتحالفاتهم واختيار نخبة من الطليعيين ليمثلوهم من غير الذين يحاربون بأجساد غيرهم ويتقلّبون بولائهم. فحبيب ابي شهلا ومنير ابو فاضل واديب الفرزلي وشارل مالك وعصام فارس لم ولن يكونوا آخر كبار الطائفة الغنية بالكفاءات العلمية والسياسية.

الذي يؤسف له هو تحوّل الساحة اللبنانية الى حلبة صراع ومزايدات باسم الطوائف والاديان فيما الواقع يؤكد ان المتصارعين لا تهمهم مصالح ابناء طوائفهم وانما اهدافهم الحقيقية هي تحويل الطائفة الى متراس او الى وسيلة للوصول الى السلطة. وهذا الواقع اضرّ برجال بعض الطوائف الصغيرة وحدّ من طموحاتهم.

اذا كان بعض الموارنة يستاء من عبارة «المورنة» وعدواها ويعتبرها مسيئة لبني مارون فنذكر اننا كتبنا مقالاً قبل عامين ونصف نشرته الصحف المحلية وصحيفة «النهار» البيروتية وكان عنوانه: «الموارنة هم الجنس العاطل ولكن في السياسة فقط» وقد اثار ذلك المقال اعجاب النائب نعمة ابي نصر والكثيرين غيره وطلب مني ان ازود كل نائب ومسؤول ماروني بنسخة عنه ولكني لم افعل.

ان العناد الماروني في السياسة ليس حالة جديدة بل سمة تاريخية عمرها الف سنة. هذا العناد لم يلغ ادوار كبار المعلمين والانفتاحيين من يوسف كرم وجبران والريحاني وعازوري الى الحويك الكبير ومارون عبود وواكيم مبارك وميشال الحايك.. واذا راجعنا مسيرة هؤلاء نجد ان «النكايات» والحزازات الشخصية اثرت على مسيراتهم وحدّت من طموحاتهم.

لذلك نرجو ان لا يقع الارثوذكس في هذه المعمعة ونتمنى ان يتراجعوا عن هذا المشروع القائم قبل ان يتعمّم ويطرح نحو المزيد من النقاش.


CONVERSATION

0 comments: