الثورة السورية .. بين رحى الرعب والمواقف الإشكالية/ د. عيدة المطلق قناة

منذ انطلاقة الثورة السورية المباركة في الخامس عشر من مارس ، والشعب السوري يتعرض لأبشع أساليب القمع ينفذه تحالف – غير مقدس - من الجيش وعشرات التنظيمات الأمنية وفرق الشبيحة والإعلام الحكومي وأبواق النظام في الداخل والخارج.. حملة وجهت كافة الأسلحة بدءاً من البلطات والهراوات وصولاً إلى الدبابات والطائرات والبوارج وما بينها .. وحتى المبيدات .. !!

تشابكت مفردات المشهد السوري .. فشملت قصف البر والبحر والجو.. واقتحامات متكررة للمدن والقرى الواحدة تلو الأخرى .. حملات تمشيطية ومداهمات للمنازل و ترويع الآمنين .. استهداف ممنهج للأطفال والنساء والشيوخ .. اقتراف لأقذر الجرائم وتعذيب الناس والتنكيل بهم على مرأى العالم وسمعه !!

استباحة لكل المحرمات.. وتطاول على كل مقدس من تدمير للمآذن والمساجد والمدارس والمستشفيات ؛ حتى بات إعدام الجرحى هو الحل .. وقطع متكرر للتيار الكهربائي عن المستشفيات أدى إلى وفاة نزلائها من الرضع والخدج .. ناهيك عن وقوف القناصة بالمرصاد لطواقم الإسعاف
وحتى المقابر لم تسلم من هذه السادية !!

قتل متعمد للمتظاهرين حتى نال من العلماء والعقول .. وصل حد الإبادة والمقابر الجماعية تنتشر على مساحة الجغرافيا السورية !!

اختطاف واختفاء أشدها إيلاماً اختطاف الفتيات والأطفال ...!! ولعل أفظعها اختطاف شقيقات المعارضين واغتصابهن والتنكيل بهن وقتلهن أو إلقائهن في البساتين وهن بحالة صحية حرجة جدا لإجبار الملاحقين على تسليم أنفسهم !!

سادية - غير مسبوقة – قوامها التنكيل الفظيع بالضحايا والموت تحت التعذيب ركلاً وضربا ً ورقصاً على الأجساد ؛ وشتماً وتحقيراً للمعتقدات .. وما بعد الموت تمثيل بالجثث وسرقة للأعضاء – كيف لا ومن بين الشبيحة أطباء متخصصون بسرقة الأعضاء !!

جرائم لا يحتملها عقل ولا يقبل معها السكوت .. ومنظمة العفو الدولية تعلن بأن لديها تقارير تفيد "بوفاة (103 حالات) أثناء الاحتجاز منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا في مارس آذار هذا العام ضد حكم الرئيس بشار الأسد... منها خمس عشرة حالة وقعت منذ أواخر أغسطس حتى أواخر سبتمبر وتحمل الجثث آثار ضرب وأعيرة نارية وطعن" !!

آلة قمع رهيبة لم ترحم أحداً حتى الأطفال .. فالتنكيل بالأطفال فعل مقصود لترهيب المحتجين .. وتؤكده التقارير الدولية التي وثقت مقتل مائة وخمسين صبياً في التظاهرات دون سن الخامسة عشرة من العمر - حتى الآن- وإجبار أهاليهم على التوقيع على إقرارات تبرّئ الحكومة وتحيل دماء هؤلاء على ذمة العصابات المسلحة .. ناهيك عن آلاف المفقودين حتى تاريخه !!

إن مشهد الرعب المركب هذا يؤكد " الذهنية الجرائمية للنظام السوري" كما يضعنا أمام فواجع مروعة وصادمة ..ورغم ذلك فالمشهد تعتوره إشكاليات عديدة لعل أهمها يتجلى في فهم بعض المواقف ونكتفي بالإشارة إلى ثلاث منها :

الأول: علماء السلاطين و" ترزية الفتاوى " .. ونعجب من علماء يفتون بـ "تحريم الخروج على حاكم يقتل شعبه وينتهك حرماته .. ويقود نظاماً للرعب فيغتال الأطفال ، ويغتصب النساء، وينكل بالضحايا !!

فما يتحفنا به هؤلاء من فتاوى تثير القلق وتنال من الثقة والمصداقية بمؤسسات الفتوى ذاتها .. ؟؟ واختلطت على العامة الأمور خاصة وهم يشهدون التطاول المتكرر على مقدسات الأمة ودينها ورموزها وقيمها ، وما يجري من التدمير الممنهج للمساجد والمآذن ناهيك عن المداهمات المتكررة للمساجد وقتل المصلين داخلها، إلى جانب ما نشهده من تعذيب للضحايا ، وإكراههم تحت التعذيب على ترديد شعارات كفرية.. تؤله الطواغيت وزبانيتهم؟؟ ..

الثاني : فريق المترددين وأصحاب المواقف المتعارضة من ثورات الربيع العربي ، فما ينشدونه من حرية وعدالة وكرامة يسعون لتحقيقها بمختلف الوسائل والسبل ( في الأردن على سبيل المثال لا الحصر) ، يصبح في سوريا مؤامرة خارجية تنفذها عصابات مسلحة عميلة ومندسة.. كيف لا والنظام السوري نظام ممانعة ومقاومة ؟؟؟ )
لم نسمع من هذا الفريق أي موقف استنكاري لأي من الجرائم ومشاهد التعذيب التي تنفذ في الشوارع والمدارس وعلى مرأى ومسمع الناس !! ألا يخشى هؤلاء لعنة التاريخ إذ هم يصمتون على إهانة شيبة الشيوخ ، وانتهاك طهر الطفولة وشرف الأعراض، وقداسة المعتقدات؟؟

أما الثالث : فهو الجيش : لقد كشف الربيع العربي تبايناً في عقائد الجيوش العربية ، فمنها من حافظ على شرف عسكريته وعقيدته التي تربى عليها في حماية الشعب والوطن ضد أي عدوان خارجي أو داخلي وتحريره من أي احتلال قد يقع على الوطن أو على أي جزء من هذا الوطن.. ومنها من اختار أن يكون جيشاً لعائلة / عصابة احتلت هذه الأوطان ؟

هذه الجيوش مطالبة.. والتوقف عن استخدام القوة، ورفض أوامر القتل و التعذيب و البطش، ووضع حد للمسلسل الإجرامي و نزيف الدماء والانحياز للكرامة والحرية والعدل.. بمقدار ما هي مطالبة بصيانة الاستقلال الوطني .. واستعادة دورها وعقيدتها وهيبتها!!

شعوبنا إذ اختارت الموت على المذلة، لم تعد ترهبها الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود وهي تذرع الشوارع والأحياء .. وها هي تستعيد أوطانها الواحد تلو الآخر .. ولن تكون سوريا – أو أي وطن عربي آخر - استثناء..!!

لقد اختارت أمتنا أن تكون سيدة بين الأمم وشامة رائعة على جبين البشرية .. فمن يصنع الحرية لا يعود للعبودية .. ومن عرف معنى الكرامة لا يرضى بالذلة.. !!
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون


CONVERSATION

0 comments: