أكَلَة لحوم البشر.. وصلوا سوريّة/ سعيد نفّاع



منذ مدّة لم أتناول الشأن السوريّ كتابة لكن الشأن السوريّ في القلب لأن سوريّة هي القلب منّا ولهذه الأمّة الملوثة أحشاء أولي الأمر فيها بكل قرف الغرب، عدا القلب وبعض أعضاء حوله بعد أن حموا أنفسهم وبشقّ النفس وأولا من أمراض أهلهم. وهذا القلب من بعض حسن حظّ، لا يريده أعداء هذه الأمة سليما، فلم يدّخروا جرثومة لم يطلقوها باتجاهه قبل وبعد أن وطّنوها الكبد والرئة والكليّ والحجاب الحاجز والمعدة وليس قبل أن تملأ أنوف أمراء هذه الأمة رائحة إفراز غدد ال"بارثولين".
في نقاش لي وقبل أشهر مع معارض جولانيّ سوريّ قلت له في حمأة النقاش: هل تريد أن تتحول ساحات بلدك إلى ساحات عراقيّة يتفجّر فيها المئات يوميّا؟!
حقيقة صدمني ردّه حين أجاب: إن ما يجري في سوريّة قبلا واليوم هو أعظم مما يجري في الساحات العراقيّة، وحتى هذا أهون من هذا النظام؟!
ومن حكم معرفتي أن هذا المعارض لم يعِش تحت هذا النظام ولم يعايشه قبل ال67 بحكم الجيل، وجدتني أتساءل من أين له هذا؟!. عاش وعايش الاحتلال الإسرائيلي وسجنه هذا عشر سنوات ثمنا لدفاعه عن وطنه. استغربت هذا الموقف لا بل تناسيت معه كل قواعد النقاش والجدل الحضاريين خصوصا وإني تخيّلت فيه وهو ليس كذلك، وجها لشريحة تُسمّي نفسها معارضة وخصوصا تلك الإسطنبوليّة، أتابعها ولا أجد فيها من المعارضة إلا بيع سوريّة بما تُمثّل في سوق نخاسة أعداء الأمة.
طبعا لم أكن بحاجة لكثير من الاجتهاد لأتخوف من أن يحاول أعداء كل نور أن يعملوا على تحويل ساحات سوريّة إلى مثل هذه العمليّات "أكلا للحوم البشر"، علّ ذلك يشبع جوعهم الحقدويّ إحباطا من فشلهم الذي كان محتوما في سوريّة، لأنها سوريّة بعراقتها وبشعبها وبقيادتها رغم ما ارتكبت من أخطاء، ونعم يغفر لها شاء من شاء أو أبى من أبى، موقفها القوميّ في زمن صار فيه الانتماء القوميّ في نظر مثل هؤلاء رذيلة والانتماء الطائفي فضيلة، ويغفر لها موقفها الممانع في زمن اهترأت عتبات العواصم الغربيّة وتل أبيب من التقبيل. أوَلَنا أن نتخيّل العالم العربيّ من دون سوريّة وحلفائها؟!
في معالجات سابقة كثيرة للأزمة السوريّة قلت أن المواقف ممّا يُسمّى "الربيع العربيّ" وبالذات من الأزمة السوريّة يُشتق من قضيتنا، القضيّة الفلسطينيّة. وذكّرت بخطاب أمير "البارثولين" حمد، عند استلامه رئاسة دورة الجامعة فيما يخَص حل قضيتنا الأساس وعدم ذكره كلمة "لاجئين" في إشارة مفضوحة لإعادة إحياء النص الأصليّ لمبادرة بيروت ال-2002 وقبل تعديلها أمام ممانعة الرئيس السوري واللبناني على النص الأصلي الخالي من أي إشارة لحقوق أهلنا اللاجئين، لتشمل حقهم ولو منقوصا، بعد أن صاغها من صاغها وطرحها من طرحها متنازلا لإسرائيل عن هذا الجق مستغلا غياب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حينها محاصرا في المقاطعة في رام الله على يد قوات الأصدقاء.
لا يرى الكثيرون ضيرا في التقاء مواقفهم مع المواقف المعادية للأمة وبالذات المواقف الإسرائيليّة من الأزمة السوريّة، والغريب والمستغرب هؤلاء الذين "سطلونا" تنظيرا قوميّا هنا في الداخل وهناك في الخارج، ضاع في دواوين الأمراء مدحا بعد أن سال اللعاب على الأخضر. نعم نحن عندما نتخذ موقفا نأخذ بالحسبان أن توجيه بوصلتنا يجب أن يأخذ بالحسبان المواقف الإسرائيليّة ونقدّمها كثيرا على أمور أخرى كي لا نجد أنفسنا وإياهم في نفس الخندق وتحت أي ظرف ونجد في ذلك ضيرا كبيرا.
إذا كانت إسرائيل ومنذ حرب تموز ال-2006 وكسر شوكتها على يد المقاومة مدعومة من سوريّة، تؤهل جيشها في خطط تدريبات تسميها "نقاط تحوّل" لحرب مستقبليّة تُشنّ عليها من هلال شماليّ شرقيّ في مركزه سوريّة. وإذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي أيهود باراك، ورئيس جهاز الموساد المنهي مهامه مؤخرا مئير داغان، والبروفيسور أيال زيسر أهم خبير إسرائيلي في الشأن السوريّ، والمعهد الأورشليمي للسياسات الخارجيّة يجمعون على أنّ: "سوريّة من دون الأسد ونظامه أفضل لإسرائيل لأن سوريّة مع الأسد قويّة والخصم الأساس لإسرائيل وبهذا فهي العائق أمام الهيمنة الإسرائيليّة بتحالفها مع إيران وحزب الله، أمّا سوريّة مع المعارضة وبقيادة الإخوان المسلمين فهي أضعف وغربيّة التوجهات وهذا أفضل لإسرائيل".
فكيف وعلى هذه الخلفيّة، لداعي حريّة وداعي ديموقراطيّة ألا يصنعهما مع أهل بلده ونظام بلده خصوصا وبعد أن أقرّ هذا النظام بالحاجة لإصلاحات جوهريّة؟! وكيف له أن يصنعها مع الأمراء المزكومي الأنوف بروائح غدد "البارثولين" التل-أبيبية والباريسيّة ومع حلفائهم من أكَلَة لحوم البشر في الساحات الأفغانيّة والعراقيّة والفلسطينيّة والآن السوريّة؟!
لحم الشباب السوريين مرٌّ ولن تنعموا بمذاقه رغم أنكم من عتاة "الكنيباليين".
الحركة الوطنيّة للتواصل والبقاء
كانون ثاني 2012
Saeid.naffaa@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: