مجرد أسطورة، والأسطورة: حكاية بأحداث فنتازية عجيبة خارقة للمتعارف والمعتاد تقوم الذاكرة الجمعية بصياغتها وفقا لخيالها الجامح لتشبع نهمها للمستغرب من الأمور، وهي قد تكون واقعة حقيقية ولكن ليست مطابقة لتفاصيل ما يروى ومبالغاته، وقد تكون من نسج الخيال وليدة فضاءات وهمية ولا أصل لها في الواقع. أتلانتس القارة والتاريخ تبعا لهذا الفهم مجرد أسطورة يقولون أن هناك العديد من الأدلة والمعلومات التي تؤكد حقيقة وجودها بدلالة وجود الكثير من أخبارها في الموروث الفكري الإنساني للشعوب والحضارات القديمة، أفلاطون تحدث عنها مدعيا انه استمد أخباره من مخطوطات مصر القديمة، تحدث أفلاطون عن عادات وتقاليد وعلوم أهلها وعن حضارتهم التي أبدعت في الهندسة والري وعن ثرائهم الفاحش بسبب وفرة الثروات الطبيعية. وتحدث كذلك عن فسقهم وفجورهم وتجبرهم وطغيانهم وإهمالهم لأخوتهم من جياع بني البشر، وفي كتاب الله العزيز: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} والطغيان المصحوب بالفسق والفجور يغضب الرب فيقابله الله سبحانه بغضب رهيب يصبه على الطغاة دونما رحمة وهو ما تكرر عبر التاريخ سواء مع أتلانتس وأهلها أو حتى مع فرعون وجنوده وقد عاصرنا تكراره يوم سقوط الطغاة الأسطوريين، وسوف يتكرر مع الدجال اللعين في صحراء جزيرة العرب يوم تخسف الأرض به وبجنوده وأتباعه.
بمعنى أن كل التقدم والتحضر والقوة والغنى والعلوم لم تشفع لأتلانتس بالوقوف بوجه الكارثة الساحقة الماحقة التي تسببت في غرق القارة بأرضها وسكانها وحيواناتها وثرواتها في أعماق البحر لمجرد كارثة طبيعية تمثلت بزلزال عنيف أمره الله بابتلاعها.
ما حدث لقارة أتلانتس ليس غريبا ولا مستبعدا وقد تكرر بالتأكيد عشرات المرات وممكن أن يتكرر، بل إنه تكرر بدرجات أقل فأباد مناطق جغرافية شاسعة من الوجود بطرفة عين، ويكاد زلزال اليابان الأخير أن يكون خير واقرب الشواهد إلينا، لكن هل الإنسان مستعد للإيمان بهذه الآيات والتصديق والاعتقاد بها وهي التي جعلها الله للذكرى وللتنبيه فقال سبحانه: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم لعلهم..........}
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله كان إنسانا ولكن التفكر بعظمة تلك الآيات دفعه للبكاء بحرقة، وقد جاء في حديث أخرجه ابن حبان برقم 620 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم 1468 أن بلال الحبشي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله يُؤذنه بالصلاة فرآهُ يبكي، قَال: يا رسولَ اللهِ لم تَبكي وقَد غفر الله لَك ما تَقَدم وما تَأخر؟ قَال: "أَفلا أَكون عبدًا شكورًا، لَقَد نَزلَت علَي اللَيلَة آية ويل لمن قَرأَها ولَمْ يتَفكر فيها" وقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
أما البشر الآخرين فإنهم لمجرد أن يشيحوا ببصرهم عنها بعيدا ينسونها ولا يتذكرونها؟ ولذا قال الحكماء: إن النسيان نعمة منّ الله بها على عباده لكي لا يقتلهم اجترار الذكريات ودوام الحزن على المصائب، وقد قيل: إن الإنسان سمي بهذا الاسم لأنه ينسى، فقال الشاعر تساوقا مع هذا الفهم:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه وما القلب إلا انه يتقلب
وتأتي أعمال البشر لتؤكد هذه الحقائق وتصور هذا التلون، فهو إن بكى على صورة شبح طفل صومالي يلفض أنفاسه الأخيرة جوعا وحرمانا، سرعان ما يضحك ملء شدقيه حينما يرى منجزا ترفيا يسلب الألباب فيتيه جذلا وطربا ونشوة، وربما بسبب حاجة الإنسان إلى دفقات النشوة تراه يتفنن بصرف المليارات هنا وهناك ولاسيما في إقامة نصب تصعق العقول، لكن أن يكون البذخ بالشكل الذي رافق بناء منتجع وفندق "أتلانتس نخلة" في دبي فوق جزيرة النخلة الاصطناعية والذي بلغت كلفته مليارات الدولارات، فضلا عن مصاريف احتفالية الافتتاح التي قيل أن الألعاب النارية التي استخدمت فيها فاقت من حيث الكمية والكلفة بسبع مرات تلك التي استخدمت في حفل افتتاح أولمبياد بكين الذي أبهر العالم! فذلك قمين بالإنسان أن ينحدر من درجات إنسانيته إلى درجة فسق أهل أتلانتس القدماء ويهيئ نفسه لاستقبال الزلزال المرعب الذي سيقتلعه من جذوره ويغرقه في عالم الفناء والتلاشي، لأن هذا المنتجع الخيالي لم يأت ليسعد البشرية المعذبة أو ليسد أود جياع الصومال والقرن الأفريقي أو ليمنع المتطرفين الإسلامويين من ارتكاب المجازر، ولا لسكنى المشردين في العالم الفقير لأن السكن فيه غير متاح حتى للأغنياء الصغار والمتوسطين وبعض الكبار، ويكفي خيالا وخبالا أن كلفة مبيت الليلة الواحدة في أجنحته المبنية تحت القوس تساوي 19000 دولار، وكلفة مبيت الليلة الواحدة في الأجنحة المقامة فوق القوس تبلغ حوالي 25 ألف دولار! فضلا عن 1539 غرفة كلفة مبيت الليلة الواحدة فيها تكفي لإشباع عشرات الجياع في العالم.
نحن لا نحسد الناس على ما أعطاهم الله ولكننا نذكرهم بأن هذا العطاء امتحان، ولا نرفض أن يتمتعوا بما بين أيديهم ولكننا نذكرهم بقول الإمام علي عليه السلام: " إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما منع غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك " وقول الإمام الصادق عليه السلام: " إن الله عزّ وجل فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به، ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، وإنما يؤتى الفقراء فيما أتوا من منع حقوقهم لا من الفريضة"
ولا ننكر عليهم بحثهم عن المتعة المباحة بحدود المعقول لكننا نذكرهم بأن بعض النسيان مهلكة ولاسيما متى ما قاد النسيان الإنسان لأن يستخف بمآسي الحاضر المر وفواجع التاريخ القديم، فينسى أخوته الجياع المعدمين ويغض الطرف عن صراخهم، وينسى ما حل بأتلانتس القارة نتيجة البطر والفسوق فيسمي منشأه الخيالي المقام على جزيرة في البحر باسمها،
وألا لماذا يصرف الساهي اللاهي المتباهي مليارات الدولارات على منشأة للبطرين المتخمين المترفين ولا يلتفت إلى آهات وصراخ الجياع في الصومال خاصة والعالمين العربي والإسلامي عامة؟ ألا يعني ذلك أن فعله عين فعل من يستحق غضب الرب، فيا خوفا على أتلانتس الجديدة أن يبتلعها البحر فتصبح أثرا بعد عين.لأن الذين أقاموها ونسوا آهات المعذبين في الأرض ظلموا أنفسهم فحق عليهم قول ربك: {وما ربك بظلام للعبيد} ،{وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}،{وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} ، {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين}
0 comments:
إرسال تعليق