جاءت كل المتغيرات الأخيرة ضد الأسرى الفلسطينيين، وأصبحت التطورات المتسارعة على الساحة الفلسطينية تسير في الإتجاه المعاكس لطموحات ورغبات شعبنا الفلسطيني عامة، وأسرانا خاصة، الذين تأملوا أن لا تضعف حركة حماس والفصائل الآسرة - إن كان للأخيرة تأثير في القرار- في شروطها واشتراطاتها حول عملية التبادل خاصة بَعد إصرار وتمسك حماس باشتراطاتها منذ عملية الأسر قبل أربعة أعوام ونيف، وحجم التضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني كثمن لهذه العملية البطولية التي نفذتها قوى المقاومة الفلسطينية، والتي تعتبر عملية تاريخية وفقًا لنتائجها الآنية وبعيدة المدى المتعلقة بالمبادلة وتحرير الأسرى.
حماس كانت تُدرك منذ البداية حجم التضحيات الجسام التي دفعها شعبنا مقابل ( شاليط) وإصرار شعبنا على أن التضحية جزءُ مِن نضاله لأجل الوطن ولأجل الأسرى، هذا الإدراك منح حماس قوة وعزيمة في التمسك بمواقفها وإشتراطاتها، والصمود أمام كل الضغوطات في معركة ينتظر نتائجها شعب بأكمله يحمل بوجدانه اعترافًا بنضالات أسراه، وأسرى ينتظرون فجر الحرية، وعائلات تعانق الأمل ببزوغ أبنائها، وهنا وأمام التسريبات عن صفقة التبادل انتابت شعبنا مشاعر متناقضة، ما بين السعادة بتحرير أسرانا دون أي إعتبارات سياسية وحزبية، وما بين الريبة وخيبة الأمل من نتائج هذه العملية، وإنها لم ترتقِ لمستوى الطموح والمأمول منها.
وبناءً عليه لابد مِن قراءة الموقف من كل زواياه، وجوانبه، وخصوصياته، وأبعاده، لكي يمكن قراءة موقف حماس، ودوافعها حول عقد صفقة التبادل الأخيرة.
بداية مرّت الساحة الفلسطينية بِعدة متغيرات على المستوى المحلي المرتبط بالمتغيرات على المستوى العربي عامة، وعلى وجه التحديد مصر بَعد ثورة 25 يناير 2011م، التي خلقت حالة من التقارب بين حماس والمجلس العسكري الحاكم في مصر، الذي يلعب دور الوسيط الفاعل والمؤثر بين القوى الفلسطينية وإسرائيل، وهو دور عجز عنه نظام حسني مبارك رغم علاقاته المميزة مع إسرائيل، مما يشكل العديد من علامات الإستفهام والتعجب معًا حول هذا التأثير الفاعل للدور المصري، والمجلس العسكري، فيما يتعلق بعلاقاته مع إسرائيل، وقدرته الفاعلة في إحداث ثلاثة متغيرات هامة على الصعيد الفلسطيني، هما:
أولًا: نجاحه في وقت قياسي وغير متوقع بإقناع الأطراف الفلسطينية( فتح وحماس) على توقيع ورقة المصالحة.
ثانيًا: تحجيمه وكبحه للجماح الإسرائيلي في ضرب غزة بعد عملية إيلات(أم الرشراش).
ثالثًا: نجاحه في التوصل لإتفاق صفقة التبادل، رغم إصرار حماس على شروطها، وعناد إسرائيل، بشأن الصفقه.
رابعًا: نجاحه في عقد لقاء على مستوى عالي والأول من نوعه بين قائد جهاز القسام العسكري والمفوض الإسرائيلي بشأن صفقة التبادل، وهو ما يعبّر عن تحول خطير في منطق حماس، ولقاءاتها المباشرة وجهًا لوجه مع قيادة الكيان الصهيوني.
قبل أن نقدح زند أفكارنا، ونشعل وهج تركيزنا السياسي العميق، لا بد لنَّا مِن استجماع مجريات الأحداث، حدثًا تلو حدث لنصل إلى غايتنا الأساسية في التعرف على المتغيرات في الموقف الأساسي لحماس مِن عملية التبادل، والذي كان يُصرْ على اطلاق سراح أسماء معينة، ومحددة وبعض الاشتراطات الهامة، من أهمها الإفراج عن القادة الفلسطينيين وعلى وجه التحديد( مروان البرغوثي، وأحمد سعدات) لما يمثلاه من أهمية لدى الشعب الفلسطيني بغض النظر عن اتنائهما الحزبي، وخلفيتهما السياسية، وذلك يدفعنا للتالي:
1. إدراك حماس أن فترة سيطرتها الزمنية على جغرافية غزة لم تكن بأي حال من الأحوال في صالحها شعبيًا، حيث افتقدت حماس للجزء الأعظم من شعبيتها التي إكتسبتها قُبيل انتخابات 2006م، وهو ما قفز بها لرأس الهرم السياسي الفلسطيني، ما شكل هاجس مخيف لدى حماس في غزة من المستقبل، ربما يتضح ذلك في محاولاتها أحيانًا لتعديل سلوكها أو جزء منه في العديد من القضايا والممارسات على المستوى الفردي والجماعي.
