لقد أدّى السجال في لبنان حول وجود او عدم جود خلايا او افراد لتنظيم القاعدة الارهابي على الاراضي اللبنانية الى معمعة سياسية صاخبة لم تخلُ كغيرها من الشجارات من الاتهامات الخطيرة مثل التخوين والانحراف والتآمر، وشارك اكثر من مئة سياسي في هذه المعمعة التي هدفت دون قصد الى استغباء المواطنين ومحاولة طمس ذاكرتهم.
وحده رئيس بلدية عرسال قال كلاماً واقعياً ومنطقياً لم يتوقف عنده غوغائيو السياسة بل راح كل منهم يستميت بالدفاع عن بلدة عرسال واهاليها مهدداً بقطع كل يد تعتدي عليها.
فقد رد رئيس البلدية المذكورة على كلام لوزير الدفاع فايز غصن عن تسلل افراد من تنظيم القاعدة الى الداخل السوري عبر اراضي عرسال. وجاء في رد رئيس البلدية: »هناك احتمال ان تكون بعض العناصر تسللت خلسة الى سوريا دون علم احد من الاهالي«... لم يتهم الوزير اهالي عرسال بالانتماء الى تنطيم القاعدة او بحماية اعضائها بل قال عبر اراضيها. ومن المعروف ان بلدة عرسال هي اوسع مساحة عقارية في لبنان حدودها مع سوريا طولها ٣٣ كيلومتراً وتبعد عنها ٥١ كيلو متراً، ويصعب على اهالي عرسال وبلديتها وعلى الجيش اللبناني ضبط حدود كهذه.
ولبلدة عرسال تاريخ طويل من الاهمال والمعاناة والعذاب وحتى الاضطهاد. فقد أمر وزير الداخلية والدفاع ريمون اده في اول حكومة شهابية عام ٨٥٩١ بضرب عرسال بالطائرات، فدمرت المنازل وسقط عشرات القتلى والجرحى ولم يضمّد أحد جراحها... وأعطيت عرسال دائماً شهرة بانها مركز تجميع السيارات المسروقة وتهريبها الى سوريا ووصفت بدويلة التهريب وواجهت مداهمات عديدة ولم يساندها أحد كما لم ينتقدها أي من السياسيين.
واليوم تتعرف عرسال على وجوه سياسيين من كل المناطق، وهي تدرك حقيقة هذه المواقف العابرة والمؤقتة جداً.
نعود الى تنظيم القاعدة وفيما اذا كانت له خلايا او اتباع في لبنان.
يذكر الجميع احداث الضنية في اليوم الاول من العام ٠٠٠٢ اي منذ ٢١ عاماً. بعد احداث الحادي عشر من ايلول ١٠٠٢ في الولايات المتحدة، طلبت وزارة العدل الاميركية من لبنان اسماء المساجين الذين نفذوا عملية قتل الضباط والجنود في الضنية بحجة انتمائهم لتنظيم القاعدة، وكان اللبناني زياد الجرّاح أحد الذين شاركوا بتفجير برجي التجارة في نيويورك. وبعد ذلك سمعنا وقرأنا الكثير عن وجود عناصر مؤيدة للقاعدة وبعضها شارك في القتال في افغانستان والعراق واليمن، وقُتل بعض هؤلاء كما افادت تقارير امنية واعلامية.
ونتذكر كذلك كشف خلية ارهابية كانت تخطط لنسف السفارة الايطالية عام ١٠٠٢، وقال التقرير الامني اللبناني ان المجموعة تنتمي لتنظيم القاعدة. وفي مجدل عنجر وجوارها حصلت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومجموعة مسلحين تابعين للقاعدة، وجاء في التقارير الامنية ان المدعو علي محمد قاسم حاتم هو المسؤول عن مجموعة القاعدة وصدرت عدة مذكرات اعتقال بحقه، كما قتل هناك المدعو عبد الرحمن عوض الذي خلف شاكر العبسي في قيادة فتح الاسلام وأشير الى انتمائه للقاعدة... وذكرت التقارير ايضا ان السعودي نجم صالح القروي والفلسطيني أمين الشهابي يقودان مجموعات ارهابية في لبنان تابعة للقاعدة.
ان هذه الاحداث جرت خلال الحقبة الحريرية وهي موثقة. ولن نتطرق هنا الى تحقيقات واخبار الصحف التي تحدثت عن المزيد من نشاطات انصار القاعدة في افغانستان والعراق واليمن وغيرها.
ان الدفاع المستميت عن قضية عدم وجود للقاعدة في لبنان مسألة تثير الشكوك على طريقة كاد المريب ان يقول خذوني. ففي الامكان القول ان لا وجود لخلايا منظمة او لمراكز تدريب لأتباع القاعدة في لبنان، ولكن وجود عناصر وافراد قضية مؤكدة وموثّقة كما أشرنا.
حسناً فعل الوزير غصن بتوضيحه هذا الاسبوع مؤكداً انه لم يتهم اهالي عرسال لا من قريب ولا من بعيد رغم بعض الملابسات التي حصلت خلال اعتقال عناصر الجيش لارهابي فرّ من الاراضي السورية الى جوار عرسال، فتدخل الاهالي وانتزعوه عنوة من الجنود مما تسبب باضطراب أمني تمكن قائد الجيش من احتوائه.
ان تحويل تصريح وزير الدفاع الذي اقتصر على عدة كلمات الى ازمة سياسية تستهدف الجيش اللبناني ودوره الدقيق والحساس في هذه المرحلة لا يمكن ان يكون مسألة بريئة او جزءاً من الحياة السياسية... فمنذ احداث مار مخايل ونهر البارد و٧ ايّار ومحاولات زج الجيش في المعمعة السياسية وتلويث سمعته لم تتوقف، وكانت تصريحات النواب خالد الضاهر ومعين المرعبي وفتفت واضحة في هذا الاتجاه.
يبدو كل ذلك في الوقت الحاضر جزءاً من الحملة على النظام السوري لاسقاطه بأي ثمن دون اجراء حسابات دقيقة لما سيصيب لبنان من جراء هذا النهج. والله وحده يعلم نتيجة قرار عرب أميركا وأوروبا تجاه سوريا حيث لا مصلحة للبنان باتخاذ المواقف الحادة او المعادية خلال الازمات العربية الداخلية وخاصة سوريا.
0 comments:
إرسال تعليق