دستور بلا عنصرية/ عباس علي مراد

لقد أصبح اليوم الوطني الأسترالي اضافة الى الاحتفالية التي ترافقه مناسبة لإثارة قضايا وطنية عديدة مثل التعددية الثقافية، العنصرية، تحويل استراليا الى جمهورية ودعوات لتغيير العلم ومن هو الأسترالي وهل اليوم هو يوم احتلال كما يراه السكان الاصليون وغيرها من القضايا الأقل أهمية وتندرج في باب تحقيق الأهداف والمكاسب السياسية بين الأحزاب الأسترالية كقضية طالبي اللجوء.
لم تشذ الذكرى الوطنية هذا العام عن القاعدة، وقد استأثرت مسألة العنصرية بالإهتمام لسببين، الأول ما قاله الدكتور شارل ثيوس في كلمته في مناسبة يوم استراليا من ان هناك عنصرية خفية وعلنية بعض الأحيان. الثاني: التوصية التي خرجت بها اللجنة المؤلفة من مجموعة تضم 22 من الخبراء مؤلفة من سياسيين من كل الإتجاهات، محامين، وزعماء من السكان الأصليين والتي كلفتها رئيسة الوزراء جوليا غيلارد إعادة ا لنظر في الدستور الذي ما زال يتضمن مواد عنصرية يستثنى بموجبها بعض المواطنين من التصويت على أسس عنصرية بالإضافة الى مواد أخرى تسمح للحكومة بوضع قوانين خاصة لسكان معينين على أساس العرق .
لا شك ان العنصرية موجودة بشكل او بآخر، وهذا ما بينه استطلاع اجرته جامعه غرب سيدني ( بعنوان تحديات العنصرية) حيث وجدت ان 84.4% من المستطلعين ان هناك عنصرية وأحكام مسبقة (س. م. ه. ص11- 26/01/2012).
بالعودة الى تقرير لجنة الخبراء والذي يتألف من 300 صفحة وسلم للحكومة قبل يوم استراليا والذي قضت اللجنة فترة عمل لأكثر من عامين لأعداده تضمنها العديد من اللقاءات في كل البلاد وشمل الالاف من المواطنين والاختصاصيين ، فقد اقترح التقرير الإعتراف بأسبقية السكان الأصليين وسكان جزر مضيق طوروس والإعتراف بإستمرار تلك العلاقة مع الأرض والماء وثقافة السكان ولغتهم وتراثهم. وطالب التقرير بالإعتراف بالحاجة الى تأمين تقدم السكان الأصليين وسكان الجزر، واقترح تحريم التمييز العنصري على أساس العرق، اللون، او الأثنية.
لاقى التقرير ردود فعل إيجابية من كل من رئيسة الوزراء جوليا غيلارد وزعيم المعارضة طوني أبوت. رئيسة الوزراء قالت: لقد حان الوقت لنفهم ماضينا أكثر، ونعم لتغيير الدستور، ونعم لمستقبل أكثر اتحاداً واكثر مصالحة من اي وقت مضى.
زعيم المعارضة رحّب بالتقرير وتعهد بأن يكون هدفه العمل للوحدة وتقبل فكرة إدخال الإعتراف بالسكان الأصليين في صلب الدستور كما يأمل ملايين الأستراليين.
تنوي الحكومة وضع توصيات تقرير اللجنة لإستقتاء عام قبل أو أثناء إجراء انتخابات العام 2013 الفيدرالية، وهناك تخوف من عدم نجاح الإستقتاء لأنه منذ قيام الفيدرالية جرى 44 استفتاءاً لم ينجح منها إلا ثمانية، حيث يتطلب نجاح اي استفتاء الحصول على دعم اكثرية المواطنين الأستراليين وعلى الأكثرية في أكثرية الولايات أيضاً.
نائب رئيس اللجنة باتريك دادسون قال ان مسألة تغيير الدستور قد لا تمر بدون صعوبات، حيث أن تاريخنا يشهد على ذلك بالإشارة الى فشل أكثرية الإستفتاءات السابقة، لذلك اقترحت اللجنة عدم اجراء الأستفتاء الا اذا حصل على توافق ودعم الأحزاب الرئيسية وأكثرية حكومات الولايات.
إذن الكرة الآن في ملعب رئيسة الوزراء وملعب زعيم المعارضة، فهل يكونا بمستوى التحدي وإلتقاط الفرصة التاريخية والعمل سوياً من أجل انجاح ذلك التعديل وترك الخلافات السياسية جانباً مؤقتاً، وإكمال المسيرة التي بدأت العام 1967، حيث تم منح السكان الأصليين المواطنة من خلال شملهم بالإحصاء العام، ومن ثم مسيرة المصالحة التي سارت على جسر الهاربر في سيدني في العام 2000 أثناء الدورة الألمبية والإعتذار التي تقدمت به حكومة كيفن راد في العام 2008.
الخوف من فشل الإستفتاء له ما يبرره لأنه سيبقي العنصرية مصانة في الدستور، وما قد يتركه هذا الأمر على السكان الأصليين وعلى سمعة البلاد.
نتمنى ان تكون مناسبة يوم أستراليا والعام الجديد العام الذي ندق آخر مسمار في نعش العنصرية، من أجل استمرار تقدم وازدهار استراليا، والتي ساهم ويساهم في استمرار ازدهارها ورخائها وأمنها كل المواطنين، سواء كانوا قبل الإستيطان الأبيض او المحكومين الذين نفتهم بريطانيا أو المهاجرين الجدد وحتى طالبي اللجوء والذين قطعوا الأميال الصعبة بقوارب متهالكة من أجل الوصول الى بر الأمان. عندها نحصل على المصالحة الحقيقية والإندماج في وطنية ووحدة وتعددية ثقافية تكون مثالاً للآخرين، ولا شك اننا كأسترالين قادرون على ذلك رغم بعض الأصوات المتطرفة التي قد تأتي من جهة اليمين أو اليسار.
لقد حان الوقت في استراليا القرن الحادي والعشرون ليكون لنا دستور خالٍ من النصوص العنصرية.

سيدني

CONVERSATION

0 comments: