رحيل مبكر.. واعتقال متجدد/ راسم عبيدات

...... آخر رحلة اعتقالية كانت لنا معاً،أنا والراحل الكبير الدكتور احمد المسلماني" أبو وسام" والمناضل الأسير ناصر ابو خضير في 7/6/2005،حيث جرى اعتقالنا على خلفية النية والرغبة في الترشح لانتخابات المجلس التشريعي عن دائرة القدس،وبعد التحرر من الأسر،وفي 7/1/2008 رحل الدكتور احمد المسلماني "أبو وسام" مبكرا وهو في قمة عطاءه،رحل جسدا وبقي فكرا وقيما ومبادئا ومواقفا،رحل في مرحلة الجدب والانهيار،رحل في مرحلة تحتاج الى الرجال الأوفياء المخلصين،رحل كعلم وفارس من فوارس القدس التي طالما حلم بها حرة يرفف ويخفق العلم الفلسطيني فوق قباب كنائسها ومآذن مساجدها،فهو لم يبخل عليها بالعطاء دائم الحضور والوجود والفعل في كل المناشطات الخاصة بها،مظاهرات،مسيرات،اعتصامات،لقاءات،ورش عمل،ندوات ومحاضرات وغيرها،رحل كقائد ومعلم في العمل الأهلي والمجتمعي،وكان له شرف قيادة مؤسسة لجان العمل الصحي التي كان من مؤسسيها،تلك المؤسسة التي وضعها هي والعمل الأهلي على خارطة العمل والفعل الوطني بقوة،وهو نظر لتلك المؤسسة والعمل الأهلي كحاضنة ورديف للعمل الوطني،وليس شكلاً من أشكال "البزنس" والاستثمار،أو العمل كبديل عن الأحزاب والقوى السياسية،أو تقزيم وتهميش لدورها،والتفرغ للتطاول والقدح والشتم والذم على وبالحركة الوطنية،والتحريض على مغادرتها.

نعم في الذكرى الرابعة لرحيل القائد ابو وسام،استذكر هذا الرجل المعطاء كرفيق درب ونضال،رفيق تربى ونما وشب وتفولذ في معارك النضال بكل إشكاله وألوانه،ولم يترفع عن أي عمل او مهمة كان يكلف بها،ولم يتعامل بفوقية مع رفاق حزبه الصغير منهم قبل الكبير،بل كان دائماً يترجم لرفاق حزبه شعار القائد في الميدان وفي المقدمة وليس خلف العناصر.

رحيل ابو وسام شكل خسارة ثقيلة للجبهة الشعبية بالذات وللعمل الأهلي والحركة الوطنية عامة،فهذا الرجل كان من القيادات المنتجة والمؤمنة بالتغير،والتي لديها فكر ورؤيا وإستراتيجية،يعمل بلا كلل ويوصل الليل بالنهار في سبيل مصلحة الوطن،وكان شعاره الدائم الوطن فوق الأحزاب والفصائل،وكان قانعاً بأن تلك الفترة هي مرحلة مغارم لا مرحلة مغانم،مرحلة من يصمدون فوق الجبل لا من يغادرونه،رحل ابو وسام ونحن في اعز الحاجة اليه،رحل ابو وسام ورحيله عز على الكثير من أبناء شعبه،وبدلالة ان القدس ودعته بما يليق به كقائد،حيث كانت جنازته تظاهرة وطنية وشعبية،ودعته القدس بما يليق به من فخر واعتزاز به كقائد وطني.

ابو وسام استذكر كل تاريخنا الطويل الذي عشناه معاً،وأتساءل لماذا يا موت لم تترك لي رفيق دربي؟،لماذا يا موت تترك لنا كل تجار الوطن والمرتزقة والمنتفعين والمتسلقين والانتهازيين يصولون ويجولون ويتحدثون باسم الوطن والشعب وتختطف منا الرجال الاوفياء؟،الرجال الذين نحتاجهم في اوقات الشدائد واللحظات الصعبة والحرجة؟،لولا سنة الحياة ونواميسها وقوانينها لقلت لك يا موت توقف عن لعبتك وعبثيتك هذه؟،فالأولى ان تريحنا من تجار الدم والمال،تريحنا من الذين يتآمرون على شعبنا ويعبثون بثوابته وحقوقه،تريحنا من الذين يواصلون الاقتتال على سلطة وهمية رئيسها ووزيرها وغفيرها بحاجة لأذن بالمغادرة والمرور.

أبو وسام تلك كانت رحلتنا القسرية الأخيرة معا الى سجون الاحتلال،فأنت غيبك الموت جسدا الى غير رجعة،ولكن كن مطمئناً وواثقا فما زال الأبناء يواصلون ويكملون المشوار،فرند وديما واماني يتواصلن معاً باستمرار،وكذلك هم الأبناء،ورفيقنا الثائر المتمرد ناصر ابو خضير عاد في شهر نيسان من العام الماضي/2011 وحيداً بدوننا الى السجن لفترة قد تطول هذه المرة،فهو لا يؤمن باستراحة المقاتل ولا بأن العمر له احكام،وهو يقول بانه ما دام الاحتلال موجوداً وجاثماً على صدر شعبنا،فراية الكفاح والنضال ستبقى مشرعة ومرفوعة، نعم ناصر هو ذلك الرجل في الزمن الرديء، في زمن أضحى فيه النضال مثار سخرية وتهكم من البعض،في زمن يحاول فيه البعض ان يجعل الخيانة وجهة نظر،في زمن نشهد فيه تسونامي من التطبيع ويغلف باسم المصالح العليا للشعب والوطن،ناصر لم يغادر الجبل يا ابا وسام ابداً وما زال على قمة التلة،يعلن كما تربى في مدرسة الحكيم بأنه على قصار النفس ان يتنحوا جانبا،ناصر يعلن بأنه لا انتصار بدون وحدة،ولا حرية بدون ثمن،ناصر يعلنها مدوية،بانه لا تراجع ولا استسلام،والمشاور طويل والدرب شاق،وبحاجة الى رجال أشداء مصلحة الوطن فوق مصالحهم وفئويتهم وامتيازاتهم.

ناصر يا أبا وسام مناضل من طراز خاص،هو وكل عائلته من أجل الوطن،الزوجة والأولاد والبنات،يجود ولا يبخل،ولا يلتفت الى الحسابات الذاتية والشخصية والأسرية.

هو الآن يكمل المشوار في سجون الاحتلال،يواصل العمل بين رفاقه وأخوته المناضلين،يربي ويعلم ويحرض ضد ادارة مصلحة السجون دفاعاً عن حقوق الحركة الأسيرة ومنجزاتها ومكتسباتها،يعزل ويرحل من سجن لآخر لا يهمه،المهم أن تحيا الحركة الأسيرة بعزة وكرامة،وان تصان حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها.

ناصر ليس طامحاً في مركز أو موقع،وليس باحثا عن ألقاب ورتب ونياشين،ناصر نذر نفس للثورة والحزب وللوطن،ورغم كل ذلك لم يسلم من المزايدين و"المتفذلكين"وأصحاب الجمل الثورية.

برحيلك يا أبا وسام وغيابك الجسدي عنا،واعتقال ناصر منفرداً،لم يعد يجمعنا القيد والأسر معاً،فأنت تحررت من كل القيود والأغلال،وناصر ما زالت أغلال القيد والسجن تطوق معصميه وكاحليه،ورحلته هذه المرة لا نعرف إن كانت ستطول؟،وأنا مازلت مسكوناً بحب الوطن المقيد بالأغلال والقيود،فالقدس اغلالها وقيودها أصبحت أشد قسوة ووطأة،والاحتلال لا يترك لأهلها فرصة من أجل التقاط الأنفاس،فهم في حرب شاملة مع هذا الاحتلال،الذي يستهدفهم في كل شؤون ومناحي حياتهم،حتى في أدق تفاصيلها،ويضيق عليهم الخناق،ويفرض عليهم الكثير من القوانين الجائرة والظالمة،قوانين تستهدف طردهم وترحيلهم القسري عن مدينتهم،ضمن ما يسمى بسياسة التطهير العرقي،فالمدينة تزرع بعشرات ألاف الوحدات الاستيطانية،والضرائب "القراقوشية" متعددة الأشكال والأنواع،والمصادرات والإستيلاء على العقارات والمنازل لم تتوقف،والعبث بالهوية والمنهاج والتاريخ والجغرافيا والتراث مستمرة،ومحاولة تشويه الوعي وشطب الذاكرة على قدم وساق.

ابو وسام قيمك ومبادئك وأفكارك واخلاقك ستزهر وتثمر رغم رداءة المرحلة،وهناك من يكمل المشوار والمسيرة،ورفيقنا ناصر ومعه الكثير من أسرى ومناضلي شعبنا وفي المقدمة منهم الأمين العام القائد الأسير احمد سعدات، هم ورثة للفكر والمبادئ وكل القيم النبيلة،وهم لن يتخلوا عن الفكرة بداً.

CONVERSATION

0 comments: