بعد إعدام القذافي ليبيا على مفترق طرق/ راسم عبيدات


.....لا أحد يختلف على أن القذافي كان نموذجاً للحاكم الديكتاتوري والطاغية والمستبد وحتى غريب الأطوار،والذي في عهدة ارتكبت الكثير من الجرائم والمظالم والتعديات على كرامات وحقوق الليبيين،حتى أن هذا الرجل أو الزعيم،اختزل الدولة والحكومة الليبية في شخصه وفي اسرته وعائلته،ولم يعمل على بناء دولة عصرية،ولم يقم المؤسسات والبنى والهيكل لتلك الدولة،بل أبقى ليبيا في حدود التوزيعات القبلية والعشائرية،وحتى أن جنون العظمة دفع به الى الكثير من "الشطحات" فهو تصور أنه "جهبذ" وفيلسوف زمانه وعصره،وإن كتابه الأخضر ونظريته في الحكم وفلسفته في الحياة بمثابة دستور أو حتى كتاب مقدس يجب ليس على الليبيين بل على العالم كله ان يسير على هديه ونهجه،فهو المخلص للبشرية من كل الشرور والمشاكل والمظالم والأزمات بمختلف تسمياتها سياسية،اجتماعية،اقتصادية وفكرية،وكذلك كنت تشعر عدم اتزانه في مواقفه السياسية وعلاقاته الخارجية،ونزعة الثأر والانتقام من خصومه ومعارضيه،وعلى الصعيد الداخلي كان يؤمن بأن ليبيا هي مزرعة خاصة به وبأسرته،وأبقى الثروات الليبية في أيدي حفنة من المقربين له ومن أبناء عائلته وأسرته وعشيرته،ولم يجري توزيع عادل للثروات،ولذلك عندما تفجر الغضب الليبي ضد ظلمه وطغيانه وديكتاتوريته،بدلاً من أن يستجيب لتطلعات شعبه،وأن يعترف ويعتذر لهم عن كل ما أرتكبه من أخطاء وخطايا بحقهم،أطلق عليهم أقذع الأوصاف وأشنعها واتهمهم بالخسة والنذالة والعمالةو"المخدرين"،ورفض أي حوار معهم غير حوار الدم والرصاص،وكنا من باب رفض الظلم والديكتاتورية والطغيان وحق الشعب الليبي في العيش في حرية وكرامة وديمقراطية نقف الى جانب الشعب الليبي وثواره قلباً وقالباً، ولكن مع مرور الزمن سارت تضح لنا الأمور على حقائقها بأن هناك أجندات ومصالح،وإن ما وراء الأكمة ما ورائها من أهداف لأولئك "الثوار"،ليس في مقدمتها لا الديمقراطية ولا الحرية للشعب الليبي،بل هناك من يريد لليبيا ان تعود لخانة الاستعمار والسيطرة الغربية من جديد، فالقوات الأطلسية الغربية التي استعان بها المجلس الوطني الانتقالي وبموافقة الجامعة العربية تحت ذريعة حماية الليبيين من قوات القذافي،تلك القوات قتلت من المدنيين الليبيين عشرات أضعاف ما قتلت قوات القذافي،وكذلك قوات المجلس الوطني الانتقالي لم تكن منزهة،بل مارست نفس الطريقة والأسلوب وارتكبت جرائم حرب،والدعم والمساعدات والتدخل العسكري الغربي،آخر ما كان يهمه حماية المدنيين الليبيين،بل كان الهم الأول والأخير لهم السيطرة على الثروات الليبية وفي المقدمة منها الثورة النفطية.

واذا كان العقيد الراحل قد ارتكب هو ونظامه جرائم حرب ضد الشعب الليبي،فإنه بات من الواضح وبعد الطريقة التي تم فيها إعدام القذافي على يد "ثوار" المجلس الوطني الانتقالي،أن ما ينتظر ليبيا الكثير،وربما تكون المرحلة القادمة أكثر سوء وخطراً لجهة استقلال ليبيا وسيادتها وكرامتها الوطنية والحريات والتعددية،فمن يدعي الدين والتدين ويتمسح بذلك،فهو يدرك جيداً أن الشرائع السماوية والدنيوية تحرم قتل الأسير أو إعدامه بالطريقة البشعة التي جرت مع العقيد القذافي وأبناءه وأركان نظامه،فالمجلس الانتقالي الذي ثار على الظلم والطغيان والديكتاتورية،يتعامل مع شخوص النظام السابق بعقلية ثأرية وانتقامية وقبلية وأحقاد دفينة،وبما يثبت أن النظام الجديد أو ما يسمى ب"الثوار"الجدد سيكونون نسخة مكررة وعلى نحو أكثر سوء من النظام السابق،وستكون ليبيا بعيدة عن نظام حكم ديمقراطي يستجيب لطموحات وتطلعات الشعب الليبي، فلا يعقل أن من سيحكمون ليبيا يمارسون الكذب والدجل علناً عندما يقولون بأن القذافي قتل في ماسورة صرف صحي،وقد عرضت كل وسائل الأعلام ،كيف ألقي القبض عليه بعد إنزاله من سيارة دفع رباعي لتجري أهانته وضربه بطريقة منافية لكل القيم والأخلاق والتعاليم السماوية،ومن ثم يجري إعدامه بدم بارد وبتبجح من قادة المجلس الوطني الانتقالي،وليذكرنا ذلك بما جرى في عملية إعدام الشهيد صدام حسين من قبل النظام العراقي "الديمقراطي" الجديد المنصب أمريكاً،فعلى شاشات التلفزة قال أحد أعضاء المجلس الوطني الانتقالي بأنه يجب إلقاء جثة القذافي في البحر لتأكلها كلاب البحر،والبعض وصف الجثة بالجيفة،ناهيك عن الإهانات التي تعرض لها عندما القي القبض عليه،والذي رغم كل دمويته وديكتاتوريته وظلمه وطغيانه،يحسب له انه لم يفرط بسيادة وكرامة ليبيا الوطنية،بل في مرحلة المد والنهوض القومي العربي،كان من أشد المدافعين والداعمين للقضايا القومية العربية والتحررية العالمية

صحيح أن إعدام القذافي هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة،وصحيح أن فرح وخروج مئات ألآلاف الليبيين احتفالاً بنهاية نظام ديكتاتوري وطاغية مشروعاً،ولكن المؤشر الخطير على ما سيكون عليه الوضع الليبي،الطريقة المهينة واللاإنسانية التي جرى فيها إعدام القذافي والكذب المكشوف في ذلك،فالمرحلة القادمة تحمل الكثير من المخاطر،ولعل واحد من أخطرها،هو دخول ليبيا في مرحلة الفوضى الخلاقة والاقتتال العشائري والقبلي،وبما ينذر ب"عرقنة" و"صوملة" ليبيا،وإقامة نظام في ليبيا يبقي على سيطرة الناتو على الثروات النفطية الليبية،ناهيك عن إقامة قواعد عسكرية دائمة له في ليبيا،فهذه القوات الاطلسية التي شاركت في قتل الشعب الليبي،أو على رأي "الثوار"شاركت في عملية" التحرير" ستحسب ثمن كل طلعة جوية أو رصاصة مع الفوائد مضاعفة عشرات المرات،وكل ذلك طبعا سيحسم من موارد وثروات الشعب الليبي،وأيضاً قبل استقرار الأوضاع في ليبيا واضح حجم التدخلات الإقليمية والدولية في ليبيا،وكذلك حجم الخلافات بين أقطاب المجلس الوطني الانتقالي،وفي حالة لم تحل التعارضات والخلافات بين أجنحة المجلس الانتقالي" الاسلاموين والليبراليين بالطرق السلمية وبالحوار الحوار الديمقراطي،فإن ليبيا ستغرق في دوامة الحرب الأهلية،وفي ظل غياب سيادة القانون والأمن ومؤسسات الدولة،وفي إطار بلد ودولة بعيدة عن المجتمع المدني الغلبة واليد الطولى فيها للعشائر والقبائل،فإن المليشيات المسلحة ستقوض أسس وأركان أي سعي لإقامة نظام ديمقراطي وحضاري.

وأيضاً فإن بناء أسس نظام ديمقراطي جديد في ليبيا،يتطلب أولاً تحقيق المصالحة،وليس على قاعدة حكام بغداد الجدد اجتثاث البعث،فهذه العقلية تدفع بالبلد نحو الخراب والدمار والتجزئة والتقسيم والتذرير،فلا يجوز أن يجري التعامل مع أركان النظام السابق بعقلية ثأرية وانتقامية،عقلية السحل في الشوارع،أو دفعهم للهرب والخروج من البلد،أو تعليقهم على أعواد المشانق.

كان الله في عون الشعب الليبي فإن ما ينتظره،هو مرحلة على درجة عالية من الخطورة،تتطلب منه الوقوف بالمرصاد للحكام الجدد،والذين قد يختطفون الثورة ويحرفونها عن أهدافها،خدمة لأجنداتهم ومصالحهم وارتباطاتهم الإقليمية والدولية.


CONVERSATION

0 comments: