(مقاربة منهجية لبناء مقياس سيكوـ سوسيولوجي) (في ضوء الآية 82 من سورة المائدة)
مدخل معرفي
في هذا الجو المليىء بالفوضى المعرفية،اختلطت المفاهيم نتيجة لتشابك المواقف السياسية التي تمليها سياسات مكنت للعدو اليهودي الصهيوني،واخترق هذا العدو جُدُر الحماية من ثغرات طالما خدمت أغراضه،ووفرت له الوصول إلى المفاصل الضعيفة في جسد الأمة،ولم يأبه الكثيرون لمقياس يقاس به القول والعمل في علاقتهما بالإيمان وبأركانه فيما يتعلق بالمواقف من هذا العدو اليهودي الصهيوني الغازي المتحالف مع الكنيسة الكاثوليكية،والمسخر لطاقات المسيحيين ممثلة حاليًا في السيطرة على أصحاب القرار في الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ توريط اليهود لتلك الإدارات في حروب خارج القارة الأمريكية كاسرة بذلك مبدأ العزلة الذي فرضه مبدأ مونرو James Monroe([1])الذي صدر عن الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو الذي عاش بين (1758م – 1831م) وتولى الرئاسة في الثلث الأول من القرن التاسع عشر بين (1817م -1825م)،وأغرقوها في أوحال سياسات العالم القديم،وهم قليلو الخبرة في استيعاب ثوابته ومتغيراته؛مما فتح المجال للكيد والحقد اليهودي الصهيوني للعبث بمقدرات المنطقة،وأتاح لهؤلاء اليهود فرصة للتطلع إلى آفاق لا تعلو إليها رقابهم القاصرة وهم المغضوب عليهم والملعونون من الله ومن الإنسانية التي تنشد الحق والدل والمساواة والتقدم والسلام.
وهذا مقترح مقياس يعتمد على أصل معرفي ورد في الآية 82 من سورة المائدة،وهذه الدراسة المبسطة تذكير وتنبيه إلى أصل من أصول ثقافة الخبر يقدم له الواقع المعيش أوضح الأدلة الواقعية على الصدق البنائي للمقياس المقترح .
تظهر في الحياة الحيوانية بعض الأمثلة على ما يحدث في حياة الجماعات الإنسانية من تحكم قوانين تنظم حياة الجماعة ، ويظهر فعل هذه القوانين التي تطَّرد في تأسيس الحياة الجمعية والمجتمعية في بعض الحالات التي تغزو فيها بعض الحيوانات المجال الحيوي لحيوانات أخرى. يحدث ذلك في مستعمرات النمل وغيرها من الحيوانات ، ولدى بعض الحيوانات قدرات غرزية على تمثل الكثير من معطيات الواقع فتحولها إلى جدر حماية ، وتظهر هذه القدرة الفطرية عند أصغر الكائنات الحية مثل البكتيريا والجراثيم التي تتحوصل وتصنع لنفسها مجالاً حيويًا يحميها من متغيرات البيئة المحيطة إذا أحست بما يهدد حياتها، وفي حياة الإنسان ميول وقدرات لتطبيق تلك الأمثلة ولكن من منطلق تمويهي،ويظهر ذلك لدى الجماعات التي تعيش مرحلة ما بعد الغزو التي عادة ما تتلبس الغزاة فيها حالة من النشوة والشعور بالتفوق الثقافي والحضاري على الطرف المهزوم ؛ فيدفعهم ذلك إلى إخضاع المحيط الطبيعي والبشري لتثبيت المكاسب ، وحماية الأهداف البعيدة بعد تحقيق معظم الأهداف القريبة ، يحدث ذلك من منطلق أمني بكل مفاهيم الأمن الذي تتطور صورته، وتتعدد أشكاله، وتتصاعد ضروراته كلما تحول الطرف الغازي إلى مأسسة المكونات الاجتماعية في الكيان المصطنع،ويخيل للبعض ممن اشترك في إنشاء كيان اجتماعي في وسط غريب بتحكيم منطق القوة أنه بالإمكان فرض ثقافته ونظام حياته،والنمط السياسي والاقتصادي الذي ينشأ ويتطور بمرور الوقت ، ويحاول فرض سيطرة تصوره لأبعاد المكان والزمان،وإعادة صياغة الواقع وفق ما تمليه متغيرات البيئة التي أقام فيها كيانه في وسط معادٍ،هذه الحالة تمثل شروطًا منطقية للسلوك التنظيمي للكيانات الطارئة،وتهون عنده مكونات المحيط وخصائصه العرقية والثقافية،ولهذا الوضع أمثلة كثيرة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر،وأصدق هذه الأمثلة دلالة الإحلال البشري التعسفي في العالم الجديد(الأمريكتين وأستراليا) وفي جنوب أفريقيا،وفي الجزائر قبل الاستقلال،وفي روديسيا التي تعرف حاليًا بزيمبابوي والمستعمرون الغربيون في المستعمرات على درجات متفاوتة،ومارسه العرب المسلمون في الأندلس (مع الفارق في المنطلق العقدي والهدف التنويري النهضوي )،وأقوى هذه الأمثلة دلالة على النزعة عند الفريق المسيطر ما حدث ويحدث في فلسطين منذ ما يقرب من قرن من الزمان.
المبرر المعرفي لهذه المقاربة المنهجية:
يستند المبرر المعرفي لبناء ونشر هذه المقاربة المنهجية إلى الأصول المعرفية التي تستمد ثوابتها من القرآن الكريم ومن نصوص السنة النبوية وأحداث السيرة ،ومن الأصول الفكرية والمعرفية والواقعية الثابتة شدة عداوة اليهود للذين آمنوا وعملوا الصالحات،وعداؤهم الصريح الذي ينبع من طبيعة منهجهم المطرد في الفساد والإفساد،وبعد أن مكن لهم الغرب المسيحي من احتلال فلسطين،وعزز وجودهم الأنظمة العربية الفاسدة المتخاذلة المتتابعة فقد نجم وظهر للعيان النمطلق العنصري الإجرامي للطبيعة الإجرامية للمنطلقات الصهيونية منذ أن تجمعت على هيئة عصابات إجرامية احترافية في روسيا وبولندا ووسط أوروبا بعد التخلص من قيود الغيتو اليهودي،وبلغت أقصى مداها في الإجرام على يد شارون الهالك وأركان المدرسة الصهيونية الإشكنازية،وقطع جميع السبل لاحتمال التآلف مع المحيط الذي آواهم بعد أن هربوا من الهولوكست الأوروبي الذي تخلص منهم وقذفهم كالنفايات إلى وطننا في الأرض المقدسة،فهم في الوقت الراهن يصدرون سلوكًا وفكرًا وإجرامًا من المنطلقات اليهودية الإفسادية الإجرامية التي التصقت بهم،ويمعنون في كل ما يتناقض مع الفطرة الإنسانية،ويعاندون السنن الإلهية،ويخالفون النواميس والشرائع التي عملت على إحلال التوازن في الكون.
ومن هذا المنطلق فإننا نؤصل لمرحلة جديدة من مقاومة هذا السلوك الإجرامي الإفسادي اليهودي ،ونذكر بجدر الحماية الفكرية والثقافية التي ثبتت صلاحيتها وصدقها في مواجهة الإفساد اليهودي الذي تمكن من رقاب البشر حاليًا،ويوشك أن يصير منهجًا إفساديًا عامًا أفقد الكثير من الناس مجرد أمل في المواجهة.
ويحاول العدو الصهيوني حاليًا وبدعم من مصادر الإسناد التاريخية في الغرب إقناع الآخرين بتوفر شروط النظام الاجتماعي الطبيعي لديه،ويسوِّق لاحتمال التطبيع مع المحيط الذي اخترق بعض ثغرات حصونه لمعادلة جديدة (التطبيع والاعتراف بلا ثمن مشخص ملموس) ، بهدف خداع مكونات المحيط الطبيعية في المجال؛مما يجعل كل من يقوم بمقاربة منهجية يصدق أنه نظام أصلي في المحيط الذي أُلْصِقَ به،وتوظيف عنصر الزمن ومتعلقاته المادية والثقافية ، وتراكم التراث الإجرامي لمكونات الكيان الصهيوني المدنية والعسكرية التي كانت سببًا رئيسًا في تدمير المحيط حوله،وإرباك إن لم يكن إجهاض كل العمليات الحضارية البنائية في هذا المحيط؛بحيث يستحيل قبول أي حجة داحضة من حجج قبوله في الوسط الطبيعي والإنساني ، وما فعله في قطاع غزة على سبيل المثال (من 27ديسمبر 2008م ـ 21 يناير 2009م) ليس آخر الجرائم التي قام بها من منطلق غطرسة القوة،وتهدف هذه الدراسة إلى تأصيل العداوة الصهيونية في ضوء الواقع الذي توثقه الآية 82 من سورة المائدة ، واستشراف إمكانية بناء مقياس سيكو ـ سوسولوجي يصبح أحد جُدُر الحماية المعرفية في وجه الغزو الصهيوني المهدِد للكيان العربي،والذي يمارس الإفساد والتخريب في الوسط الإسلامي والدولي العام.
المقياس المقترح مقياس ذاتي بمعنى أنه ينطبق على كل حالة فردية،لكنه يعتمد على أصدق المؤشرات العلمية وأعلاها توثيقًا؛نظرًا لأنه ورد في سياق علمي مُنَزَّلٍ من الله سبحانه وتعالى،وهو قابل للتطبيق والقياس وفق خصائص المنهج القرآني،ويعتمد على البناء المعرفي للعلم القرآني،وبرهانه البيان،ومادته العقيدة الصحيحة بأدلتها التي تمثل ثوابت علمية.
أولاً: من وحي بعض متغيرات المرحلة الراهنة
1. (أغلى حذاء في التاريخ:حذاء منتظر الزيدي) لطالما انتظر العرب جميعًا وبلا استثناء هذا الحذاء،وجاءهم وهم في وهدة اليأس والتخبط،فبعث فيهم هذا السحر الدفين من العداء للصهاينة الغزاة،ولرمز رأس الشر والعدوان في العالم (جورج بوش الابن)،إن هذا الحذاء يمثل أكبر مؤشر على ما ينبغي الالتزام به نحو هؤلاء الأعداء، لقد أسقط كل مقولات السفسطة في التعامل مع الصهاينة وحلفائهم (الحوار ومبادرة السلام والتطبيع والمفاوضات) كلها سقطت بضربة أخطأت رأس الشر،ولكنها لم تبتعد كثيرًا عن رمزه ، ومُحال أن تغيب صورتها عن الذاكرة الفردية والجمعية.
2. الدعوات المحمومة لتسويق السلام بلا ثمن: ومنها دعوة وزير خارجية فرنسا العرب إلى التطبيع العملي (مبادرات تطبيعية ورحلات طيران وتطبيع اقتصادي واستثمارات الجمعة 19 / 12 / 2008م) مقابل وقف الاستيطان وليس مقابل الحل الشامل الذي تبناه النظام الرسمي العربي فيما يعرف بالمبادرة العربية للسلام.
3. الشعور المتنامي بالخوف لدى أصحاب مشروع أوسلو مما يحمله عام 2009م من احتمالات بعد ظهور نتائج الانتخابات الصهيونية(نجاح الليكود بزعامة نتنياهو في تشكيل حكومة وحدة صهيونية عنصرية من عتاة الصهاينة اليهود، وتصاعد موجات الاحتجاج والنقد وأحيانًا الإدانة ضدهم وضد مشروعهم ونتائجه التدميرية على الشعب الفلسطيني، وانكشاف عورات منهجهم قبل وأثناء وبعد مذبحة غزة ، وظهور الكثير من الروايات التي تدل على تورط بعض رموز هذا المشروع في العمليات الاستخبارية لصالح العدو الصهيوني في عملية اجتياح قطاع غزة ، وربما من أجل ذلك صدر القرار رقم 1850 عن مجلس الأمن في سابقة جديدة لدعمهم بعد رحلة رايس الأخيرة إلى المنطقة، وإسراع محمود عباس إلى جورج بوش في أواخر أيامه لعله يوصي الإدارة الجديدة ببعض العناية به وبمشروعه ،مع أن الجميع يعلمون هبوط أسهم هذا الرجل بين شعبه،وضعف إن لم يكن انعدام تأثيره في وطنه مع قرب نهاية ولايته،وبعد الحملة النفسية والإعلامية الشعواء عليه بعد حادثة الحذاء، وربما من بين أسباب ذلك كانت المسرحيات المكشوفة في أكثر من عاصمة،التي لعبها رموز النظام العربي الرسمي بهدف التمكين لليهود من تدمير نهج المقاومة،واستمرت طوال العمليات العسكرية في قطاع غزة طوال ما يزيد عن ثلاثة أسابيع وصدور القرار 1860 عن مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الصهيونية عبر الولايات المتحدة وحلفائها .
4. التضليل المعرفي وتعدد صور الشرعيات تحت وطاة العجز والانقسام : تتعرض ثوابت القضية الفلسطينية الحالية لعبث مقصود يهدف إلى اختراق الثوابت التي لم يتجرأ إلا القليلون على المساس بها،وحتى هذا البعض فقد تسلل إلى تلك الثوابت تحت ستار تمويهي سالكين طرقًا (التفافية) أوهموا فيها أصحاب الحقوق الثابتة بأنهم يقومون بعمل شرعيٍّ مرحليٍّ وصولاً إلى الحلم الحقيقة الذي يسكن وجدان وضمائر شعب طُرِد من أرضه في أزهى عصور التنوير ، وكان الجميع يعتقدون أنهم راجعون(غدًا) إلى منازلهم وأراضيهم ، حتى صدمتهم جبال الواقع التي جعلت هذا(الغد)يستطيل ليغدو عقودًا من المستحيلات التي كرستها عوامل الداخل والخارج، وكانت سلطة أوسلو وفريق عباس أبشع تجسيد لها ، ويدور حاليًا حوار بين النخب في الواجهة الثقافية للأمة يتناول قضية تجنَّب الكثيرون الخوض فيها من منطلقات عقدية خشية الوصم بدعوى (السامية واللاسامية)التي ابتدعها الفكر الصهيوني الغائي كدعم احتياطي لابتزاز كل من يدخل في دائرة الوصم لأي فريق يصنفونه بأنه عقبة في طريق تحقيق خططهم التدميرية الإفسادية.
5. شدة عداوة اليهود الصهاينة الغزاة المحتلين (للذين آمنوا)الذي تجسد في كل (الذين آمنوا) من الشعب الفلسطيني وكل (الذين آمنوا ) من بني البشر مما يتناقض مع (ما يؤمن به) الغزاة الصهاينة المحتلون من أشكال التزييف ، وأنواع القهر والظلم ، وكل الممارسات السلوكية المرضية التي كان بعض من ينتمون إليهم أكثر توفيقًا في تجليتها في الشخصية السيكوباتية من منطلقات إنسانية ، فليس صدفة أن يكون سيجموند فريد ومعظم علماء التحليل النفسي الذين كشفوا عن هذه السمات بطرق علمية موضوعية هم من اليهود .
عداوة اليهود للذين آمنوا موضوع تناوله القرآن الكريم في منهج كامل ، ويسميهم باسمهم الذي يصرون حاليًا على الرجوع به إلى الواجهة الحضارية والثقافية ليكون دليلاً وجوديًا معاصرًا على إعجاز العلم القرآني في البيان والإخبار بما كان،وتفسيرًا لما هو كائن في كل مرحلة من مراحل الحضارة الإنسانية،ووصفًا لما سيكون؛بحيث يراه الناظر في النصوص القرآنية وأحداث السيرة النبوية المشرفة رأي العين المشاهدة،والأذن السامعة المستقبلة لمؤثرات الواقع،ويلمسه لمس اليد الحاسة للمدركات،ويشم روائحه المادية والمعنوية ،كما يحدث عندما يدخل الفرد تجربة حسية حقيقية،مع توفر شروط سلامة التجربة الذاتية والموضوعية .
6. المتغير الفارق في المرحلة الحالية:هو ما يُعرف بالمبادرة العربية للسلام التي جرى نفض الغبار عنها ،والترويج لها في بعض الصحف ، ومواقع شبكة الإنترنت ، وأعيد تكرار الالتزام بها ف يقمة الكويت والمناسبات التي تلتها كورقة رهان لتجار أوسلو الذين ألصقوها بالأمتين العربية والإسلامية ، وما هي إلا إفراز لحالة الضياع والتخبط والتشتت التي تعيشها هذه الأمة ، وتعبير عن أزمة ثقافية ومعرفية خلفتها عقود من البعد عن الثوابت ، وإحياء النعرات ، وغلبة الخلافات ،والإفراط في التقوقع القطري ودلالاته المادية والثقاقية ، وتحكمُ بعض الأقليات من أهل الأهواء في مصائر شعوب أمة غير قابلة للقسمة إلا على الواحد الصحيح،وجريُّ البعض وراء سراب تقليد الأجانب في الهابط من القيم والمتدني من الغايات، بدلا من تقليدهم في مناهج الفكر التي تبني الحياة بناءً قويمًا،وتسخر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي تتراكم في الأبنية الاجتماعية لشعوب ومجتمعات الأمة، فتفجر الخلافات،وتزيد من عقبات العيش السلمي بين الجماعات التي عاشت قرونًا طويلة في وئام وتماسك وتكافل وتساند، والتقاعس عن البحث عن الأمور المشتركة التي توحد ولا تفرق،تجمع ولا تشتت،تلك الحالة التي كرست نوعًا من الفصام بين العقيدة والسلوك ،بين التاريخ والواقع ، بين الساسة وولاة الأمور والشعوب،ومثل هذه الحالة تشكل عوائق أمام أي عمل نهضوي حقيقي،فهي تنشر مشاعر الضعف والإحباط ، وتولد الأحقاد والضغائن،وتعيق الحركة العامة للأمة في سعيها لبناء كياناتها،والإعدادالمستقبل لصالح الأجيال القادمة.
7. ويبدو أن القصد الواضح من نشر هذه (الوثيقة) بعد أن تجاوزتها الأحداث، وطواها النسيان،واندفاع عباس وفريقه في طريق الكذب الممنهج هو الترويج لمنهج متهافت ابتدعه المذكور وفريق أوسلو المشؤومة،وتقديم الدعم لما يُطلِق عليه الساسة العرب (الشرعية الفلسطينية) حيث دفعوا هذا الفريق إلى الواجهة في مغامرات عشوائية (غير محسوبة العواقب) تهربًا من مجمل الأمة عن تحمل تبعات المرحلة،وتخليًا عن المسؤولية الدينية والقانونية والأدبية والأخلاقية التي تفرضها تبعات مواجهة الصهاينة في هذه الظروف الحالية التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ولما لمسوه في الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى من مظاهر الممانعة والمعارضة المتصاعدة ، والتي تتجلى في رفض منهج الانهزام ، والتسليم بما يطالب به الصهاينة وحلفاؤهم مما يتصادم مع أصول وثوابت عقيدة الأمتين العربية والإسلامية ، ويتناقض مع مصالحهما الحقيقية،ونتيجة لظهور الدعوات في كل مكان للوقوف في وجه العدو الصهيوني الغازي،وتسفيه ما أقدم عليه عباس وفريقه من التنازلات ، وضرورة دعم منظمة حماس التي فازت في الانتخابات عام 2006 م ، ورفضت السير في طريق أوسلو بلا ثمن ملموس يوازي التضحيات في سبيل الوصول إلى الاعتراف بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني التي لا تسقط بالتقادم ، ولا بالتنازل الذي لا يستند إلى تفويض حقيقي من أصحاب تلك الحقوق،وكما هو معلوم من نتائج المفاوضات العبثية لسنوات طويلة بلا جدوى.
8. قد يبدو في لحظة من اللحظات أن جُدر الحماية لدى الأمة قد تصدعت أو انهارت،وأنه لا مناص من الاعتراف بالعدو الصهيوني الغريب ليصبح جزءًا من الكيان المعرفي والواقعي في المنطقة العربية،وإذا كانت الأنظمة الرسمية قد سارت قدمًا في هذا الطريق كتعبير عن تلاقي المصالح بين بعض قطاعات تلك النظم مع الصهاينة في المجالات الاقتصادية،فإن التنافر الثقافي والعقدي والتاريخي والوجودي بين الغالبية العظمى من الشعب العربي وبين الصهاينة يفرض نفسه كحقيقة أزلية بموجب الأصول الوجودية لهذه الأمة،وتفعيلاً للشروط الموضوعية للبقاء التي لا تستثني أي جماعة بشرية طبيعية أصلية نقيضة للغزاة الصهاينة المحالين،وعلى الشعوب العربية أن تعيد تجديد (جُدُرِ الحماية) التي تحافظ بها على سلامة أبنيتها المعرفية،وأن تصر على فعالية تلك الجدر،ودوام أدائها لوظائفها الأزلية،فالمواجهة مع اليهود الغزاة من الصهاينة الحاليين مواجهة أزلية حتمية قدرية،وحسمها لن يتأتى بأي حال من الأحوال بالطرق السلمية مهما تصاعدت هنا وهناك الدعوات التي تصدر عن حالة الضعف والتشتت والانهزام،فإذا انهارت جُدُر الحماية في محيط الحكام وولاة الأمور من الساسة،ومن يحيط بهم،فإن لدى الشعوب العربية والإسلامية طاقات هائلة من الإمكانات لتجديد بناء جدر الحماية المعرفية والثقافية لعزل العدو الغازي كحتمية لحفظ البقاء،وتأسيسًا لمرحلة قادمة حاسمة،ومنعه من اختراق الحصون العقدية والفكرية في كل مستويات الأنساق الاجتماعية في أقطار الأمة،وهذا أمر لا دخل فيه لكل من يغفل عن قراءة التاريخ والواقع وفهم متغيراته بأسلوب علمي ، ولا يقوى أحد على التدخل في صياغته أو تشكيله إلا في حدود ضيقة،فالأمم والأوطان هي الباقية،والحكام زائلون،والأيام دول،والأرض لله يورثها من يشاء من عباده،هكذا ينبغي أن تفسر الحالة الراهنة في هذا الوقت الصعب من حالة الأزمة.
9. ومن المتغيرات الفارقة أيضًا اندفاع فريق أوسلو المشؤومة في طريق الكذب الممنهج،والعبث في ثوابت القضية الفلسطينية ،وفي ظل الفوضى المعرفية التي نتجت عن مشروع أوسلو،وفي إطار بحثه عما (يُبَيِّض وجهَه) يندفع فريق أوسلو في طريق ممنهج من الكذب بصيغ جديدة بهدف تثبيت الأمر الواقع الذي وصل إلى طريق مسدود،والاستمرار في العبث في ثوابت القضية الفلسطينية،فتجمعوا في موسم الحج لهذا العام (1429هـ ) استغلالاً لما يوفره لهم النظام الرسمي العربي حاليًا باعترافه لهم بشرعية ناقصة مشوهة،تبريرًا لحالة التهرب والعجز بحجة استقلال القرار الفلسطيني،وظهرت بعض أهداف عباس من حضوره موسم الحج عندما فاجأ الجميع وهو بملابس الإحرام في يوم التروية بكذبة ملفقة ساوى فيها بين موقف حماس من مشكلة حجاج غزة وبين منع مشركي قريش للحج،وممارسات القرامطة في مكة المكرمة عام 319هـ،عندما قام زعيمهم المعروف بسليمان بن الحسن بن بهرام المعروف بأبي طاهر بمهاجمة مكة المكرمة، وقتل من الحجاج أكثر من عشرين ألفًا،وهدم زمزم،وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، واقتلع الحجر الأسود من جدار الكعبة،وسرقه إلى مقرهم بالأحساء،وبقي الحجر هناك عشرين سنة إلى عام 339هـ (تاريخ مكة للأزرقي).
10. تكريس الانقسام في الموقف الفلسطيني،والانحياز العربي الرسمي كليًا إلى سلطة أوسلو العميلة ناقصة الشرعية،واعتراف فريق أوسلو (ظاهريًا)بفشل نهج المفاوضات العبثية،ورغم ذلك فإن هذه السلطة العميلة بممثليها هابطي المؤهلات،فاقدي الأهلية والشرعية،فاسدي الذمم الوطنية لا زالت على نهجها في الكيد لنهج المقاومة والأحرار من الشعب الفلسطيني.
11. تمايز المكون الانحرافي الإجرامي بمكوناته وخصائصه التي بسطناها في موضع سابق،وسكوته أو تأييده للحرب على المقاومة الفلسطينية فيما بين العامين الميلاديين (2008م و 2009م)وتدمير غزة وحصارها،وإصرار مصر على تركيع المقاومة،وإذلال الشعب في غزة ببناء الجدار الفولاذي بتمويل أمريكي.
12. سقوط وانهيار الثوابت العربية العامة التي حكمت الصراع مع هذا العدو اليهودي الصهيوني الغازي،وضرورة إعادة تفسير الصراع على أسس جديدة،واحتمال أن تستغرق التغيرات الكبرى التي وقعت في البلاد العربية،وتتطور إلى أحداث جزئية تستنفذ طاقات الامة نوتربك قواها السياسية،وتستنزف قدراتها البشرية والمادية،وتحرفها عن مسارها كما حدث في مصر ،وما يحدث في سوريا وفي ليبيا،وما تنذر به الأحداث في أكثر من موقع من العالم العربي ،ويبدو من سياق تلك الأحداث أنها ستصرف الأمة نهائيًا عن الصراع مع اليهود المحتلين،هذا إذا لم يكن بعض ما تسفر عنه الانجراف الكلي نحو التطبيع مع اليهود كمظهر من مظاهر الاعتراف بالجميل للغرب والقوى الخارجية من الأنظمة الجديدة ،أو كنوع من استهواء الذات بالرغبة في الظهور بمظهر الأنظمة الإنسانية التي قد تقع في شرك الشعارات اليهودية البراقة الخادعة في التقارب بين الأديان أو التسامح حتى مع محتلي الأوطان،وهذا متوقع من الممثلين الجدد الذين تأتي بهم الانتخابات من الطرفين المتناقضين.
ثانيًا:ثوابت الواقع المعرفي
1. حقيقة طبيعة الكيان الصهيوني: الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين كيان عدو عداوة أولية ،ونقيض تاريخي ووجودي وعقدي،ولا عبرة بما طرأ على العلاقات مع هذا الكيان العدو من اتفاقيات فرضتها متغيرات مرحلة يُفترض أن يعاد النظر في أوضاعها،ومن لديه أدنى شك أو اعتراض على هذه الواقع التاريخي والمادي والوجودي فليراجع سلوك جنود الصهاينة الذين كانوا يقرأون كتبهم التي تحثهم على ممارسة الإجرام،وعلينا جميعًا أن نتذكر ممارسات هؤلاء اليهود في قطاع غزة طوال ما يزيد على ثلاثة أسابيع .
2. الأصول المنهجية للعداء الإسلامي العربي ليهود الخزر الصهاينة المحتلين لفلسطين وبعض الأراضي العربية ينبع من الحق الطبيعي للدفاع عن النفس والوطن،وهو حق فطري كفلته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي تواطأت العقول السليمة على احترامها والإقرار بها،وأصبحت ثوابت إنسانية لا جدال فيها.
3. لا عبرة بما نتج عن المعاهدات التي عقدتها بعض الأنظمة العربية مع العدو الصهيوني، فالشرائع السماوية،والقوانين الوضعية تقر قاعدة وجودية أساسية في الحياة الإنسانية هي:قاعدة (القديم على قِدمه) فالقديم هو كون فلسطين كمكون جغرافي تاريخي إثني ثقافي معرفي إنساني سابقة على الوجود اليهودي الخزري المحتل،وهي أقدم من كل المكونات الانحرافية الإجرامية المنحازة إلى اليهود المعتدين،والتي أفرزتها مراحل الصراع منذ ظهور هذا الكيان الاستعماري الاحتلالي الإحلالي.
4. مصدر الشرعية لأي عمل يمس الحياة الاجتماعية يأتي من أصول عقيدة الشعب ومقتضيات الواقع الحقيقية،وبالنسسبة للأمة العربية بعد مجىء الإسلام وظهوره وهيمنته على غيره من الأديان فقد رسخ وتواتر فيهما العلم بأن:أصول العقيدة هما كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،ومنهما تأتي القوانين والأنظمة التي تنظم حياة البشر،ولا عبرة بما يخالفهما من النظم التي تحكم حياة بعض الأقليات المتناثرة هنا وهناك في المنطقة الجغرافية التي يطلق عليها(الوطن العربي)،ويتعارف عليها البشر كما يتعارفون على مناطق حياة بقية الأجناس كالجنس السلافي الذي تنتمي إليها روسيا،والجنس الجرماني الذي ينتشر في وسط أوروبا،والجنس المغولي الذي يكوِّن السواد الأعظم من الصين واليابان وأقطار جنوب وجنوبي شرق آسيا،الأمة العربية حقيقة وجودية أزلية ذات أبعاد معرفية معززة بأكبر رصيد من الأدلة العلمية الواقعية المنتشرة في كل ربوعها،تصل الماضي بالحاضر،وترسم آفاق المستقبل،ولا يؤثر فيها ما نتج عن تبعات الغزو (الصهيو أنجلو أمريكي) الذي وفد على المنطقة العصر الحديث،كحلقة في سلسلة من الغزو المتوالي الذي بدأ بالغزو الصهيوني منذ 1917م ثم الغزو الثلاثي (الصهاينة والفرنسيين والبريطانيين) لقلب الأمة في مصر في خريف 1956م وفي صيف عام 1967م لمصر وسوريا والأردن وفي شتاء عام 1991م للعراق،ثم احتلال العراق كله منذ عام 2003م.
5. إن المعرفة تولد السلوك،والسلوك الفردي أصل في صناعة الإجماع وفق قوانين التفاعل والدور والوظيفة وقوانين الاتصال والإدارة،وفي هذا الإطار ينبغي الإصرار على تعريف مكونات الصراع مع العدو الصهيوني،وبيان سبل التحكم في تلك المكونات،والثبات على منهج موحد في التعريف والتوصيف؛بحيث تجد الأجيال المتعاقبة في أقطار الأمة تراثًا تراكميًا لهذا الجانب المعرفي ضمن مكونات التراث التراكمي العام.
6. العداء الشديد من اليهود للذين آمنوا عداء يتجدد ويتلون بأسلوب منهجي من السلوك الانحرافي بأي شكل ضد من يطلق عليه اليهود (الجوييم أو الأغراب ،ويعبر عن نفسه بأقصى درجات العنف،وهذه الحالة تشبه الأمور القدرية،وفيها دليل على صدق المنهج القرآني في تفسير التناقض الأولي بين الأمة وعدوها النقيض.
ثالثًا : الفهم المعرفي للوضع الراهن في ضوء آية من آيات القرآن الكريم
· إن الوظيفة الأساسية للقرآن الكريم هي الدعوة إلى عقيدة التوحيد بالبيان والبلاغ المبين الواضح الذي يختصر المسافة الزمنية والنفسية للقبول والتسليم بصدق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغًا عن ربه جلَّ وعلا،وتجديدًا للدين الصحيح،واستمرارًا لدعوة البشرية إلى الحق والخير والسلام والعدل والحرية التي هي جوهر دعوات الأنبياء والرسل.
· فالوظيفة البيانية للقرآن الكريم تأتي في مقدمة وظائفه،والفهم الواضح لدلالات البيان القرآني في النصوص هو الباب الصحيح والمباشر لعرض تلك الوظائف العقدية والتشريعية عرضًا واضحًا،ويمثل ذلك أيسر السبل لفهم النصوص وتطبيق الأحكام،لأن وظيفة البيان هو الإقناع،والتسليم بعد الإقناع هو الطريق المنطقي للدخول في الدين الحق وتطبيق أحكامه والثبات عليه .وتلعب اللغة دورًا فاعلاً في القيام بهذه الوظيفة الاتصالية البيانية، وتثبيت قواعد الدين،وبيان الحق.
· الوظيفة البيانية كما وردت في الآية الكريمة رقم 82 من سورة المائدة ونصها :((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. ))(المائدة :82)
تقدم لنا هذه الآية الكريمة منهجًا معرفيًا كاملاً يفسر مكونات الوضع الراهن للصراع مع العدو الصهيوني الغازي الغريب.وتفصيل جوانب البيان في هذه الآية يطلعنا على قضايا معرفية كثيرة تمثل حصونًا وجدرَ حماية معرفية تؤكد ما ذهبنا إليه في الدعوة إلى ضرورة تجديد أبنية جدر الحماية تلك،ومن هذه الجوانب:
1. جملة ( لَتَجدَنَّ ) :الخطاب موجه إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم،ومن باب الأوْلى إلى أمته في زمنه ومن بعده،ولا يوجد ما يمنع من أن يكون عامًا إلى كل البشر لأن فيه نظرية معرفية متكاملة الأركان من المنطق الواضح الصريح ،والبيان الصحيح الذي يخاطب العقل،وقوانين الإقناع التي يقدم لها الواقع الإنساني الحالي بجميع أبعاده ومكوناته الأدلة التجريبية الواقعية الواضحة على صدقها.
2. ( لَ ) لام القَسم،الله سبحانه وتعالى يقسم بأن الأمور التي تتناولها الآية هي حقائق معرفية ووجودية ثابتة مؤكدة بالقسَم الإلهي،وكلام الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى توكيد،ولكن التوكيد يلزم هنا لمناسبته فهم المخاطبين من البشر.
3. ( تجدَ ) فعل مضارع له خاصية الدوام ، فالمضارع في اللغة العربية ينسحب على المستقبل كما يفيد وقوع الفعل في الحاضر،أي أنك يا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أيها القارىء أو المستمع من المسلمين ومن غيرهم،عليك أن تتأكد أن ما أقسم الله عليه هو واقع لا محالة،يتكرر في كل زمان ومكان ،وهو هنا شدة عداوة اليهود للذين آمنوا أينما وجد هذان النقيضان على مسرح الأحداث.
4. (الفاعل) ضمير مستتر تقديره أنتَ،وإضمار الفاعل نوع من التوكيد الذي يقوي توكيد القسم.
5. ( النون المشددة ) هي نون التوكيد،وهي أداة توكيد آخر لما يفيده الفعل المضارع،وهنا تبرز قضية معرفية وجودية جديرة بالتوقف والتأمل والتحليل المعرفي:وهي استخدام الفعل( تجد ) وهو صيغة المضارع من نفس الجذر اللغوي للمصدر ( الوجود ) بكل أبعاده وتفريعاته الفلسفية والبيانية،فكأن من خصائص الوجود الإنساني أن يكون هناك القضية ونقيضها( اليهود ×الذين آمنوا) اللتان تصنعان قضية وجودية ثالثة حسب الديكالتيك الهيجلي،فهل يمكن تفسير بعض جوانب الثراء الفكري والعملي والتطبيقي لهذه الحقيقة المعرفية الوجودية؟وخاصة أننا بعد قليل سنتعرف على إمكانية استنباط مقياس واقعي تتوفر له شروط القياس (السيكومتري ) على المستوى الفردي والاجتماعي.
6. (أشد) أفعل تفضيل وهو مضاف،وكل لفظ من هذه النوع يمكن قياسه كميًا على متصل بحدين (أعلى وأدنى) دون الخوض في تفاصيل الكيف،مع أن الدراسات الكيفية في الوقت الراهن بدأت تجنح إلى القياس الكمي كشرط من شروط الموضوعية.
7. (الناس) مضاف إلى أفعل التفضيل .
8. (عداوةً)تمييز منصوب،"وهي اسمٌ عامٌ من العَدُوِّ،يُقال:عدوٌّ بّيِّنُ العداوة،وفلان يُعادي بين فلان.(ابن منظور ،لسان العرب :9/95)" والعَداءُ:البعدُ" ،واستخدام لفظ العداوة فيه زيادة في إيضاح للمقصود من عرض خاصية من خواص اليهود اللصيقة بهم،وهي معاداة المؤمنين(الذين آمنوا)،واستعمال لفظ (أشد)فيه تحذير واضح للمؤمنين من هؤلاء الناس الذين يمثلون حقيقة استقرائية تاريخية وجودية زاد تجسدها وتمثل خصائصها عندما ساعدتهم دولة الشر التي خانت الأمانة (بريطانيا) ومعها الدول الأوروبية على التجمع في فلسطين وطرد أهلها منها ولا يزال الدور البريطاني والأوروبي فاعلاً لتثبيت الظلم،وخفض مقاومات الجسد العربي،والبيئة الثقافية للجسم الصهيوني الغريب (راجع دور توني بلير في غزو العراق وإرغامه على الاستقالة وبقاء وجوده في غمار الصراع داعمًا للوجود الصهيوني ممثلاً لما يُعرف باللجنة الرباعية)،وكل ذلك يعزز دور الصهاينة في نشر الفتن والحروب والخراب والدمار منذ أكثر من قرن من الزمان .
9. واستعمال لفظ (الناس) فيه عموم وحصر،فالعموم لأن الناس اسم جنس يشمل أنواعًا وأصناف وتفاصيل وسلالاتٍ وفصائل وتفريعات ثقافية ودينية وعرقية كثيرة،ومن بين هذه الأصناف فإن صنف اليهود هم أشد الناس عداوة للمؤمنين كما يقرر العلم الإلهي في القرآن الكريم،والحصر لإخراج غيره من أجناس المخلوقات،فهؤلاء اليهود من جنس الناس وليسوا من الجن مثلاً ، وربما كان ذلك لتثبيت (الذين آمنوا) وتوجيههم وطمأنة قلوبهم ، وبث الأمل في نفوسهم بأن هؤلاء اليهود الذين قرر القرآن أنهم أشد عداوة لهم هم بشر مقدور عليهم، وفيهم نقاط ضعف ومثالب يمكن طعنهم منها في مقتل ، ويمكن مواجهتهم وقهرهم إذا أخذ الذين آمنوا بأسباب القوة ، وتنبهوا إلى خصائصهم الإفسادية وأعدوا لهم العدة،ودرسوا طرق كيدهم،وتمكنوا من العلوم والمعارف التي جعلت عداوتهم لهم تنجم وتظهر وتتعاظم في هذا العصر،فيوفروا من الأسباب ما يرد كيدهم إلى نحورهم.القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح اللذان يتناولان هذه القضية من أهم وأنجع طرق الإسناد المعنوي والتعزيز المعرفي ، وفيهما منهج مثالي لتجديد أبنية جدر الحماية المعرفية والثقافية عند وجود منافذ للتهرب من المسؤولية والتخلي عن الواجب.
10. ( للذين آمنوا ) لم يقل للمؤمنين ؛ لأن استخدام الفعل أقوى في الدلالة على السلوك من استخدام مكونٍ يدل على فئة بعينها ، ولم يقل أشد عداوة للمسلمين أو للذين أسلموا وذلك لما يأتي :
· إن محل الإيمان هو القلب،وأركانه ستة:الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره،والله سبحانه وتعالى هو المطَّلع على ما في القلوب،المتحكم فيها،وللإيمان علامات وأدلة منها ما ورد في سورة المؤمنون:قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) وغيرها من المواضع الكثيرة التي عُنيَ بها من العلماء مَنْ يهتم بالبحث الموضوعي في القرآن الكريم .
· وقد ورد في الحديث النبوي بالكتب التسعة في باب الإيمان يزيد وينقص ما مجموعه7852حديثًا ، وهذا دليل على قابلية مؤشرات الإيمان للقياس .
أمثلة على علامات الإيمان :
· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ
· عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.
· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ.
· مقترح مقياس سيكومتري ،أو سيكوـ سوسيلوجي:
شدة عداوة اليهود للذين آمنوا مقياس للإيمان : ولأن الإيمان يزيد وينقص كما ورد في الحديث،فيكون الإحساس بشدة عداوة اليهود لإنسان ما هو ارتفاع درجة إيمانه بالأركان الستة،فعداوة اليهود مقياس لدرجة الإيمان،وهو مقياس ذاتي لكل فرد له علاقة بقضية الصراع معهم في كل زمن أو مكان،وهذا المقياس حقيقة وجودية واقعية أثبتت صدقه الوقائع التجريبية في التعامل مع هذا الصنف من البشر .
· وهو مقياس فردي :بمعنى أنه قائم على الاختيار ، فالفرد لديه الإرادة في الدخول في دائرة المؤمنين (الذين آمنوا)أو الخروج منها بتطبيق هذا المقياس (مقياس شدة عداوة اليهود له التي تترتب على إدراكهم لأفعاله) ، وللفرد وحده بينه وبين ربه أن يحدد درجة إيمانه في ضوء هذا المقياس ، فمن وجد من نفسه في لحظة ضعف أو غفلة أو نقص في العلم أو انجراف نحو عرض من أعراض الدنيا ضعفًا شعر معه بقلة عداوة اليهود التي توجب كراهيتهم والحذر منهم ، وقهرهم قبل أن يقهروه ، فقد خرج في هذه الحالة من دائرة الإيمان بالدرجة التي تحددها عداوتهم أو مودتهم ، ولم يخرج من دائرة الإسلام أي بالكفر ، وعليه أن يشك في درجة إيمانه بأركان العقيدة الستة ، وأن يراجع نفسه ، فشدة عداء اليهود دليل على قوة الإيمان ، وبمفهوم المخالفة فإن الانجذاب نحوهم يجعل الفرد داخل دائرة الشك في إيمانه الذي هو في غالبيته أمر بينه وبين ربه ، وهذا من فضل الله وواسع كرمه على المؤمن إذ منحه الله سبحانه وتعالى فرصة مراجعة السلوك والتوبة، والرجوع إلى دائرة الإيمان بقرار منه مرتبط بقوانين الإدراك العادية وإعمال النظر والبصيرة، وبتأثير المتغيرات،والاستفادة من كل ما يقع حوله من أشكال النكارة والنقد ، والأمر متعلق في النهاية بتوفيق الله وقضائه وقدره .
· لماذا جُعِل الإيمان وليس الإسلام هو المقياس ؟
الجواب :لأن الإسلام أفعال وأقوال ظاهرة شرطها الرئيس هو العلن ، فجميع أركان الإسلام الخمسة علنية إعلامية ظاهرة ، وهي شعارات تميز المسلم عن غيره في الأداء والسلوك الظاهري ، وهي خصائص تعريفية تمييزية فاصلة فارقة ، فالشهادتان علنية ، والصلاة الفردية الجمعية سلوك ظاهري في جميع أشكالها وأسمائها وحالاتها، والزكاة علنية ، والصوم علني ، والحج علني جماهيري أممي على مستوى الإنسانية كافة .
أما أصل الإيمان فهو التصديق،والتصديق يكون بالقلب واللسان والجوارح،لكن الأصل أنه متعلق بالقلب،وهو علاقة بين الإنسان وخالقه،فقد يُظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر وهو الحالة المعروفة بالنفاق،وقد يمارس الكذب الذي لا يجتمع مع الإيمان ولكن ذلك لا ينفي عنه صفة الإسلام إذا واظب بطريقة أو بأخرى على أداء الواجبات الدينية العلنية.
· مؤشرات مقياس العداوة:المعتمد في اعتبار هذه المؤشرات هو مدخل الفعل،والفعل فقط؛لأن محاولة الخوض في الأيديولوجيا يدخلنا في متاهات التعريف للذاتي،والبعد عن الموضوعي،والأصل في القياس السيكومتري هو الموضوعي،فوقوف الخواطر والأفكار والأيديولوجي عند مستوى الشعور فقط يمنع من دخولها في مؤشرات المقياس،والعداوة مشاعر وخواطر وأفكار وأقوال وأفعال تحدد وجود هذه الحالة السلوكية والوجودية في الفرد والجماعة،وفي هذه الآية قصرٌ لشدة عداوة اليهود على المؤمنين المتصفين بأفعال الإيمان (للذين آمنوا).وعند تحليل عناصر هذه الحالة السلبية (العداوة) نجدها تقع على درجات مقياس متصل يكون بالشعور الذي يولد أشكال الحسد والكيد والكراهية والبغضاء،ويبدأ بالخاطرة التي قد تتحول إلى فكرة تمهد للفعل البسيط،ثم الأفعال والسلوكيات المعقدة والمركبة مثل المؤامرات والتحالفات والتخطيط العدواني بكل مستوياته،وينتهي بالتصفية الجسدية (القتل) والتدمير وهدم البيوت والحصار وكل أشكال الإجرام الفردي والجمعي التي يمارسها الصهاينة على الشعب الفلسطيني وعلى كل من يقف إلى جانبه ويساعده هي من هذا النوع،وهي أفعال من كثرتها يصعب حصرها ووصفها،ويتفنن اليهود في كل ساعة في ابتكار أشكال الأفعال التي تؤجج العداوة،وتنشر الفساد في المحيط الذي يجدون أنفسهم فيه،وهذا ما يفهم من عموم صفة(الذين آمنوا) فليس شرطًا أن يكون (الذين آمنوا) من المسلمين فقط،بل إن ذلك بالضرورة يشمل كل إنسان من أي مذهب أو دين يشرح الله قلبه للمعرفة الحقة بالله،ويهبه القدرة على التمييز بين الخير والشر بالمقاييس الصحيحة كما وردت في الكتاب والسنة،وما تواطأ عليه عقلاء البشر مما يتفق مع الفطرة السوية الصافية النقية؛ فينتصر وينحاز للأول ويمقت ويقاوم الثاني ، حتى ولو كان من اليهود أنفسهم ، أو من النصارى أتباع عيسى عليه السلام .
· وقائع تجريبية:يتكون المقياس من درجات تمثل وقائع تجريبية قابلة للقياس ،ويمكن تمثيله بأنه يقع على متصل يبدأ بالصفر وما دونه،وينتهي بالرقم عشرة أو مائة مثلاً،ويمثل الصفر الحقيقي انعدام العداوة وهو حالة من الحياد السلوكي ، أما ما تحت الصفر فتقل العداوة نزولاً ويحل محلها الولاء والمودة المنهي عنها في النصوص الشرعية . أما ما فوق الصفر فيمثل درجات العداوة التي تقابلها درجات الإيمان بالأركان الستة .
· أمثلة واقعية يمكن اعتمادها كمؤشرات لبناء المقياس :
من الصعب إن لم يكن من المستحيل حصر الأفعال الإجرامية لليهود منذ أن أصبحوا طرفًا عدوانيًا نقيضًا للمسلمين والمؤمنين ، فقد نجم عداؤهم على زمن الرسالة الخاتمة،وإن كان قد خبا وخفت في عصور الازدهار الإسلامي،واكتفوا بممارسة عقائدهم التي كفلها لهم الإسلام،وساهموا في الإنتاج الحضاري الإنساني،وكانت للكثيرين منهم أعمال معروفة على مستوى التطبيق والفعل،أما وقد نجمت عداوتهم منذ أن تحركت سموم الأفعى الصهيونية منذ الثورة الفرنسية 1789م،وبدأت نيرانها في الاشتعال العلني منذ وعد بلفور 1917م ، وبلغت ذروتها في الإجرامي اليهودي في المذابح التي ارتكبوها عام 1948م ، وفي السنوات التي بدأت بالمواجهات مع الصهاينة منذ عام 1987م حتى الوقت الحاضر الذي جاوزا فيه كل الحدود في العداوة.
· علاقات إحصائية مستنبطة تعزز مؤشرات القياس:
ـ توجد علاقة طردية بين شدة عداوة اليهود لإنسان ما ودرجة قوة إيمانه بالأركان الستة .
ـ وبمفهوم المخالفة فتوجد علاقة طردية بين محبة اليهود للفرد ومقدار ما يستشعره من الضعف بالالتزام بأركان الإيمان .
11. (اليهود) ( أل ) أل العهد،ومعناه أن هؤلاء الذين يتصفون بشدة العداوة للذين آمنوا هم اليهود الذين عهدتهم يا محمد،صلى الله عليه وسلم أو يا قارىء،أو يا مستمع،أو يا إنسان،وهم جنس من البشر لهم خصائص فكرية وسلوكية،وتجلت خصائصهم أوضح جلاء بعد أن تجمعوا في فلسطين بعد اغتصابها وطرد أهلها منها منذ سنة 1948هـ وحتى الوقت الحالي،ومنذ ذلك الحين وهم يشيعون الخراب والحروب والفتن والدمار في المحيط الذي استطاعوا فيه أن ينشئوا ما يعرف بدولة (إسرائيل)،ولم تقتصر جرائمهم ومفاسدهم على شعب فلسطين بل تعدته إلى شعوب المنطقة كلها،ولا زالوا يمارسون أبشع الجرائم التي التصقت بهم،وأصبحت من أكثر الأفعال دلالة على دخائل نفوسهم،ومكونات عقولهم،وهذا أصل معرفي،وجدار حماية قرآني هدية من الله خالق البشر،يهدي بها من أراد بهم خيرًا،فيحدد لهم أعداءهم،ويصفهم وصف المشاهدة العيانية،والسماع والبيان المباشرين،في كتاب دائم قائم تكفل منزله بحفظه،ولا يزيده كيد الكائدين إلا سيادةً وقوةً وانتشارًا فلله الحمد والمنة،وله وحده الفضل.
ويفهم من سياق الآية أنه ليس بالضرورة أن يكون لدى (الذين آمنوا ) كراهية لليهود الذين هم (أشد عداوة) لأن الإيمان في إحدى صوره يحب الخير لجميع البشر،ومن الأمور المندوبة أن يرجو المؤمن أن يهدي البشر جميعًا إل طريق الخير،مع الحذر الدائم من مصدرية أشد الناس عداوة.
12. ( والذين أشركوا) استخدم الفعل للدلالة على استمرار الأفعال الشركية في الجنس البشري حتى مع وجود أكمل الأديان وانتشار وتواتر دعوته ومبادئه بكل طرق النشر والنقل، وانتصار وظهور دعوة التوحيد،ودليل ذلك قول الله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. ) (يوسف:106) .
تقدم ذكر اليهود على المشركين في شدة العداوة للذين آمنوا، وهذا دليل على خطورة هذا الصنف من البشر،وله دلالة تاريخية ووجودية،فالمشرك ربما توصل إلى الحق ودخل في الإسلام،وأصبح من المؤمنين المسلمين أو غيرهم من أتباع الديانات،أي أنه حصل له من أنواع الهداية ما أخرجه من الأفعال والمعتقدات الشركية،أما اليهودي فلا ينتظر منه ذلك،ثم تُذكِّر الآية بمعزز معرفي يشخص النقيض اليهودي الصهيوني بذكر المؤمنين من الذين (قالوا إنا نصارى) الذين عرفوا الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه،وأنهم أقرب الناس مودة من الذين آمنوا؛لأن منهم قسيسيين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون،وأن لديهم قلوبًا رقيقة،تجعل عيونهم تفيض من الدمع عندما يسمعون الحق ويعرفون أنه منزل من الله،ويتأكدون من صدق النبي الصادق المصدوق ... إلى آخر ما ورد في هذه الآية.
13. ويجب التنويه بأن من لا يدخل دخولاً أوليًا في جماعة (الذين آمنوا) فهو خارج عن القضية،ولا علاقة له بمنهج القرآن في تحديد العداوة والمحبة فيما يتعلق باليهود،استنادًا إلى أدلة وشواهد تجريبية واقعية تتجلى في بعض من انحازوا إليهم ، أو شككوا في ( شدة عداوتهم ) أو تجاهلوا أفعالهم الإفسادية في الشعب الفلسطيني ومحيطه الداعم المساند،أو اعتقد لحظة أن السلام ممكن مع وجود(مصدر أشد الناس عداوة ) يمارس الإفساد في المحيط العربي،ومن هؤلاء مَنْ نقص إيمانه بالتحول إلى الأيديولوجيات الغريبة ، أو فسر الصراع تفسيرات مصلحية شخصية،كما هو لدى بعض أتباع الأحزاب والتنظيمات السياسية وغيرهم،أو من انحرف بالتفسير الخاطىء للثوابت العقدية والتاريخية والوطنية ،أو تجاهل الأخطار المحدقة بالوطن والأمة بتأثير الضغوط الخارجية .
رابعًا: الأمة إلى أين في صراع الوجود مع موجات الغزو الصهيوني ؟
1. هل إلى طريق المبادرات والدعوات التي تتصادم مع ثوابت فكر الأمة، والتفريط في وسائل إقامة وتجديد جُدُرُ الحماية (Firewalls) وتجاهل ثوابت ومتغيرات الواقع والتاريخ،ودعم الفريق المفرط في حقوق شعبه،المتهافت على التطبيع مع الصهاينة وموالاتهم بحجج ضعيفة؟
2. أم إلى طريق المنهج القرآني الذي نزل في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد،نزَّله روح القدس على قلب خير البشر،نبيٍّ لا ينطق عن الهوى،إن هو إلا وحيٌّ يوحى؟
خامسًا : مقترح لطرق تجديد جُدُرِ الحماية أمام الغزو الصهيوني :
1. التمسك بالثوابت الثقافية والمعرفية التي تستند إلى أصول فكر الأمة،والمحافظة على درجة من الوعي بهذه الثوابت،ومقاومة محاولات استبدالها أو التقليل من شأنها،وذلك بالتذكير الدائم بها،وعرضها بطرق وأساليب عصرية تستخدم أساليب الإقناع في العرض والقبول.
2. تجديد جدر الحماية التربوية في الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية على أسس بنائية،بحيث يتم إعداد الأجيال بطريقة معرفية معاصرة تساعدهم على الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تفرضها الحياة الحديثة مما لم تكن موجود في حياة الآباء.
3. اعتماد العلم التجريبي في بناء نسق الأبنية الاجتماعية،وتنظيم العلاقات بين مكونات تلك النسق،والوعي بالوظائف والأدوار الاجتماعية في تلك الأنساق.
4. زيادة درجة التماسك البيني داخل الجماعات المحلية والوطنية ، مع المحافظة على درجة من التناقض الدائم مع الكيان الصهيوني الغازي الغريب من منطلق أنه مصدر (لأشد العداوة للذين آمنوا).
5. وهذا يتطلب تعزيز الخصائص الإيمانية لأبنية (الذين آمنوا) في الأمة المقصودة في جميع أقطارها ،وتكثير هذه الفئة لمواجهة مصدر العداء الشديد.
6. تشخيص معالم المشروع النهضوي العربي،وحشد الأنصار له من كل الاتجاهات،واعتماد الأسلوب التعاوني في الفعل الفردي والاجتماعي .
7. سد الذرائع أمام دعوات الانهزام والتفريط ، وكشف وفضح أي مظهر من مظاهر الخلل التي قد يتسلل منها الانهزاميون،أو يقومون عن طريقها بعملية التفاف على الثوابت،أو يستغلون حالات الضعف والتحلل الوظيفي الجزئي أو الإقليمي للترويج لمشاريع والتفريط في المصالح الحقيقية للأمة،تلك الدعوات التي تصادر حقها في بناء مستقبلها،وتوفير شروط العيش الآمن لأقطارها،وحماية الجماعات المكونة لبنائها العضوي.
هذا والله أعلى وأعلم،وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(...والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(سورة يوسف :21)
--------------------------------------
[1] مبدأ مونرو Monroe Doctorine كان سياسة أمريكية قـُدِّمت في 2 ديسمبر 1832، قالت أن المحاولات الاضافية من الدول الاوروبية لاستعمار أراضي أو التدخل في شئون دول الأمريكتين ستعتبره الولايات المتحدة عملاً عدائياً يتطلب تدخل أمريكي.[1] وقد أكد مبدأ مونرو على أن نصف الكرة الغربي يجب ألا يتعرض للمزيد من الاستعمار من قبل البلدان الاوروبية، وأن الولايات المتحدة لن تتدخل في المستعمرات الاوروبية المتواجدة بالفعل ولا في الشئون الداخلية للبلدان الاوروبية. صدر المبدأ في وقت كانت فيه العديد من بلدان أمريكا الجنوبية على وشك الاستقلال عن اسبانيا؛ لذا فقد كانت الولايات المتحدة، تعكس مخاوف رددتها بريطانيا العظمى، كانت تأمل في أن ألا تأخذ قوة اوروبية مستعمرات اسبانيا.[2] إلا أن الاستفزاز الفوري كان اوكاسه 1821 حين قامت روسيا بتأكيد حقوقها في الشمال الغربي ومنعت السفن غير الروسية من الاقتراب من الساحل.[3][4] (المصدرhttp://www.marefa.org/index.php 5.20صباح الأحد 29 يناير 2012م)
0 comments:
إرسال تعليق