يقول مثل عامي يتردد كل يوم : «الف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمه». لقد دخل هذا المثل صميم الحياة السياسية العربية وتحول الى ثقافة عصرية شبه شاملة. والجبانة صفة معيبة نقيضها الشجاعة. ولكن جبانة العرب تقابل بالوقاحة من قبل «حامية الاحرار والحريات» اميركا وبالقتل والابادات الجماعية من قبل اسرائيل.
لا نفهم ولا يفهم احد كيف يتجوّل سفير واشنطن روبرت فورد على طول وعرض الاراضي السورية فيزور حماه ودرعا يوحرّض ضد الحكم ويقوم بجولات على مراكز مناوئي النظام وعندما ترشق سيارته بالبيض والطماطم والزبالة تثور واشنطن وتوبخ السفير السوري لديها.
- ان الاعراف الدبلوماسية وفق الاتفاقيات الدولية تمنع اي سفير او قنصل او ممثل لدولته ان يتدخل في الشؤون السياسية للبلد المضيف الى درجة لا يستطيع فيها اي دبلوماسي ان يدافع عن نفسه. ويذكر الكثيرون ان احد اعضاء مجلس الشيوخ الاسترالي شنّ هجوماً عام 1975 على السفير الاميركي آنذاك مارشال غرين واتهمه بالجاسوسية والتآمر فما كان من رئيس الوزراء في حينه غوف ويتلم الاّ ان ادان السناتور الذي ينتمي الى حزبه واتهمه بالجبن لأنه هاجم رجلاً لا يحقّ له الدفاع عن نفسه.
ولكن الدبلوماسي الذي لا يحق له الدفاع عن نفسه يتحول الى متحكم ومخيف عندما يدخل العواصم العربية.
بعد احتلال العراق عام 2003 قام وزير خارجية بوش الابن كولن بويل بزيارات للعواصم العربية التي لم ترحّب بالاحتلال الاميركي وهي عمان، دمشق وبيروت.. وقد استقبل بويل بالحفاوة والترحاب وابلغوه ان صدام حسين لم يكن مزعجاً للاميركيين فقط بل عانوا منه كثيراً قبل اميركا.
يعتبر مساعد وزيرة الخارجية الاميركية الحالي جيفري فيلتمن السفير السابق في بيروت قمة الوقاحة الدبلوماسية، وكاد يعتبر نفسه حاكماً مطلقاً على لبنان في الفترة التي اعقبت اغتيال الحريري وخروج القوات السورية وقد افادت احدى برقيات ويكيليكس ان فيلتمن ابلغ حكومته عام 2005 ان الجنرال ميشال عون هو المعرقل الاكبر للمخططات الاميركية وقد افشل معظمها منذ عودته.
ليس ميشال عون بونابرت ولا الجنرال غياب ولكنه امتلك الشجاعة ليسفّه سفراء اميركا ويدفع الثمن 15 عاماً في المنفى.
ان الجبانة العربية مستجدة ونتمنى ان تكون طارئة على الحالة العربية. بعد هزيمة حزيران 1967 وافتضاح الدور الاميركي بدعم اسرائيل اتخذت الجامعة العربية قراراً باجماع اعضائها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن وجرى سحب جميع السفراء العرب من هناك كما حمل سفراء اميركا حقائبهم وغادروا العواصم العربية. واتخذت آنذاك اجراءات بمقاطعة بعض المتنجات الصناعية الاميركية مثل سيارات فورد والكوكاكولا وغيرها.
كانت تلك الاجراءات خجولة ولكنها دلت على ان بعض الدماء ما زالت تسري في شرايين بعض العرب. لم يمض على قرار قطع العلاقات سنوات قليلة حتى عاد سفراء اميركا الى قواعدهم العربية باستثناء بغداد التي ابقت سفارة «حاكمة العالم» مغلقة طوال 17 عاماً. ولا شك ان القرار العراقي كان احد الاحقاد الدفينة التي ادت الى اجتياح وتدمير العراق دولة وشعباً.
لقد اختلف الحاضر عن الماضي واصبح سفراء وجواسيس واشنطن شبه حكام لبعض الدول العربية. ففي تونس وليبيا ومصر ساندت واشنطن بقوة انظمة مبارك، بن علي والى حد ما القذافي . والآن يشارك موفدو اوباما بتقرير مصير مراحل ما بعد هؤلاء الحكام. وفي اليمن اعيد عبد الله صالح الى صنعاء وناشد الولايات المتحدة ان تعترف بدوره في عملية قتل انور العولقي لأنه قدّم لها المعلومات وفتح لها الاجواء والطرقات فيما تعتبر واشنطن انها نفذت العملية دون الحاجة الى اذن لدخول ارض واجواء دولة ذات سيادة تبعد عنها اكثر من عشرة آلاف كيلومتر.
اما على الجبهة السورية تحاول واشنطن باراك حسين محاصرة دمشق من جميع الجهات متكلة على ثقافة: الف كلمة جبان.. ولا كلمة الله يرحمه.
0 comments:
إرسال تعليق