إن أي حديث عن تقسيم سوريا يأخذنا لاستذكار ما قام به الانتداب الفرنسي عندما دخلت جيوشه دمشق، حيث قسم سورية إلى دويلات ذات صبغة طائفية ومناطيقية ليكرس ذلك التقسيم من خلال زرع بؤر التوتر بين أبناء الشعب الواحد تحت مبدأ (فرق تسد) ليسهل عليه بالتالي تكريس الاحتلال ظناً منه أنه في تقسيم سورية سيتمكن من الاحتفاظ بسورية جزءاً من فرنسا كما فعل في الجزائر.
كان الانتداب الفرنسي على سورية وهو انتداب أقرته عصبة الأمم المتحدة عام 1922 لفرنسا للوصاية على جزء من سورية الطبيعية والمساعدة في إنشاء مؤسسات للدولة هناك بعد سقوط الدولة العثمانية. بعد انتهاء فترة الانتداب في أواخر أربعينيات القرن العشرين نشأ كيانان مستقلان هما الجمهورية السورية والجمهورية اللبنانية.
وكانت اتفاقيتا سايكس بيكو وسان ريمو أقرت الانتداب الفرنسي على سورية الطبيعية. ولكن المؤتمر السوري العام الذي انعقد في 8 آذار 1920 رفض الانتداب وأعلن استقلال سورية الطبيعية بحدودها كاملة وإقامة المملكة العربية السورية بزعامة الملك فيصل بن الحسين.
دخلت القوات الفرنسية دمشق يوم 24 تموز عام 1920م بعد أن لاقت مقاومة عنيفة ورفضاً للانتداب الفرنسي من قبل حكومة الملك فيصل بن الحسين في دمشق والمؤتمر السوري العام. وتوجهت القوات الفرنسية الموجودة على السواحل الشامية نحو دمشق، ولكن السوريين تصدوا لها بما يملكون من أسلحة بسيطة في معركة ميسلون التي انتصر فيها الفرنسيون، فقاموا بإسقاط حكومة رضا الركابي الوطنية وأبعدوا الملك فيصل. وإمعانا في معاقبة السوريين، قاموا باقتطاع الأقاليم السورية الشمالية وضمها إلى تركيا في معاهدة لوزان، وطُبق الانتداب على سورية ولبنان ومنطقة الموصل (حالياً في العراق). استمر هذا الانتداب حتى بداية الحرب العالمية الثانية بعد سقوط فرنسا تحت الاحتلال الألماني وظهور حكومة فيشي. خلال فترة هذا الانتداب، تم تأسيس الجمهورية السوريّة ودولة لبنان الكبير من ضمن العديد من الكيانات الصغيرة ضمن منطقة الانتداب والتي أصبحت لاحقاً الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية، على التوالي.
أراد الجنرال غورو تأديب السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة ميسلون فأعلن في عام 1920 تقسيم سورية على أساس طائفي إلى ست دويلات مستقلة هي التالية:
• دولة دمشق (1920)
• دولة حلب (1920)
• دولة العلويين (1920)
• دولة لبنان الكبير (1920)
• دولة جبل الدروز (1921)
• لواء الاسكندرون المستقل (1921)
• وكما سبق، أعطيت الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية.
كانت هذه الدويلات في بادئ الأمر مستقلة تماماً ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة، وبسبب الرفض الشعبي للتقسيم قامت فرنسا في عام 1922 بإنشاء اتحاد فدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات (دمشق وحلب والعلويين) تحت اسم “الاتحاد السوري”، واتخذ علم لهذا الاتحاد كان عبارة عن شريط عرضي أبيض يتوسط خلفية خضراء.
وفي الشهر الأخير من عام 1924 قرر الفرنسيون إلغاء الاتحاد السوري وتوحيد دولتي دمشق وحلب في دولة واحدة هي دولة سورية، وأما دولة العلويين فقد فصلت مجدداً وعادت دولة مستقلة بعاصمتها في اللاذقية.
أما دولة لبنان الكبير هو اسم الإقليم الذي كونته فرنسا بعد أن فصل عن سورية الطبيعية مبشرة بلبنان الحديث في الفترة ما بين 1 سبتمبر/أيلول 1920 وحتى 23 مايو/أيار 1926 وتم إعلان بيروت عاصمة للدولة وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. ورغم قصر عمر تلك الدولة فقد شكلت أهمية كبرى ومعاصرة في تاريخ لبنان المستقل الحديث.
وفي مقال مثير للاهتمام، وعلى وقع التداعيات السورية، ونيات إسرائيلية راغبة بتقسيم سورية، كتب الصحافي الإسرائيلي الشهير شلومو أفنيري تحليلاً في صحيفة (هآراتس) يوم 8 أغسطس/ آب 2012 جاء فيه الآتي:
"يبدو أن ليس السؤال المهم في هذه الأيام هل يبقى بشار الأسد بل هل تبقى سورية دولة. فسورية في حدودها الحالية ليست وحدة تاريخية أو عرقية متجانسة بل هي ثمرة تسويات استعمارية انكليزية فرنسية حددت على أثر الحرب العالمية الاولى حدود الدول التي نشأت على أنقاض الدولة العثمانية.
ونشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية في عددها حزيران 2006 تقريراً خطيراً كتبه (رالف بيترز) وهو (لوتانيت كولونيل) سابق في الجيش الأمريكي، وخدم في شعبة الاستخبارات العسكرية أيضاً, تفرغ للكتابة والنشر بعد تقاعده.
يتحدّث (رالف بيترز) في هذا التقرير عن عملية تغيير لمعالم دول الشرق الأوسط من الناحية الجغرافية، تنشأ عبرها دول جديدة، وتتقسم دول أخرى، وتتغير معالم دول، و تندمج دول أخرى، ومن هذه الدول (سورية) التي قسمها إلى أقاليم متمايزة عرقيا أو دينيا أو مذهبيا الى أربع دويلات
1ـ دولة علوية شيعية (على امتداد الشاطئ).
1ـ دولة علوية شيعية (على امتداد الشاطئ).
2ـ دولة سنية في منطقة حلب.
3ـ دولة سنية حول دمشق.
4ـ دولة الدروز في الجولان ولبنان وتشمل جزءا من الأراضي الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضي اللبنانية.
وفى عام 1982، سربت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دراسات عن ضرورة بلقنة المنطقة العربية وتقسيمها على أساس عرقى وطائفي، وذلك حتى تتفرد إسرائيل بقيادة المنطقة والهيمنة على مقدراتها، بعد أن تغرق دولها فى أتون حروب داخلية لا نهاية لها.
وقد تراجع الحديث الإسرائيلى علنا عن مخطط البلقنة لبعض الوقت، لكنه عاد مجددا للظهور مع وجود بيئة خصبة وظروف مواتية تمثلت فى الثورة على نظام الأسد ومحاولات الدفع فى اتجاه حصر الثورة فى البعد الطائفى والصراع بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة.
وأخيرا عادت الدراسات الإسرائيلية لتكشف عن مخطط تقسيم سورية إلى دولتين، الأولى علوية والثانية سنية للحيلولة دون صعود السنة لسدة الحكم مثلما صعد الإخوان المسلمون فى مصر، وذلك حسبما يقول مركز "سيكور ميموكاد" للدراسات فى إسرائيل.
وترجع الدراسة التحرك على هذا الصعيد لفشل القوى الدولية فى الاتفاق على التدخل العسكرى فى سورية بسبب الجوار مع إسرائيل.
ويكشف المخطط عن تقسيم سورية لدولتين علوية فى الغرب وسنية فى الشرق، محذرة من الوقوف إلى جانب ما سمته الإسلام الراديكالي، تحت دعوى مساندة ثورات الربيع العربي. وهنا أيضا يقول فولكر بيرثيس مدير المعد الألمانى للشئون الدولية والأمنية، "إنه لا أحد فى الغرب يريد المخاطرة بظهور أفغانستان أخرى ويدعم المتمردين الذين يتحولون بعد ذلك إلى جهاديين".من هنا نستشف أن إسرائيل التي ضمنت أمن حدودها الشمالية مع سورية لنحو أربعين سنة دون أن يعكر هذا الأمن صوت رصاصة واحدة حتى وإن كانت ضالة، خلال فترة حكم الأسد الأب ومن بعده الأسد الابن، هي المستفيد الأول مما يجري في سورية الآن لأنها تخشى من البديل عن النظام الذي أمن حدودها الشمالية كل تلك الفترة والتزم بالاتفاقيات التي أبرمتها معه عام 1974، وهي تنظر لما يقوم به النظام من تدمير للمدن والبنى التحتية في طول البلاد وعرضها وتدمير أسلحة الجيش السوري وتفكيك وحدته بعين الرضى وابتسامة الفرح، حتى إذا ما كان البديل هو ما تخشاه فسيكون غير قادر على التفكير باستعادة الجولان أو تقديم أي دعم للقضية الفلسطينية لأنه سيكون مشغول لسنين طويلة في بناء ما دمره الأسد وإعادة اللحمة للجسد السوري الذي عمل الأسد على تمزيقه وإثخانه بالجراح، وآمال إسرائيل لن تتوقف عند تدمير سورية الإنسان والوطن بل هي تحلم بأن تجد بجانبها كانتونات لدويلات طائفية متناحرة تنشغل بنفسها عنها.
ومع تواصل المواجهات بين الثوار وجيش النظام، وإحراز الثوار انتصارات مهمة في تلك المواجهات وتحقيق مكاسب مهمة على الأرض حتى بات القصر الجمهوري في متناول نيران الثوار تصاعدت وتيرة الحديث عن تقسيم سورية.
