التطـرف تقـاوي التطـرف/ مهندس عزمي إبراهيـم

قيل في الأمثال عن الإسراف في النوم "تقـاوي النـوم نـوم"، وعن استثمار الأموال "تقـاوي المـال مـال". وأقول أن التطرف مرض وغالباً ما يكون رد الفعل عليه من ذات المرض، أي تطرف.  ولذلك يمكنني أن أقول أن تقـاوي التطـرف تطـرف.
قيام فرد أو أفراد أو مجموعة أو جماعة من أي دين تسيء إلى دين أو معتقد آخر هو تطرف لا تؤيده تعاليم دين ولا يرضى به رب أو معبود. وقيام فرد أو أفراد مسيحيون باخراج فيلم يسيء إلى مقدسات المسلمين هو تطرف خارق مقيت بغيض كريه. فعلاوة على أنه يثير غضب واشمئزاز المسلمين فهو يشين المسيحيين والمسيحية. فلكون منتج الفيلم مسيحي أو مسيحيون مدفوع أو مدفوعون بغرض واحد وهو قصد الإساءة للمسلمين فقد حاد أو حادوا عن مسيحيتهم الحقيقية. فجوهر المسيحية من واقع تعاليم السيد المسيح له المجد هو محبة وسماحة وإيمان صلب صلد لا يهتز بالغضب والعواطف والعواصف. هو الثقة في سطوع نور العدل مهما طالت سحب الظلم.
تحضرني واقعة رائعة ذكرها الكتاب المقدس يوم أن وضع اليهود يدهم على السيد المسيح بدءاً لمحاكمته وصلبه. أن غضب بطرس الرسول لما اعتبره إهانة وقعت على معلمه السيد المسيح من رئيس الكهنة اليهودي فأراد الدفاع عنه.. فمد يده واستل سيفاً وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه حينئذ قال المعلم العظيم لتلميذه: رد سيفك إلى مكانه، لأن كل من يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون.
كما يحضرني بعض تعليم السيد المسيح أن نتسلح بأرقى درجات المحبة، فنحب حتى أعدائنا. وكما قال أيضاً إن أحببتم من يحبكم فأي فضل لكم، أليس الفريسيون الخطاة يفعلون ذلك.
الفيلم رخيص. رخيص في مضمونه ورخيص في رسالته ورخيص فى توقيته ورخيص كما قرأنا وسمعنا في فنيته.. كما أنه رخيص في نتائجـــه. وإنتاج هذا الفيلم الرخيص هو نتاج تطرف وتعصب طائفي مقيت يغلي في تفكير منتجه أو منتجيه. فهو أو هم كمسيحيين مسيحيون متطرفون. ما نتج عن أعمالهم إلا الإساءة لخلق الله وإثارتهم. فصار غضبهم نــواة، أو تقـاوي، لتطرف مقابل تطرف!!
إنتاج هذا الفيلم الرخيص أساء إلى المسلمين جميعاً في أنحاء المعمورة. خلق فيهم ألم واشمئزاز واحساس بالظلم. فأثار عواطفهم وغضبهم.. ولا يلومهم أحد في ابداء مشاعرهم واستيائهم من هذا العمل الصبياني التطرفي الرخيص. العاقلون المسلمون أبدوا استيائهم، فتذمروا وكتبوا واحتجوا، والمتطرفون منهم ثاروا وهاجوا ودمروا وحرقوا وقتلوا.
والعالم الخارجي بجميع أديانه ومذاهبه وملله وأجناسه وجنسياته ينظر اليوم في تفاصيل هذه القضية.. ويصدر حكمه.. أو بالأصح انطباعه.
إنطباع العالم وطبعاً انطباع المسيحيين (ما عدا المتطرفين منهم) هو تطرف انتاج هذا الفيلم الرخيص... تطرف من قاموا به، وتطرف من كانوا خلفهم ومحرضين لهم.
كما أن انطباع العالم ومنه المسلمون (ما عدا المتطرفين منهم) هو تطرف أعمال الحرق والتدمير والقتل. تطرف من قاموا بها، وتطرف من كانوا خلفهم ومحرضين لهم.
فتطرف إساءة في فيلم رخيص أنتج تطرفَ دمار وحرق وسفك دم. فالتطرف تقاوي تطرف. التطرف حلقة مفرغة تلعب بأدنى المشاعر البشرية. ولو نظرنا في التاريخ بأعمق أعماقه فكل تطرف لم ينتج إلا تطرفاً مقابلا له.
في الطبيعة العلمية الهندسية قانون يقول: كل فعل له رد فعل مماثل له، ولكن في الاتجاه المعاكس. بالمثل، في المشاعر البشرية لكن رد الفعل قد يزيد عنه حجماُ وتأثيراً
التطرف آفـة تنتج من عدم فهم الأديان وتعاليمها. فمن أسمى وأرقى تعاليم الأديان سماوية أو غير سماوية هو احترام الأديان الأخرى مقدساتها ومشاعر تابعيها، والسماح للغير بما يسمح الإنسان به لنفسه.
كثيرون مسلمون ومسيحيون كتبوا في هذا الموضوع أو هذه القضية. بآراء ووجهات نظر مختلفة. أحكـَمها من تنادي بالتعقل والحكمة والهدوء واحترام مقدسات الآخرين. ومن أروع وأوقع ما قرأت بهذا الصدد هو مقال شيخ مسلم حكيم وهو الشيخ الدكتور مصطفى راشد، أستاذ الشريعة، وعضو إتحاد الكتاب الأفريقى الأسيوى ونقابة المحامين المصرية. المقال بعنوان " الفيلم المسيء للرسول" كتبه رداً على أسئلة في ذات الموضوع من مسلمين طالبين من سيادته الرأي والفتوى. أدرجه هنا منه حرفياً لروعته وحكمة مضمونه:
" بداية نصلى ونسلم على كليم الله موسى  عليه السلام، وكل المحبة  لكلمة الله  المسيح له المجد فى الأعالى، كما نصلى ونسلم على نبى السلام والإسلام محمد ابن عبد الله
وبعـــد، نقول
بخصوص الفيلم المسىء للرسول (ع) فأنا لم أشاهد  هذا الفيلم ، حتى أستطيع أن أقول رأياً محدداً فيه --، ولكن --- أى عمل مسىء فنحن نرفضه ونستنكره ، وأقول للسائل وكل أبنائى وإخوتى المسلمين والمسلمات عليكم بالتعقل فى الرد وأن تتذكروا قول : -  عبد المطلب جد النبى (ع ) لأبرهة الحبشى  عندما أتى لهدم الكعبة – أن للبيتِ ربٌ يحميهِ ، لأن الرد الهادىء  المتعقل،  يعنى ثقتك فى نبيك وإلهك، والعكس صحيح ، فثورتكم  وتظاهركم بهذا الشكل المتعصب الزاعق ، وحرق السفارات الذى تنقله الفضائيات للعالم ، يُظهر للآخرين  عدم إيمانكم  وثقتكم فى نبيكم وربه ، كما أن هذا التصرف لن يلغى الفيلم  بل سينال شهرة عالمية  ، وسيجعل الكثير  يسعون لرؤيته ، كما سيسعى الغير لإنتاج مثله لينال هذه الشهرة ، وينال منكم  حيث علم ضعفكم ، وأن أبلغ رد منكم على مثل  هذا الفيلم ، هو السعى لتغيير  صورة الإسلام والمسلمين  عملياً ،  بعد أن إلتصق بها العنف والدم والإرهاب  بفعل البعض منا ، فى أذهان العالم ، وعلينا ايضا  التوقف عن التعصب والتطرف الفكرى والأعمال الإرهابية التى ترتكب حول العالم باسم الإسلام، وأن نقدم بدلا منهم المحبة والتسامح والسلام والإحترام والعدل والمساواة للغير ، فيعجز عن مهاجمتنا أحد ، وأن نعلم أن تعصبنا وصياحنا وتظاهرنا  وإقدامنا على الحرق والقتل بهذا الشكل هو أكبر إساءة للإسلام من أبناءه  ، لأن سعينا نحن البشر لحماية رسولنا أمام العالم فكرة خاطئة ومعناه أن الرسول ورب الرسول لا يملكان حماية أنفسهم، أو عقاب من يسىء أو يعتدى عليهم، فقليلاً من التعقل والتفكير ولا تنساقوا وراء المرضى  دعاة التطرف والإرهاب ، لأن ماتفعلوه يثير العالم ضد الإسلام والمسلمين ، ويجعل هدف الإساءة للإسلام يزداد ، وعليك أن تتخيل أبنى المسلم وأبنتى المسلمة  ، أن أحداً سبك وكان ردك عليه بأن قلت له فوضت أمرى لله فيك وهو يحاسبك فسيخجل من سبك ويشعر بأنك إنتصرت عليه أمام الناس ، بأدبك وعقلك وثقتك فى ربك ،اما  لو رددت على من سبك بالمثل ، وقمت بسبه بألفاظ أبشع أوقمت بقتل أو  إحراق أهل بلدته ، فسيكون الرد بإساءات متبادلة لن تنتهى وسيراك خصمك غير مؤمن وغير واثق من نبيك وربك  وسيسعى كل طرف للنيل منك ،وتتسع وتكبر دائرة الإهانة  والسب وينضم لخصمك الطرف الثالث المحايد ، وأنا هنا أطبق هذا  المثال على الفيلم الذى يقال عنه المسىء ، فعلينا بترك هذا الفيلم ومنفذيه لعقاب الله ، لأن الله لا يحتاج من يحميه ، -- وهو مافعله الأخوة المسيحيين عندما  تم إنتاج فيلم يهاجم المسيح له المجد ، فكان ردهم متعقل بكل هدوء ، وقالوا  الله قادر وربنا موجود  ليرد على من أساء إليه مما جعل الفيلم يمر دون أى تأثير ، فكان أبلغ رد منهم لتبيان ثقتهم وإيمانهم بعقيدتهم ،مما جعل مخرج الفيلم يرد بعد ذلك بالإعتزار للإخوة المسيحيين ، ويعلن إحترامه لعقيدتهم ، ثم يسعى لإنتاج فيلم يعظم المسيح ،
اما بخصوص الفيلم الوارد عنه الأسئلة المسىء للرسول (ع ) فأنا علمت من وسائل الإعلام أن كاتب الفيلم ومخرجه يدعى سام بازيل ، إسرائيلى يعيش بأمريكا وترجع اصوله لدولة جنوب أفريقيا  ، وعلينا أن نفوض أمره إلى الله، لأن الله ونبيه  لايحتاجون لحماية بشرية من العباد، كما لا يجب أن نظلم إخوتنا الأقباط ونزج بهم عن عمد فى هذا الموضوع ، ولا نستمع لدعاة التطرف والإرهاب أصحاب الأجندات الملوثة بالدماء ، الذين يسعون لتحويل مصر إلى ولاية تابعة للخليفة الوهابى حتى لو أدى هذا إلى حرق الوطن – فاحذروهم .
والله من وراء القصد  وغاية الإبتغاء."
بعد قراءة ما قرأت... لا أرى حكمة في تعليق مني على فتوى شيخ مسلم عاقل قدير حكيم، ولو بحرف واحد.
مهندس عزمي إبراهيـم

CONVERSATION

0 comments: