لم تعد إلا قلة تجادل بأن ما يجري في سورية ليست حربا، سواء كانت حرب عليها أم حرب فيها أو حرب أهلية أم حرب دولية وإقليمية بالوكالة أو هي حرب عواملها داخلية وخارجية متقاطعة ومتداخلة، لكنها بالتأكيد حرب تم التمهيد لها بحرب إعلامية تستمر كجزء لا يتجزأ منها، وكانت الحقيقة أول ضحاياها. لذلك بات التحليل المحايد الباحث عن الحقيقة فيها قطعا نادرا، وفي هذا السياق كانت المقابلة المطولة "في العمق" التي قدمت رؤية غربية مختلفة للأزمة السورية ونشرتها في الثاني والعشرين من هذا الشهر "آشيا تايمز"، المسجلة في هونغ كونغ، مع البروفسور د. غونتر ميير، مدير مركز أبحاث العالم العربي بجامعة يوهانس غوتنبيرغ الألمانية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الألمانية لدراسات الشرق الأوسط والمجلس الاستشاري الدولي للمؤتمر العالمي للدراسات الشرق أوسطية، ورئيس الجمعية الأوروبية للدراسات الشرق أوسطية، ومؤلف اكثر من (140) كتابا ومقالة خلال أربعين عاما تقريبا من تخصصه في أبحاث الأقطار العربية، وبخاصة سورية ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي العربية.
واستنتج الباحث الألماني أنه "حتى الآن، كانت إسرائيل والولايات المتحدة هما الفائزان الرئيسيان" من الأزمة السورية التي مكنت الأولى "من حشد دعم هام" من واشنطن والعواصم الأوروبية في نزاعها مع إيران، بينما "تربح الولايات المتحدة من الاعتماد المتنامي لبلدان مجلس التعاون الخليجي على الحماية العسكرية" الأمريكية ومن "مبيعات الأسلحة التي سجلت أرقاما قياسية" إليها.
داخليا، يرى د. غونتر أن "سياسة التحرير الاقتصادي" و"رفع الدعم عن المدخلات الزراعية" التي انتهجتها الحكومة السورية منذ عام 2006، "إضافة إلى فترة جفاف طويلة"، قادت إلى تدهور جوهري في الزراعة في المناطق الريفية "التي يعود أصل المعارضين للنظام إليها"، وإلى نزوح حوالي (1.5) مليون فلاح إلى المدن، كما كان الحرفيون من الخاسرين من تلك السياسة بعد "إغراق السوق السورية بالواردات الصناعية الرخيصة" ولذلك، على سبيل المثال، تحولت دوما من ضواحي دمشق إلى مركز مقاومة للحكومة" وحصلت المعارضة على دعم ضواحي حلب التي نزح إليها الفلاحون بينما كانت "الطبقات الوسطى في المدن وبخاصة التجار المستفيدين كثيرا من تحرير الاقتصاد ... لا يزالون موالين" للحكم.
إعلاميا، انتقد د. غونتر "التغطية الإعلامية الرئيسية في معظم وسائل الإعلام الغربية" التي "كانت متحيزة بصورة واضحة" ضد "النظام السوري" لكنها "تغيرت تدريجيا خلال الشهور القليلة الماضية"، مضيفا ان "معظم" هذه الوسائل وكذلك "الحكومات الغربية" تأخذ المعلومات من مصادر المعارضة باعتبارها "أكيدة" بينما "ترفض الأدلة على أن للمتمردين استراتيجية مبرمجة لتسويق المجازر باعتبارها دعاية" من النظام. وعربيا قال إن "الصورة الايجابية" السابقة لفضائية "الجزيرة" القطرية "تحطمت عندما أصبحت القناة صوتا لسياسة الحكومة القطرية من جانب واحد ... بل إنها أنتجت أنباء كاذبة عن النظام السوري".
وعن موقف بلاده ألمانيا، قال إنه "من الواضح أن الحكومة الألمانية تعلمت درسها من الامتناع عن دعم التدخل العسكري في ليبيا"، و"هذه المرة، لا تلعب ألمانيا دورا قياديا فقط في إطار" عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سورية "بل أيضا في دعم القوى الغربية الموحد للمعارضة السورية، ويشمل ذلك تقديم المعلومات الاستخبارية"، وكشف أن أعضاء في وكالة المخابرات الخارجية الألمانية يتمركزون في سفن قبالة السواحل السورية واللبنانية وفي قاعدة لحلف الناتو قرب أضنة في تركيا لجمع المعلومات عن تحركات الجيش العربي السوري ونقلها إلى "الجيش السوري الحر"، إلى جانب عملاء المخابرات البريطانية والأمريكية.
وكشف د. غونتر أن "الجيش السوري الحر" حصل "مؤخرا" على "14 صاروخ ستينغر"، وقال إن "كتائب" هذا الجيش "منهكة ومنقسمة وفوضوية وغير فعالة"، ولذلك فإن هذا الجيش "بحاجة إلى القاعدة الآن"، ولذلك أيضا فإنهم "طلبوا الدعم من جماعة القاعدة" في "وادي الفرات الشرقي" للاستيلاء على حاميات للجيش السوري، ليضيف بأن "أعداد ... السلفيين والجهاديين وأتباع القاعدة" الذين يتدفقون على سورية "تزداد بسرعة"، وقال إن "الفظائع الأخيرة التي ارتكبتها جماعات المتمردين" قد "زادت" التأييد الشعبي للنظام الحاكم، مستشهدا على ذلك "ببعض زملائي العرب".
كما تحدث عن "تقارير تفصيلية بأن دول الناتو بالتعاون مع العربية السعودية يحضرون لهجوم خادع بالأسلحة الكيماوية في جنوب سورية سوف يتم توجيه اللوم عنه إلى نظام الأسد من أجل تسويغ غزو دولي ضخم"، مضيفا بأن بيان الحكومة السورية الذي أكدت فيه أنها "لن تستعمل الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أبدا" هو بيان "يمكن الثقة فيه" بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن استعمال هذه الأسلحة أو حتى تحريكها معناه "تجاوز للخط الأحمر".
ولفت نظر د. غونتر أنه لأمر "صاعق أن قلة قليلة فقط من ضباط وجنرالات النظام وقيادييه قد انشقت حتى الآن" بالرغم من أن السعودية وقطر أعلنتا أنهما "سوف تنفقان ما لايقل عن 300 مليون دولار لدفع رواتب مقاتلي المعارضة ... وكحوافز مالية" للانشقاق، و"هذا يؤكد مدى الاستقرار الذي لا تزال عليه قوة الحكومة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية".
واستبعد د. غونتر إقامة منطقة عازلة آمنة في سورية لأن إقامتها لن تتحقق إلا "بحرب شاملة للناتو والقوات المتحالفة معه من البلدان العربية" تتطلبها "حماية اللاجئين في ملاذ آمن" يتطلب بدوره فرض "منطقة حظر طيران" لا يمكن فرضها إلا بحرب شاملة.سوف يكون "حجمها ونفقاتها ومدتها مروعة"، وأوضح وجود "تقارير ... بان العربية السعودية ستكون مستعدة لدفع نفقات تدخل عسكري شامل من حلف الناتو في سورية".
وإقليميا، قال إن "المجابهة مع إيران وكذلك التدخل في سورية" وغيرها في العالم العربي "يعتبر أيضا قتالا من أجل البقاء للأسر الحاكمة في مجلس التعاون الخليجي". وحول موقف تركيا من الأزمة قال إن "تأييد غالبية السكان الأتراك في البداية لتغيير ديموقراطي في البلد المجاور يتضاءل" الآن بينما يزداد الاعتقاد بأن "تورط أنقرة في الأزمة السورية سوف يكون له تأثير سلبي في الأمن والاقتصاد الوطني"، كما اعتبر مبادرة مصر الأخيرة إلى تأليف مجموعة إقليمية رباعية تضم إيران للبحث عن حل للأزمة السورية يتعارض مع الموقفين الأمريكي والخليجي من إيران وسورية ويتنافس على النفوذ الاقليمي معهما، كما اعتبر أن الاحتجاجات العربية المعادية لأمريكا على فيلم "براءة المسلمين" وقتل السفير الأمريكي في بنغازي مؤخرا "قد تؤثر تأثيرا جادا في دعم الولايات المتحدة للمعارضة في سورية ... وتقود إلى إعادة النظر في السياسة الأمريكية" تجاهها.
ومع أن "القوات المسلحة الإسرائيلية قد أنهت كل الاستعدادات اللازمة لشن هجوم على إيران في أي وقت"، فإن توقع وقوع هجوم كهذا "لا يؤخذ به كأمر مسلم به" بعد المعارضة الأمريكية له، وهي معارضة قادت دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى "تغيير استراتيجيتها" لتطالب بإعلان أمريكا عن "خطوط حمر" يجب على إيران عدم تجاوزها "لكن وزير الدفاع الأمريكي رفض هذا الطلب على الفور" أيضا، كما قال غونتر، ليستنتج بأنه "لا يوجد أي خطر مباشر بأن تشن إسرائيل هجوما على إيران - في الأقل ليس قبل الانتخابات الرئاسية التالية في الولايات المتحدة".
0 comments:
إرسال تعليق