2. ادراك حماس أن المتغيرات المحيطة في البيئة الإقليمية لها إنعكاسات مؤثرة على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وأن الشارع الفلسطيني بدأ يتأثر بالمتغيرات المحيطة، ويُعبّر عن حالة تملل فعلية رغم إنها لا زالت في المهد، وأن هذه الحالة تنمو وتكبر، وربما تشكل مدخلًا سلبيًا ضد حماس ومشروعها السياسي في غزة، وتعود بها إلى خلق حالة مواجهة مع الشعب الفلسطيني تمثل فرصة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في فرض مزيدًا من العزلة ضدها، كما هو الحال مع النظام السوري حاليًا.
3. استحقاق أيلول، وخطاب الرئيس الفلسطيني ( محمود عباس) أمام الأمم المتحدة، والذي خلق إلتفاف شعبي ورضا لم يشهدهما الشارع الفلسطيني منذ فترة حول الرئيس خاصة، وحركة فتح عامة.
4. محاصرة حماس لقوى المقاومة الفلسطينية، وقمعها لأي محاولات مواجهة على حدود غزة مع إسرائيل، وهو ما طرح مواجهة داخلية في صفوف حماس الداخلية، وكذلك مع القوى الخارجية التي بدأت تتأفف من الإعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد شعبنا في غزة، وكذلك طرح العديد من الأسئلة من القوى الشعبية الفلسطينية والعربية عن ماهية برنامج حماس المقاوم بعد صعودها للسلطة.
بناءً عليه سعت حماس بكل جهد لإحداث انقلاب في الحالة الشعبية الفلسطينية، وتحويل مسار البوصلة صوب اتجاهها، وهو ما تُرجم بمفاجأة الجميع بالإعلان عن صفقة تبادل الأسرى، في أوضاع فلسطينية تعتبر مواتية في التوقيت والهدف لحركة حماس وشعبنا، خاصة وأن أسرانا أعلنوا عن إضرابهم المفتوح في السجون الصهيونية، وسط سخط شعبي وجماهيري على عملية التجاهل الفصائلية لهذا الإضراب، فرأت حماس بعقد الصفقة كحجر تضرب به عدة عصافير، ما عبّر عنه حجم الاحتفالات التي نظمتها حركة حماس عشية الإعلان عن الصفقة، وما عبّر عنه خطاب (خالد مشعل) رئيس المكتب السياسي لحماس الذي حاول أن يخاطب عاطفة الشعب الفلسطيني على غرار خطاب الرئيس( محمود عباس) أمام ألأمم المتحدة.
بغض النظر عن الغوص في تفاصيل صفقة التبادل، فإنها بشكلها المظهري العام تعتبر مُنجز وطني هام وتاريخي قياسًا بأنها تحرر اسرى فلسطينيين لا يمكن الممايزة بينهم في الألم والمعاناة والتضحية، فالأسير قائد كان أم عنصر يتساوى في الألم والمعناة، ومجرد تحرير أي أسير وبأي وسيلة كانت هو منجز وطني لا بد من مباركته والثناء عليه، والاحتفاء به، ومشاركة اسرانا فرحتهم وحريتهم.
أما عند تحليل الصفقة والإبحار في تفاصيلها، يمكن القول أن حماس خذلت شعبنا، وخذلت اسرانا بتخليها عن بعض الاشتراطات، خاصة وأن مِثل هذه الفرص ليست متاحة دومًا أمام ثورتنا وفصائلنا بل هي فرص تاريخية لا تتكرر إلاّ بعد عقود زمنية طويلة جدًا. من هنا فإن حماس خذلت شعبنا بتسرعها، وكذلك اسرانا بعدم صمودها أمام الضغوطات السياسية التي تلاحقت في ساحتنا الفلسطينية.
رغم كل التحفظات إلاّ أن الصفقة تعتبّر منجز وطني تاريخي يتوجب أن يشكل حافزًا لقوانا المقاومة، للبحث عن وسائل لللإفراج عن أسرانا وتحريرهم فالغاية تبرر الوسيلة.
0 comments:
إرسال تعليق