منذ بدء الخليقة والأنسان يبحث عن ذاته ، يبحث عن كينونته ، يبحث عن صيرورته . يبحث عن ذاته في وجوده والهدف من هذا الوجود . ويبحث عن كينونته محاولا معرفة أين هو في وسط هذا الكون الذي يحيط به . ويبحث عن صيرورته لمعرفة أين المصير بعد إنتهاء ذاته وكينونته على هذا الكوكب المسمى بالأرض بما عرف بالموت . آي بخروج الروح عن الجسد الذي ينتقل من حركة وحياة بجسده فوق الأرض إلى حالة من عدم الحركة والحياة بجسده تحت الأرض .
في البحث عن ذاته عرف أنه مخلوق تارة من تراب وأخرى من سلالة الشمبانزي وتطور أو بالنشوء والتطور . لكن السائد أننا خلقنا من تراب لذا نعود الى التراب بعد أن تصعد أرواحنا إلى خالقها .. الله .
أما في بحثه عن كينونته فقد بدأ منذ وجوده وهو يعمل على أن يكون .. بمعنى أن يعيش هذه الحياة فاعلا متفاعلا مع كل ما يحيطه إن كانت أخطار طبيعية كالسيول والأمطار والرعد والبرق والحر والبرد ليتكيف مع كل ما يواجهه إما بالمواجهة أو التحايل والتغلب بمواجهة الصعاب وهو يا منتصر أو مغلوب وغالبا يفقد حياته تاركا من بعده ليواصل التكيف مع الحياة .
والصيرورة برأي هي أهم عنصر في حياة الأنسان الذي حاول أن يكون بعد أن إستقر به الأمر إلى حد ما بمعرفة ذاته . فجمع الذات والكينونة والصيرورة وأصبح يفكر في المصير . ماذا يريد أن يكون ؟ وما الذي سيحدث لذاته وسط غيره من البشر ليصل الى ما يصبو اليه من مصير؟
تطور العالم واتسعت رقعت الأرض التي يعيش عليها هذا الأنسان وصار فردا ضمن مجموعة بشرية تعيش على قطعة محدودة بخرائط معترف بها بين بقية الدول والعالم ولها اسم وتعريف كدولة أو أمة أو بلد أو إمبراطورية ، أو حديثا أطلقوا عليها جمهورية .
تباين الناس في الحياة والتقدم والأزدهار . أو في التخلف وعدم مواكبة الزمن مع من تقدموا في دول أخرى ورضوا بالمقدر والمكتوب . من الطبيعي مثل هؤلاء لا ولن يهتموا لا بالذات ولا بالكينونة والصيرورة هي الموت فيعيشون دون مقارنة بين حياتهم التي يعيشونها وحياة الآخرين الذين يعيشون حياة التقدم والأزدهار . وقد ساهم حكامهم بترسيخ ذلك في نفوسهم حتى لا يتطلعوا الى حياة أفضل مما يعيشونه فيثوروا عليهم .
نجح الغرب في الخروج من ظلمة التخلف التي فرضها عليهم آباطرة الكنيسة الكاثوليكية بالتمرد على الكنيسة ورجال الدين وبدأ عصر النهضة الذي أضاء الطريق أمام تلك الشعوب التي وجدت ذواتها وعرفت قيمة كينونتها وما هو مصيرها . وأصبح العلم والبحث هو طريق التقدم والرقي وعرف الأنسان الغربي قيمة نفسه فأخذ يختار من يدير شئون دولته أو مملكته أو جمهوريته حسب دساتير موادها من أجل الشعب والنهوض بالأمة الى المكانة اللائقة بها . هذا بالنسبة الى الغرب الذي وصل الى القمر والمريخ واستطاع أن ينقل لنا السموات السبع أو الأكثر من سبع سنوات ورأينا مجد الله فيما خلق وبدون شك أضاف ذلك الى عقل الأنسان المتحضر نوع من الطمأنينة لأن ما رآه يجعله لا يخاف من الموت الذي هو مصير كل كائن حي ، فليس من المعقول المقارنة بين ما عاشه على الأرض وما رأه من جمال السماء . سبحانك يا الله في عُلاك .
أما بالنسبة للشرق مهد الديانات وأول من تعرف على الله عن طريق رسله وأنبياءه وما تحدث به رب المجد يسوع المسيح عن الحياة معه في السماء التي بالفعل رأينا أجزاء منها نتيجة التقدم العلمي .
هذا الشرق الذي عرف الله وآمن به عن طريق رسله لا أعرف سببا لتخلفه وتقهقره بين الأمم وأصبح لا يعرف ذاته ولم يحاول أن يبحث عنها ، ولم يفكر في سبب كينونته على هذا الكوكب المسمى بالأرض فوق هذه أو تلك من قطع أرض أعطوها أسماء بعضها أسماء ضاربة في القدم مثل مصر . وتوقفت الصيرورة عند الموت فلا داعي للأنشغال بأي شيء . يعملون فقط للعيش . يأكلون ويشربون كل ما يقدمه لهم حكامهم الذين أوهموهم بأنهم خدامهم وفي الحقيقة هم جلادينهم وسارقي خيراتهم بعد أن حجبوا عنهم العلم الذي زوروه وحصروه في أشياء بعيدة عن علوم التقدم والأزدهار وأبتعدوا بهم عن البحث والمعرفة . ومن ينجح في التوصل الى البحث والمعرفة لا يجد مكانا لائقا طالما هو أو هي ليسا بأبناء الحكام .
فجأة خرجت علينا ماما أميركا بفكرة جهنمية أعطتها مسمي " الربيع العربي " . وفجأة وجدنا فصيل ديني واحد هو الأخوان المسلمين الذي منحته أبله أمريكا كل الثقة ليتولى الحكم في منطقة الشرق . بدأ تنفيذ الفكرة بتونس ، ثم مصر بعدها ليبيا والجزائر. طالت أيديهم سوريا ودفع الشعب السوري ثمنا باهظا من أرواح شهداءهم وممتلكاتهم وأصبحوا يعيشون لاجئين خارج بلادهم . وقد تنضم الأردن أيضا الى الربيع العربي .وبدأت الثورات وتمت الأنقلابات على الحكام وتولى فصيل الأخوان الحكم الذي رفضته تونس وقاومته . أما مصر فقد ظن الشعب أنه يريد إقصاء النظام ، نظام مبارك للظلم الذي عاشوه وعايشوه فخرجوا وأصروا على الرحيل .. رحيل مبارك وتم لهم ذلك دون التفكير في من سيحل محله بعد الرحيل . وهنا جاءت الأوامر من الخالة أمريكا لفصيل الأخوان الذين كانوا قد فروا بعيدا طالبين منهم العودة لتولي قيادة المسيرة بعد أن تخلوا تماما عن ربيبهم مبارك .
الشعب المصري كان يعاني أيام حكم مبارك من تجاهل الحاكم وإدارته لما هو صالح للمواطن المصري . فأهمل الزراعة ووجد في بيع الأراضي الزراعية مغنما ومكسبا له ولأولاده ومن معه لتتحول الى أراضي بناء . فتقلصت الأراضي الزراعية والفلاح الذي باع أرضه بأبخس الأثمان . وجد نفسه معدما لا يجد قوت يومه ولا من يقبله كمزارع لعدم وجود فرصة عمل بالمزارع . والمصانع بدأت تباع أيضا بأبخس الأثمان وتم طرد العمال وتعين عمال لهم الولاء للملاك الجدد .
عم الفساد والإهمال برعاية الشعب وازداد الفقر ومعه القهروكانت ثورته أملا في الأصلاح أو أن يأتي من يحكم بقلب مخلص لمصر وللشعب المصري . لكن أثبتت الأيام على الرغم من قصرها أن الحكام الجدد الأخوان ومن يتبعونهم لم تكن لا مصر ولا الشعب المصري في أجندة حكمهم ، فعمت الفوضي والبلطجة و الأهمال وازداد الفقير فقرا ، والمقهور قهرا فقامت ثورة تصحيح المسار مطالبين بالتغير . لكن الحكام قابلوا الجماهير الغاضبة بمليشياتهم المسلحة إن كان في بورسعيد أو السويس أو في بقية المحافظات . وسُفك دم جديد من أجل العيش والكرامة والحرية والعدالة الأجتماعية . ولا نعرف ما المصير!!!... وأسأل ..
ما بعد الفقر والقهر...
هل إستسلام للقدر وقبول الأمر الواقع ؟ أم ماذا بعد ؟؟؟
0 comments:
إرسال تعليق