من البديهي والمسلم به القول أن اليسار الفلسطيني بمختلف ألوان طيفه السياسي، هو حاله موضوعيه في المجتمع الفلسطيني، لأنه يعبر عن مصالح فئات وقطاعات واسعة في المجتمع الفلسطيني، وعلى مستويات مختلفة سياسية ، اقتصادية ، إجتماعية ، ثقافيه،فكرية ... الخ ، ولكن هذا اليسار يفتقر الى الحوامل والأدوات السياسية والتنظيمية، التي تمثله، لكي تصعد وترتقي به الى الدور والفعل المؤطر والمنظم في الجوانب السياسية والفكرية والإجتماعية ... الخ ، وما يجب علينا قوله أن دور ووزن هذا اليسار في المجتمع الفلسطيني ، رهن بقدرته على الفعل وتقديم نفسه، كقوة مؤثره قادرة على كسر حالة الاستقطاب الثنائية القائمة في المجتمع الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وتحقيق هذا الهدف رهن أيضا، بالشخوص والحوامل والأدوات وطرائق العمل، وكذلك الذهنية والعقلية الحزبية اليسارية المغلقة، وعدم رؤية هذا اليسار لنفسه كبديل جدي، أو ترجمة هذا الشعار لفعل على أرض الواقع، وحتى اللحظة الراهنة لم نتلمس ان هذا اليسار يراهن على نفسه في أن يشكل بديل وقطب مؤثر وفاعل في الساحة الفلسطينية، بل على أساس التبعية والتذيل لأحد القطبين الرئيسين في الساحة الفلسطينية بدل من أن يبني ويشق لنفسه طريق مستقل، يرسخ في وجدان الشعب الفلسطيني وثقافته السياسية ، بحيث يشكل بديل للبرنامج البرجوازي الليبرالي الذي تمثله فتح،والبرنامج البرجوازي المحافظ بالمعنى الاجتماعي والفكري والذي تمثله قوى الإسلام السياسي، برنامج حماس، واستنادا الى ذلك ولحاله التوهان والضبابية الفكرية،وتعدد التعبيرات السياسية والتنظيمية لقوى اليسار الفلسطيني، بالإضافة الى التربية التنظيمية الخاطئة ، والعصبوية والإنشداد الى الذات، ونزعات المغالاة والنرجسية فعلا وحضورا وحجما عند بعض هذه القوى،إستمرت حالة الشرذمة والانقسام في صفوف هذا اليسار.
ويجب أن لا يغيب عن بالنا أبداً أن هذا اليسار بمختلف مكونات طيفه وتعبيره السياسي، كان له إسهاماته الكبيرة والكثيرة والتي ما زالت موجودة وملموسة الى حد ما،والتي أغنت وأثرت التجربة والساحة الفلسطينية في مختلف ميادين الفعل والكفاح والنضال،والعمل المجتمعي والجماهيري والشعبي بمختلف أشكاله،بل كان اليسار الفلسطيني في دور الريادة والقيادة في أساليب العمل السري والتنظيمي والاعتقالي،وكذلك العمل الجماهيري،وكان هذا اليسار مكون رئيسي في بلورة الهوية والكيانية الفلسطينية، وله دور بارز في صوغ برامجها وتوجهاتها وتصوراتها وقراراتها،ورغم الثمن المكلف والباهظ الذي دفعته قوى اليسار الفلسطيني دماً وسجوناً ومطاردةً وملاحقةً وحصاراً في سبيل الثبات على المواقف والدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية،والانحياز للطبقة العاملة فكراً وممارسة،إلا أنها أخفقت في أن تحفر لنفسها مكانة عميقة في الوجدان والذاكرة الشعبية الفلسطينية،وكذلك عجزت أن تكون وتتحول إلى أحزاب جماهيرية بالمعنى الكامل،بل ما نراه اليوم أن هذا اليسار معضلاته وهمومه وأزماته ما زال يغلب عليها العمق والشمولية،وبما يهدد مستقبله، وينقله من الدور القائد والشريك في النظام السياسي الفلسطيني م-ت-ف إلى دور التبعية والتهميش في الخارطة السياسية الفلسطينية،وفي مجمل الحياة المجتمعية الفلسطينية،أن بقي يتعامل مع أزماته في إطار من النمطية والرتابة العاليتين،وتغّيب لغة المبادرة والإبداع والفعل،وإجادة لغة النقد والتحليل دون وضع البدائل العملية ووضعها موضع التنفيذ.
ورغم الحديث المتكرر عن تشكيل جبهة يسارية موحدة أو ائتلاف يساري،كمقدمة لجبهة ديمقراطية عريضة،تضم كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي،لتحقيق نوع من التوازن الداخلي أمام قطبي فتح وحماس، وبما يشكل حماية للبرنامج والمشروع الوطني من التبدد والضياع،بفعل سياسات الانقسام والخيارات السياسية المطروحة،وما يجري في المجتمع من تحولات تحد من التعددية وحرية الرأي والتعبير،وفرض قيم غريبة على المجتمع،تتعارض مع كل قيم الحداثة والتنوير،وخصوصاً بعد تقدم المشروع الاسلاموي وما يحمله من مخاطر جدية على الحريات السياسية والمجتمعية والتعددية،وما يحمله القائمين عليه من فكر انغلاقي إقصائي،ينظر لليسار والفكر اليساري على انه بمثابة السرطان في المجتمع الذي يجب اجتثاثه، وهذا يجب ان يكون بمثابة ناقوس خطر يجب أن يدق أمام كل قوى الحداثة والتنوير.
واليوم عندما يجري الحديث عن حوارات لتشكيل جبهة يسارية موحدة،وحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش العديد من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،فأرى أن هناك العديد من المسائل التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة،والأسئلة والأجوبة بالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة، فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة لأسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار،وأين أخفق؟ والإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة،وضحك على الذات قبل الآخرين،وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزئة وقاصرة،تحول الهزيمة لنصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل ،وهذا حسب وجهة نظري في اللحظة الراهنة غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى والتي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وهي تستحوذ وتهيمن على احزابها ولا تفسح المجال للقيادات الشابة لكي تأخذها دورها في القيادة ورسم سياسة واستراتيجية التنظيم،فهناك البعض مضى على وجوده في الهرم القيادي أكثر من أربعين عاماً،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع النظري والفكري والتنظيمي والسياسي، ونحن أمام قيادات تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار وتحديداً الفكرية منها،بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة ودون تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة والموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن هذه الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،وبالرغم من ذلك تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة قاسية لإسرائيل أكثر من مرة،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة والإستراتيجية الواضحة،والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها.
واليوم عندما يجري الحديث عن حوارات لتشكيل جبهة يسارية موحدة،وحتى لا يخفق هذا الجهد،ولا يكون وحدة لمجموعة من القوى،تعيش العديد من الأزمات المركبة والمتداخلة فكرياً وسياسياً وتنظيمياً،وبالتالي تنتج قوة مأزومة على نحو أشد وأعمق،فأرى أن هناك العديد من المسائل التي يجب أن تجيب عليها تلك القوى،إذا ما أرادت طي صفحة أزماتها واشكالياتها المتراكمة،والأسئلة والأجوبة بالضرورة أن تخرج عن الرتابة والنمطية المعهودة، فهذه القوى مجتمعة عليها أن تقر أن أزماتها النوعية،بحاجة لأسئلة وأجوبة نوعية،وعليها أن تجيب على السؤال المحوري والهام،بعد كل هذه النضالات والتضحيات الكبيرة جداً،لماذا أخفق اليسار،وأين أخفق؟ والإجابة على هذا السؤال بحاجة إلى نقد تشريحي وجريء وبدون مواربة،وضحك على الذات قبل الآخرين،وتحليلات سطحية وعاطفية واستنتاجات مجزئة وقاصرة،تحول الهزيمة لنصر وتضخم الحجم والذات والدور والفعل ،وهذا حسب وجهة نظري في اللحظة الراهنة غير قادرة على القيام به،العديد من قيادات هذه القوى والتي شاخت وتكلست وتعودت على نمط معين من العمل،وهي تستحوذ وتهيمن على احزابها ولا تفسح المجال للقيادات الشابة لكي تأخذها دورها في القيادة ورسم سياسة واستراتيجية التنظيم،فهناك البعض مضى على وجوده في الهرم القيادي أكثر من أربعين عاماً،وأخرى متخمة بالعمل المكتبي والمهام العملية على حساب الإبداع النظري والفكري والتنظيمي والسياسي، ونحن أمام قيادات تحاكي ولا تنتج ،وفكفكة حلقات الأزمات التي تعصف بقوى اليسار وتحديداً الفكرية منها،بحاجة إلى عقول وإرادات قادرة ودون تردد على مغادرة خط وعيها وسيرها التقليدي إلى وعي وخط سير جديد في تحليل أسباب الأزمة،وكذلك الإجابة على أسئلة الأزمة بقيت في نفس إطار التأويلات المحدودة،من طراز الحصار وشحة والموارد المالية،الظرف الموضوعي المجافي،وغياب الديمقراطية الحزبية،والجمود وضعف البنى الحزبية والتنظيمية،وغياب الحاضنة اليسارية،وغياب وضعف الخطاب الاجتماعي والديمقراطي وغيرها،رغم أن هذه الظروف الموضوعية المجافية نفسها،بل وعلى نحو أكثر سوء،وبالرغم من ذلك تمكن حزب الله من تجاوزها،وتوجيه هزيمة قاسية لإسرائيل أكثر من مرة،وبما يعظم من دور القيادة المبدعة والمالكة للإرادة والإستراتيجية الواضحة،والمنصهرة والملتحمة مع الجماهير والمعايشة همومها واحتياجاتها.
ومن هنا نرى أن هذه المقاربات التأملية فيها نقد لعوامل الضعف والركود،وليس لعوامل الأزمة،أي للعوامل الحاضنة للضعف والتي تطورت لتصبح عوامل إدامة وتعميق للأزمة،وعلينا الإقرار على أن جوهر الأزمة اليسارية ومظهرها العام،هو في مشروعها النظري وهويتها الفكرية،هذه الأزمة لم تكن طاغية وملحوظة في مراحل المد الوطني والانتصارات التي حققها الفكر الشيوعي على المستوى الكوني،ولكن هذه الأزمة أخذت بالتطور والتعمق من بعد الحقبة "الغورباتشوفية" وانهيار مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاُ،وكل القوى اليسارية الفلسطينية،تعاملت مع هويتها الفكرية،على أساس أنها منظومة نظرية جاهزة،جرى إقحامها قسراً على واقع اجتماعي- اقتصادي ودون النظر لخصوصيته،ولم تنتج أي من القوى اليسارية فكراُ ونظرية اشتراكية معربة تتواءم مع هذا الواقع،وتأخذ بعين الاعتبار جوانب حياته الروحانية والتراثية،حتى أن الكثير من عناصر تلك الأحزاب وبعض قياداتها،لم تهضم هذه النظرية،وبقي تبنيها لها في الإطار الشكلاني والاستعراض والتباهي،وهناك العديد من النماذج ممن أساؤوا لأحزابهم وتنظيماتهم وللنظرية نفسها قبل أساءتهم للجماهير،من خلال اختزالهم للنظرية في التحريض على الإيمان والمؤمنين ودون أن يعوا أن هذه هي نظرية للعدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروات...الخ،وترديد لصيغ وكليشهات جاهزة عن المدرسة السوفياتية،ومن كان يخرج عن تلك الاجتهادات،يتهم بالقومجية والماوية والتروتسكية،ولكن والحق يقال أن هناك العديد من قادة الفكر في تلك الأحزاب،كان لهم إسهامات نظرية مهمة،وأخص بالذكر القائد الراحل الكبير حكيم الثورة جورج حبش والرفيق الشهيد القائد أبو علي مصطفى ونايف حواتمه والرفيق الراحل القائد بشير البرغوثي واحمد قطامش وداود تلحمي وماهر الشريف،ومن الهام جداً قوله هنا أيضاً،أن صلاحية أي فكر لا تقاس بالمناقب الأخلاقية الرفيعة لأصحابه،ولا بالشحنات الثورية والإنسانية التي يشملها خطابه،مع أهميتها الرمزية والمعنوية،وإنما بعلاقة الترابط التي ينسجها مع الواقع أولاً،ثم وعي هذا الواقع ثانياً،ثم إنتاج المفاهيم والشروط التي تنتج تغير هذا الواقع ثالثاً.
ومن هنا أرى أن الحوارات التي تجريها القوى اليسارية،من أجل توحدها،بقدر ما لها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وأنصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير ،فإن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة بشكل متدرج،وأن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة،تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة،والمصالح الفئوية المقيتة،فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية كبيرة ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة خلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق من شأنه أيضاً أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي – الديمقراطي.
ومن هنا أرى أن الحوارات التي تجريها القوى اليسارية،من أجل توحدها،بقدر ما لها من أهمية وقيمة عالية في صفوف قواعدها وأنصارها وقطاعات واسعة من جماهير شعبنا الفلسطيني،والتواقة لهذه الوحدة واستعادة هذه القوى لدورها وحضورها بين الجماهير ،فإن هذه القوى مطالبة بالوصول لهذه الوحدة بشكل متدرج،وأن تبنى هذه الوحدة على أسس وقواعد صلبة،تتجاوز الرؤى والنظرات الضيقة،والمصالح الفئوية المقيتة،فأي فشل من شأنه أن ينعكس بصورة سلبية كبيرة ليس على قواعد وأنصار هذه القوى،بل وعلى الكثير من قطاعات شعبنا الفلسطيني،والتي ترى في هذه القوى خشبة خلاص وحاضنة ومعبرة عن همومها ومصالحها وتطلعاتها،والإخفاق من شأنه أيضاً أن يضع علامة استفهام كبيرة على مستقبل هذه القوى ودورها الوطني التحرري ومشروعها الاجتماعي – الديمقراطي.
وفي الختام أرى ان هناك مسائل ملحة وهامة تنتصب أمام قوى اليسار الفلسطيني،ألا وهي ضرورة أن تقف تلك القوى أمام أوضاعها ،وقفة نقدية صارمة،ضرورة أن تعبر عن هويتها الفكرية والايدولوجية بشكل واضح،ضرورة ان تسلم أمور قيادتها الى قيادات شابة تضخ دماء جديدة في عروقها،وأن تحفظ للقيادات القديمة تاريخها واحترامها،فالمطلوب قيادات منتجة على صعيد الفكر والنظرية والعمل،مطلوب مغادرة من تنمط وتكلس وأصبح عبئاً على تنظيمه،لا يستطيع سوى اجترار النقد والتجريح أو القيام بمهام التشريفات،مطلوب قيادات تنهض بأوضاع اليسار في كل خانات وميادين العمل،وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي،مطلوب قيادات تتغلل في أوساط الجماهير،وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة لا قيادات طاردة ومنفرة.
0 comments:
إرسال تعليق