الأسد وعد بالاصلاح والآليات إلى التنفيذ والتطبيق/ جوزيف أبو فاضل

أحرق "أل بو عزيزي" نفسه في تونس فتحرّك الشعب التونسي واستقلّ زين العابدين بن علي الطائرة إلى المملكة العربية السعودية بعدما رفضت كلّ من فرنسا ومالطا استضافته، وامتنع عن تلبية دعوة معمّر القذافي لأنه ربما كان يدرك ما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا في المستقبل القريب.
.. وانتقلت الشرارة – الثورة إلى مصر فسقط حسني مبارك واستلم المجلس العسكري السلطة على وعد بأن يعيدها إلى المدنيّين بعد تعديل بعض مواد الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسة في نهاية العام الحالي 2011.
وتحرّك الشعب في الأردن فافتدى الملك عبدالله بن حسين نفسه بالحكومة فأسقطت حكومة سمير الرفاعي وحلّت مكانها حكومة جديدة برئاسة رجل المخابرات الأردني معروف البخيت، لكن الوضع لا يزال يحمل انتظارية ما، وكذلك هو عرضة للتطورات السريعة في الأشهر المقبلة.
الشعب البحريني تحرّك فتدخلت قوات "درع الجزيرة" من السعودية والامارات العربية والكويت فـ"تجمّدت" الحركة الشعبية مفسحة في المجال أمام التسوية السياسية التي انطلقت من الكويت إلى النجف – العراق لتنتهي في إيران والسعودية بانتظار معطيات جديدة.. "بعد أن توقفت لغة الكلام"...!
وفي اليمن، يستمرّ الانقسام الحاد قائماً بين العشائر المؤيدة والمعارضة للرئيس علي عبدالله صالح بينما يسعى الأخير لكسب المزيد من الوقت بانتظار أن تثمر التسوية التي ينتظرها لصالحه.
وفي ليبيا، تستمرّ المعارك قائمة بين مناصري معمّر القذافي وأخصامه ولا يبدو أنّ أياً من الطرفين لديه القدرة على حسم الوضع لمصلحته، ما يعني استمرار الحالة القائمة لوقت طويل قادم!!

خابت التوقعات حول إيران
منذ انطلاقة الشرارة الأولى في تونس في نهاية العام الماضي 2010 حتى الآن والسؤال المطروح هو: متى يتحرك الوضع في إيران وسوريا؟
الجواب: خابت التوقعات في الجمهورية الايرانية الاسلامية ولم تخرج المظاهرات (المتتظرة من قبل أخصامها) المنادية بإسقاط النظام – نظام ثورة آية الله الخميني، خاصة وأنّ الفارق في الانتخابات الرئاسة الأخيرة التي فاز فيها بسدة الرئاسة الأولى الدكتور محمود أحمدي نجاد عن خصمه كانت 11 مليون صوتاً، بالاضافة إلى الكثير من العوامل الداخلية والداخلية – الخارجية على حد سواء..
في سوريا، صدقت التوقعات وحصلت التحركات، لكنّ أحداً لم يكن لديه القدرة على نفي العامل الخارجي، و"الفتنة" التي تمّ التخطيط لها منذ أشهر طويلة لارباك الاوضاع في سوريا عبر إرباك الدولة – النظام – نظام الرئيس بشار الأسد تحت شعار المطالبة بالاصلاحات ومكافحة الفساد والاكثار من إعطاء الحريات العامة...

حقيقة الأوضاع في سوريا
منذ تولي الرئيس الدكتور بشار الاسد مهامه في صيف العام 2000، تمّ تفعيل وتعزيز مسيرة الاصلاح والانفتاح التي انطلقت في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس الراحل المرحوم حافظ الأسد. وبالرغم من الضغوط التي تعرّضت لها سوريا منذ الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003، واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ومن ثم حرب تموز على المقاومة وسوريا في العام 2006، وغيرها من المحاولات والأحداث التي أثّرت على النظام القائم، تأخرت بعض الاصلاحات المنشودة ولم تلغَ، كون إرادة الاصلاح كانت موجودة وقائمة لدى القيادة السورية، وما تحقق خلال السنوات الماضية على الصعد السياسية والاقتصادية والسياحية والاجتماعية والنقابية كان مهماً وأساسياً كونه يؤسس لاصلاح أشمل للسنوات المقبلة.
... فالسماح بحرية الاعلام تدريجياً وإنشاء الصحف الخاصة ومحطات التلفزة الخاصة والاذاعات الخاصة التي لم تتوان عن انتقاد بعض السياسات المعتمَدة في سوريا، وكذلك السماح بإنشاء المصارف الخاصة ومعظمها الساحق في لبنان، بعدما كان القطاع المصرفي حكراً على الدولة السورية، وكذلك إنشاء المدن الصناعية التي تجذب الاستثمارات العربية والأجنبية وزيادة التعويضات والمرتبات والأجور وفرص العمل كلها خطوات لاقت استحساناً وتقديراً من الشعب السوري الذي ازداد تمسكاً بقيادته...
لكن، وعلى الرغم من كلّ ذلك، خرجت مجموعات تطالب بالاصلاح، ما يعني أنّ مطلبها ليس هدفه فقط الاصلاح، لأنّ الاصلاح موجود وقائم ومستمر، وخروج هذه المجموعات في هذا التوقيت بالذات يعني: إما إنها جاهلة (!!!) وإما أنها مدفوعة من أطراف أخرى لارباك الأوضاع وإدخالها في حالة من اللا استقرار والارابك إسوة بما يحصل في العديد من الدول العربية وبغية إضعاف النظام كي تسهّل عملية فرض الشروط عليه في المستقبل القريب.
أن تخرج الجموع في درعا أو اللاذقية أو دوما أو بانياس أو غيرها للمطالبة بالاصلاح ومكافحة الفساد وتحسين الظروف المعيشية ومعاقبة الفاسدين والانتهازيين كلها كانت قد تبدو مطالب محقة وعلى النظام العمل على تلبيتها وتحقيقها. ولكن ما لم يكن مفهوماً هو القتل وحرق المباني الحكومية والتعدّي على الأملاك العامة والخاصة والاعتداء على القوات المسلّحة..
وبدا أن الموضوع ليس موضوع إصلاح، إنما هناك مخطط لاحداث فتنة داخلية سورية لارباك الوضع وإدخاله في نفق مظلم من الصراعات...

من يقف وراء الاخوان المسلمين؟
تشير المعلومات المتوفرة إلى أنّ هناك ضغوطاً غربية وعربية حصلت إبان المؤتمر العام لجماعة الاخوان المسلمين – سوريا، الذي انعقد في أواخر شهر تموز 2010 في اليمن ولندن، أدّت إلى إقصاء قيادة الاحوان المسلمين التي كانت توصف بأنها معتدلة وأنها تهادن النظام في سوريا.
وعليه، فقد أبعد المراقب العام للاخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني وانتخاب محمد رياض خالد الشقفه مراقباً عاماً جديداً، كما انتخب فاروق طيفور نائباً له، كما استلمت عناصر جديدة متشددة مواقع في التنظيم المذكور، والجامع الأساسي بين المراقب العام ونائبه والأعضاء القياديّين أنها تنتمي بمعظمها إلى مدينة حماه، وهي شخصيات عسكرية وليست سياسية، وبالتالي فإنها خاضت بمعظمها في مطلع شبابها في العامين 1981 و1982 معارك ضارية مع الجيش السوري في حماه وحمص، وفرّت بعد هزيمة "الاخوان المسلمين" إلى العراق حيث وجدت لدى الرئيس العراقي المعدوم صدام حسين كل العون والمساعدة والدعم.
لكن هذه القيادة الجديدة التي تمّ فرضها التزمت بتنفيذ ما هو مطلوب منها، بحيث تحقق في نفس الوقت رغباتها و"أحقادها الدفينة".
والأبرز أنها بدأت في استعادة قوتها وحضورها العسكري والأمني، فهي حصلت على ما تريده من أسلحة وذخائر عبر تهريبها من الدول المجاورة إلى سوريا، وكان لفساد بعض أجهزة المراقبة السورية - الحدودية الأثر الكبير في تمرير كل ممنوعاتها، وتجري الآن ومنذ أشهر عديدة محاكمات لعدد كبير من الضباط من الذين سهّلوا عمليات التهريب لكل أنواع البضائع والسلع والممنوعات فحققوا منافع مالية شخصية دون أن يدركوا فداحة ما ارتكبوه بحق وطنهم، وهم في مطلق الاحوال لا يعرفون ما هي المواد التي تمّ تهريبها إلى سوريا!
إنّ هذا الأمر يعني أن السلاح موجود بين أيادي عناصر تنظيم "الاخوان المسلمين"، وربما هم ليسوا بحاجة إلى سلاح يصلهم الآن من لبنان أو العراق أو الأردن، فهو قد وصل في الماضي البعيد والقريب، وربما من الدول ذاتها.

"الاخوان المسلمون": لاسقاط النظام
إن تنظيم "الاخوان المسلمين" أعلن عن خطته لـ"إسقاط النظام" حتى لو استلزم الامر تدمير سوريا وقتل أبنائها، فأظهر نواياه في أولى التصريحات التي أدلى بها رياض الشقفه والتي تعبّر عن هذه التوجهات الأساسية، ومفادها أنّ الهدنة بتجميد العمليات ضدّ النظام السوري قد انتهت بانتهاء الحرب في غزة...
وعلى هذا الأساس، بدأ تحرّك "الاخوان المسلمين" في درعا وانتقل لاحقاً إلى اللاذقية وما ترمز إليه هذه المدينة من تعدّد طائفي يشكّل أحد مصادر التنوع والغنى في سوريا، والهدف من اختيار هذه المدينة هو إحداث فتنة طائفية على غرار ما حصل في لبنان، وإدخال سوريا في حرب طائفية وأهلية مظلمة.
عند هذا الحد، تحرّكت القيادة السورية بعد أن رصدت الأمور بهدوء وروية، وقد وعت خطورة ما يجري، وكان الموقف الذي اتخذه الرئيس الأسد بأنه يجب الفصل بين الفتنة والاصلاح، فالاصلاح مسيرة تستمرّ بها القيادة السورية، أما الفتنة فيجب منعها والقضاء عليها مهما كلّف الأمر، لأنّ مخاطرها في حال التغاضي عنها ستكون مدمّرة على البلاد.

إلى أين تسير الأمور في سوريا؟
من المعروف أنّ تنظيم "الاخوان المسلمين" في سوريا لا يمتلك قاعدة شعبية كبيرة، وأنّ بعض من كانوا لديه سيتخلون عنه بعدما انكشف الوجه الحقيقي لجماعة "الاخوان المسلمين" ودورهم في إرباك سوريا ودورها في المنطقة.
لكنّ "الاخوان المسلمين" ذاتهم لا يملكون بعد اليوم سوى استمرار الخيار العسكري في مواجهة النظام السوري، وذلك بعدما كشف الرئيس الأسد وعرّى حقيقة "الاخوان المسلمين" ولم يبق أمامهم سوى حمل البندقية..
لكنّ القطبة المخفية تمثلت باعلان الرئيس بشار الأسد على لسان الدكتورة بثينة شعبان الاصلاحات والوقوف على مطالب الشعب السوري، وبذلك لم يعد لدى "الاخوان المسلمين" حجّة رئيسية للمطالبة طالما أنّ الآليات للاصلاحات وضعت على نار حامية وهي تسلك طريقها للتنفيذ، وقد أكد الرئيس الأسد هذا الأمر في خطابه في مجلس النواب السوري وألحقه بتأليف حكومة جديدة تماشي الاصلاح ومكافحة الفساد والمطالب المحقة للاخوة السوريين، مع الاشارة إلى أنّ الحكومة الماضية كانت من الحكومات الجيدة وتحمل العديد من الشخصيات الوازنة في مواقعهم.
إذاً، استطاع النظام السوري نزع فتيل الانفجار بالنسبة لمطالب الشعب ولم يبقَ أمام "الاخوان المسلمين" سوى أمرين:
- إما التوجه نحو النظام السوري لمحاورته ولمصالحته إذا سمحت لهم القوى التي أوصلت القيادة الجديدة المتشددة بذلك،
- إما المزيد من العمليات العسكرية ضد الناس والمراكز الحكومية والمرافق العامة والخاصة والاعتداء على القوى المسالحة الشرعية التي كان تنظيم "الاخوان المسلمين" قد قاتلهم في نهائيات القرن الماضي.
لكنني أرى أنه أصبح واضحاً لا بل من المتوقع أن نشهد في الاسابيع والاشهر المقبلة المزيد من العمليات الارهابية التي سيقوم بها تنظيم "الاخوان المسلمين" بغية إرباك الوضع في سوريا برمته، خاصة بعد أن انكشف أمرهم وابتعد الناس عنهم، وهم الملتزمون بتنفيذ وتحقيق أهداف من اختارهم لتنفيذ هذه المهمة "غير النظيفة".

سوريا ترفض المبادرة التركية للحوار مع "القتلة"
كما كان لموقف القيادة السورية المرحب بالاصلاح والرافض للعنف والقتل والتدمير ما دفعه إلى رفض المبادرة التركية، بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو للرئيس بشار الاسد، وهي المبادرة القائمة على رعاية حوار بين "الاخوان المسلمين" ومندوبين عن القيادة السورية في اسطنبول.
فالرئيس بشار الأسد الذي يستقبل كل المطالبين بالاصلاح من قياديّين وفعاليات وزعماء عشائر وأهالي ضحايا وشهداء ويتحاور معهم في همومهم والمشاكل الواقعة والاصلاحات، لكنه يرفض بشدّة أي حوار مع من يريد استخدام العنف في قتل السوريين وتدمير ما تمّ تحقيقه من إنجازات وطنية، تحقيقاً لرغبات شخصية حاقدة وتلبية لـ"أجندات" خارجية ، وليست مواقف الشيخ يوسف القرضاوي ورعاة عبد الحليم خدام وغيرهم، وكذلك ما أعلنته مجموعة مسلحة عبر التلفزيون السوري بأنها تتلقى الدعم من النائب في تيار المستقبل جمال الجراح سوى مؤشرات أكيدة على هذه التدخلات... وقد أشار السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي إلى هذا الموضوع ما يدلّ على أنّ الأمر جدي وليس قضية اتهام في الهواء وإذا كانت هذه المواضيع قد حصلت فعلا بهذا الشكل نكون قد دخلنا في نفق مظلم وهذا أمر خطير.
وليس أيضاً من قبيل الصدفة كما قالت القيادة السورية أن تعلن محطات فضائية عن مسيرة أو عمليات حرق أو نهب في إحدى المناطق قبل أن تحصل بساعة أو ساعتين وهنا يبرز حجم المؤامرة الخارجية التي تتعرّض لها سوريا بهدف إلهائها وابتزازها وإضعافها لجرّها ضعيفة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل بعيداً عن الشروط المسبقة، وعندها تضمن إسرائيل السلام مع سوريا دون عودة الجولان إليها مع خسارة المياه، وكذلك فرض التعهد على سوريا بمحاربة المقاومة في لبنان وفلسطين لانهائها خدمة للدولة العبرية.

يجمع المراقبون أنّ النظام لن يسقط في سوريا لكنّ إرباكه وإزعاجه سيكون عملية قائمة ومستمرّة لكنّ التاريخ يعلم أن سوريا تعرّضت لضغوط أشرس وأقوى مما تتعرّض له اليوم، وهي خرجت أكثر قوة ومنعة.

CONVERSATION

0 comments: