هل تفعلها غزة مرة أخرى؟/ د.إبراهيم حمّامي

 غزة ... هذه البقعة الجغرافية الصغيرة وغير المرئية على خريطة العالم، لكنها الكبيرة والكبيرة جداً في فعلها، غزة التي كان يجهلها العالم قبل سنوات، فباتت بصمود ورباط وتحدي أهلها وقيادتها، منارة لكل أحرار العالم، وقدوة تحتذى، وقبلة يقصدها محبو الحرية والعدالة من أقاصي الأرض، مواطنون، وناشطون، ومسؤولون وزعماء.

فعلتها غزة مرة بل مرات، يوم هزمت العدوان الغادر والهمجي في أواخر 2008 وأوائل 2009، وفعلتها قبلها يوم بدأت شرارة الربيع العربي وقبل الجميع بسنوات، يوم ثارت غزة وقضت على قواعد الظلم والفساد والطغيان في صيف العام 2007، يوم تطهرت من دنس عصابات أوسلو وشبيحتهم وبلطجيتهم.

نعم كانت تلك أول ارهاصات الربيع العربي، برفض الظلم والخنوع، بالوقوف في وجه آلة القتل والقمع، وبالتحرك الميداني الواسع بعد صبر وطول بال، تنوء عنه الجبال.

اليوم والوطن العربي يموج ويثور في وجه الطغاة، منهم من سقط ومنهم من ينتظر، هاهي غزة تسبق الجميع في حراك وفعل جديد، قد يكون شرارة من نوع آخر تصيب الأقطار العربية الواحد تلو الأخرى.

في ذكرى هزيمة العدوان الثالثة على غزة، انطلقت دعوة في غزة من رئيس حكومتها، وبعد أن زار عدد من الأقطار ولمس حب فلسطين في قلوب الشعوب العربية والاسلامية، وفي خطوة جريئة غير مسبوقة دعا السيد اسماعيل هنية "إلى إجراء حوار معمَّق لتحقيق الاندماج التام بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي"، كنواة لوحدة اسلامية أوسع وأشمل.

الدعوة وبشكل مباشر لاقت ترحيباً من قيادات حركة الجهاد الاسلامي، وتوالت التصريحات من قيادات حركة الجهاد مؤيدة لهذه الخطوة، مما يدل على وعي ونضج وفهم للمتغيرات والوقائع، وحرص على تحقيق المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة.

داود شهاب الناطق باسم الجهاد الإسلامي أكد أن حماس والجهاد "بدأتا فعليا حوارا معمقا في الداخل والخارج من اجل تحقيق الوحدة"، وأوضح إن هذا الحوار يجري في "لقاءات وحوارات معمقة لتحقيق أعلى مستوى من الوحدة بما يعود بالنفع على القضية الفلسطينية ومستقبل حركة التحرر الفلسطيني خاصة في ظل الربيع العربي وكيف يمكن الاستفادة منه.

وقال إن وحدة حركته مع حماس "ستشكل نواة لوحدة الحركة الإسلامية في العالم" مبينا إن اللقاءات "تتم في الداخل والخارج والسجون الإسرائيلية أيضا وتجري على أعلى مستوى قيادي" في الحركتين.

عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد محمد الهندي قال بدوره "إن وحدة قوى المقاومة الفلسطينية واجبٌ شرعي وضرورةٌ وطنية. وأضاف "نحن نؤمن بوحدة قوى المقاومة انطلاقاً من وعينا بأهمية هذه الخطوة على طريق استعادة الحقوق الوطنية".

وأضاف الهندي "وحدة الحركة الإسلامية ضرورة لاستقبال نهضة الشعوب وإعطائها بعدها الإسلامي"، مثمناً دعوة هنية إلى فتح الحوار.

أما القيادي في الجهاد خالد البطش فقد صرّح بعد لقائه اسماعيل هنية "ان اللقاء ناقش موضوع الوحدة الإسلامية والعربية على مستوى الشعوب والثورات، على ان تكون نقطة الانطلاقة والبداية من فلسطين عبر وحدة الحركة الإسلامية بين حركتي " الجهاد الإسلامي وحماس"، وأكد القيادي البطش ان حركته ترحب بدعوة السيد إسماعيل هنية لوحدة حماس مع الجهاد ونعتبرها "دعوة جادة سنعمل مع المخلصين من اجل تحقيق هذه الدعوة".

بالتأكيد ليست الطريق سهلاً، والأمر يحتاج إلى وقت وجهد، حتى في ظل توافق القيادات، لأن الأهم هو اقتناع العناصر على الأرض التي ما زالت تتوجس من بعضها البعض.

ما يهم أن غزة تفعلها من جديد، غزة تبدأ حراكاً وحدوياً ليكون نواة لوحدة أوسع وأشمل، قد ينجح هذا الحراك وقد يفشل، لكنه سيكون بداية الشرر الموحّد للجميع.

بصدق النوايا وبالإخلاص في العمل، وبالرؤية المستقبلية الجماعية، سيتحول الحراك في غزة إلى حقيقة وواقع، مهما طال الزمن.

الربيع العربي كانت شرارته في غزة، والشعوب العربية وقياداتها تعي ذلك وصرّح به كثيرون، والوحدة العربية والاسلامية تبدأ شرارتها اليوم من غزة.

هنا غزة – هنا فلسطين، منها تنطلق البشريات، وإليها تهفو الأفئدة.

نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير والمنفعة.

CONVERSATION

0 comments: