الكلمات تعجز عن مواساة الإخوة الأتراك في مصابهم بالحدث الجلل.. الزلزال الذي ضرب جنوبها الشرقي قبل أيام وأودى بحياة المئات وشرد الآلاف.. والكلمات تعجز عن التعبير عن الفرحة التي انتابت شعب تونس الشقيق وهو يكحل عينيه بأول انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها نحو 90% من المواطنين بمليء حريتهم واختيارهم منذ إعلان الاستقلال عام 1956.. وتعجز عبارات التهنئة بكل ألوانها وبلاغتها للأشقاء الليبيين وقد سقط هُبل وقضي على أسطورة القذافي وانجلت الظلمة من سماء ليبيا بعد تلبد دام أكثر من أربعة عقود.. وذرف دمعة حزينة على الشعب اليمني الشقيق الذي يتعرض لقمع دموي واستهبال من دكتاتوره الأرعن المستبد الذي يتمسك بصولجان الحكم ضد إرادة شعبه، الذي يخرج متظاهراً بالملايين كل يوم منذ أكثر من ثمانية أشهر مطالباً برحيله.
أما الحديث عن سورية فالأمر جلل.. فلا زالت آلة القمع الأسدية تستبيح الإنسان السوري في الشارع متظاهراً سلمياً، وفي البيت مع أسرته آوياً، وفي جنازة الشهداء مشيعاً، وفي المسجد عاكفاً أو مصليا، أو إذا ما دفعته نخوته لإسعاف جريح ينزف.. فالمدن والبلدات والقرى السورية محاصرة ومقطعة الأوصال، تستبيحها قطعان الذئاب الكاسرة ومجموعات الضباع الجائعة التي يطلقها النظام الأسدي لتفتك بالسوريين، بغض النظر إن كانوا نساءً أو أطفالاً.. شيوخاً أو شباباً.. فالكل مستهدف والكل مطلوب، فمصاصو الدماء لا يتورعون حتى عن الجرحى والأموات ولا يميزون بين إنسان أو حيوان.
كل هذا القمع الفظيع والوحشي يحدث واللجنة العربية التي شكلتها الجامعة العربية في طريقها إلى دمشق بعد موافقة النظام على استقبالها بعد تردد وإحجام، وقد أعد جوفة من المقربين على أنهم يمثلون المعارضة، بعد أن أخفق في إقناع بعض رموز المعارضة في الداخل على اللقاء مع اللجنة، وستطالب هذه الجوقة (الديكور) لجنة الجامعة العربية بأن يكون الحوار مع السلطة تحت سقف الوطن، ودون أي تدخل خارجي سواء كان عربي أو أجنبي، دون الممانعة بوجود رمزي للجامعة العربية كمراقبين.
لقد كان أول بنود قرار الجامعة العربية الطلب من النظام السوري أن يتوقف فوراً عن قمع المتظاهرين السلميين ووقف عمليات القتل وسحب الدبابات من المدن وإبعاد كل المظاهر المسلحة من الشوارع، ورداً على ما طلبته الجامعة العربية لإنجاح مبادرتها، قام النظام بعكس ذلك بقتل وجرح واعتقال وتهجير المئات قبل الترحيب باللجنة والقبول بزيارتها لدمشق، تعبيراً عن رفضه لأي مبادرة عربية أو دولية، لوقف هذا القمع الأعمى والمجنون الذي يتبعه كوسيلة وحيدة لإجهاض الثورة التي انطلقت في سورية على امتداد رقعتها بكل مدنها وبلداتها وقراها منذ نحو ثمانية أشهر، مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية ورحيل النظام الديكتاتوري والشمولي الذي جثم على صدر سورية لنحو نصف قرن، ذاق خلاله الشعب السوري كل طعم المرارات وألوان العذابات وفنون الفساد والتخلف، وتردي الحالة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصناعية والتجارية والمهنية، إضافة إلى فقدان أجزاء عزيزة من تراب الوطن (الجولان)، وهزائم وانكسارات عسكرية (حرب حزيران 1967 وحرب تشرين 1973 وحرب لبنان 1982 وضرب المنشأة النووية في دير الزور وضرب عين الصاحب العسكرية والتحليق فوق القصور الرئاسية)، ومشاركة الأعداء في احتلال بعض الأقطار العربية (احتلال الأمريكيين للعراق 2003) أو في دعمها في اعتدائها على البعض الآخر (دعم إيران في حربها مع العراق 1980-1988)، والتدخل بشؤون بعض دول الجوار ودعم الإرهابيين في إثارة القلاقل والخلافات والصراعات الطائفية بين أعراقها وطوائفها وفصائلها (لبنان وتركيا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية).
ستحل اللجنة العربية ضيفة على النظام وقد انقضت نصف المدة التي أعطتها الجامعة العربية مهلة للنظام السوري، كي يتوقف عن قمع المتظاهرين السلميين ويتوقف عن قتل السوريين المدنيين ويبدأ بالحوار الجاد مع المعارضة السورية برعاية الجامعة العربية وتحت سقفها، وهذا ما رفضه النظام على لسان مندوبه في الجامعة العربية قبل صدور بيانها، فماذا ترتجي هذه اللجنة من النظام السوري الذي أخل بأول بنود المبادرة التي تدعو النظام إلى الوقف الفوري للقمع والقتل، وسحب الدبابات وكل المظاهر المسلحة من المدن والبلدات والقرى السورية؟!
المجلس الوطني الذي يمثل المعارضة السورية الحقيقية في الخارج والداخل أعلن أنه يمكن أن يلتقي مع النظام تحت سقف الجامعة العربية فقط على أساس تسليم السلطة ورحيل النظام بكل مكوناته، وأعلن رئيس المجلس برهان غليون أن النظام سقط ولم يعد أمامه إلا الرحيل.
كما دعا غليون الشعب السوري إلى الإضراب العام في كل المدن والمحافظات السورية الذي يمكن أن يصل إلى العصيان المدني، الذي سيكون الضربة القاضية التي ستسرّع في سقوط النظام ورحيله، وقد بدأت العديد من المدن والبلدات في درعا ومحافظتها وحمص ومحافظتها وإدلب ومحافظتها ودير الزور ومحافظتها تنفيذ هذا الإضراب منذ أيام ولم يتمكن النظام بكل وسائل قمعه البربرية من ثني الناس عن هذا الإضراب الذي شل الحياة في تلك المدن والبلدات والقرى.
بقي من مهلة الجامعة العربية للنظام نصفها ولم يتحقق على الأرض أي شيء من طلباتها، فلا يزال النظام سادراً في غيه موغلاً في بطشه وقمعه، يسفك الدماء ويستبيح المحرمات والمقدسات، ويقصف المدن والبلدات والقرى بالمدفعية ويدك منازلها على رؤوس ساكنيها، مخلفاً الخراب والدمار والأنين والعويل والبكاء في كل مدينة أو بلدة أو قرية يدخلها قطعان شبيحته ورجال أمنه، فماذا سيكون عليه موقفكم بعد كل هذا الذي يقترفه النظام من آثام وفواحش إذا ما انتهت مدة الخمسة عشر يوماً التي أعطيتموها لهذا النظام وماذا ستفعلون؟!
الشعب السوري تعب من سماع الكلمات وهو بانتظار الأفعال.. مجَّ التصريحات النارية والمتخاذلة والبيانات المنددة.. يريد قرارات فاعلة تجسدها الوقائع على الأرض، فهذا النظام الذي لا يعرف سوى القمع والعنف لا يمكن كف يده إلا بالوسيلة ذاتها التي يفهمها، فهل سنسمع عن قرارات حاسمة للجامعة العربية تنصف بها الشعب السوري وتساعد في وقف المسلسل الدموي الذي يعيشه منذ أكثر من سبعة أشهر، قدم خلالها أكثر من خمسة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين، وعندها فقط سينشد الشعب السوري (بلاد العرب أوطاني.. وكل العرب إخواني)!!
0 comments:
إرسال تعليق