وفي سياق ذات الموضوع لا يمكن إغفال ما أقدم عليه مجلس الشعب السوري قبل أيام من رفعه توصية إلى الحكومة لاستحداث محافظات سورية جديدة في ريف حلب الشمالي وفي شرقي الحسكة وبادية حمص، ضمن غلاف شكلي يدعي حرص نظام الأسد على القيام بالمشاريع التنموية والاستثمارية للحد من البطالة في تلك المناطق. والحقيقة وكما تدل المؤشرات غير ذلك تماماً، فالتقسيم الإداري الجديد طائفي بامتياز، يهدف على المدى القصير إلى فصل الريف والبادية عن المدينة والتغيير في ديومغرافية المدن والمناطق الرئيسية على أساس طائفي.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من تلك التقسيمات الإدارية على أساس طائفي هو انفصال الحكومة التي تفتك بشعبها كل يوم عن معاناته اليومية. فبينما يسعى المواطن السوري في مختلف المناطق لتأمين ربطة الخبز ويدفع حياته في كثير من الأحيان ثمناً لها، تنشغل الحكومة في التخطيط بعيد المدى لزيادة التقسيم والتفرقة بين مختلف المناطق السورية على أسس طائفية.
إن ما يقوم به النظام من التركيز على قصف المدن والبلدات والقرى ذات الغالبية السنية، ومحاولاته اليائسة في جر الأقليات من الطوائف الأخرى (المسيحيون، والدروز، والإسماعيليون) بدعوى هو من يحميها من الأغلبية السنية ليقفوا إلى جانبه في مواجهتها، باءت بالفشل حيث هناك العديد من الضباط والعسكريين الذين انشقوا عن جيش النظام من هذه الطوائف، بما فيها طافة الأسد العلوية، وانضموا إلى الجيش الحر، فيما هناك أعداد كبيرة من الشخصيات المعارضة تنتمي إلى هذه الطوائف، إضافة إلى مشاركة جماهير مدن هذه الطوائف في المظاهرات المطالبة بسقوط نظام الأسد، كتلك التي قامت في مدينة السويداء معقل الطائفة الدرزية، ومدينة السلمية معقل الطائفة السمعولية، ودفعت تلك المدينتين العشرات من الضحايا والجرحى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين والنازحين عقاباً لانحيازهما للثورة السورية.
لقد تواترت التسريبات عن انتهاء الدائرة الأقرب من الأسد، من وضع مخطط "الورقة الأخيرة" الذي يقوم أساسا على الدفع باتجاه تقسيم سوريا على أسس طائفية بما يحفظ للطائفة العلوية حدا أدنى من الحكم في البلاد ولو على رقعة جغرافية محدودة.
وعلى سبيل المثال ما سرب أخيراً من أن الشيخ أحمد ديوب الأحمد طلب عقد اجتماع لمجلس الطائفة، لبحث مستقبل الطائفة العلوية وتحديد موقفها من الأحداث الجارية حاليا. وتم استدعاء جميع أعضاء مجلس الطائفة وتم الاجتماع بتاريخ 27/12/2012 وتم الاتفاق على البنود التالية:
1-تأسيس لجنة تحضيرية لقيام كيان للطائفة العلوية مستقل إداريا عن الحكومة المركزية .
2-قيام ما يشبه الحكم الذاتي للطائفة العلوية تشبه حكومة الأكراد في شمال العراق .
3-جلب جميع أبناء الطائفة من طرابلس لبنان ومن الداخل السوري وتوزيعهم على مدن وقرى الساحل .
4-تكون المساحة الجغرافية لمنطقة أبناء الطائفة كالتالي:
من حدود لبنان جنوبا الى تركيا شمالا ومن الغرب إلى الغاب شرقا وتشمل جميع القرى في المنطقة .
5-جلب أبناء الطائفة من حلب وريفها من النواخذ وهم آل بري وآل موسى وآل ملحم وآل حسون وآل ناصر.
6-تأسيس لجنة ذوي خبرة عسكرية لوضع بنود تكفل حماية الطائفة من أعدائها و تتكون اللجنة من :ا- اللواء ابراهيم الصافي.
ب- اللواء علي حسن حسن.
ج- العميد أحمد صالح.
ح- العميد عادل دندش.
خ- العميد محمد ناصر .
7-دعم الحكومة الحالية بقيادة بشار الأسد بكل الإمكانيات بصفتها الحكومة المركزية الداعمة لفكرة الحكم الذاتي للطائفة .
8-إقصاء كل من يعارض توصيات مجلس الطائفة من الطائفة .
9-تهجير أتباع الطائفة الإسماعيلية من القرى القريبة من الساحل إلى الداخل السوري .
10-يوصي المجلس بإنشاء محاكم شرعية جعفرية بالمنطقة .
11-ترفع هذه التوصيات إلى الرئيس بشار الأسد لإقرارها عبر السيد محمد مخلوف واللواء شاليش قبل فوات الأوان.
لجنة حقوقية شرعية برئاسة المفتي حسون مهمتها .
12-يُطلب تأسيس لجنة حقوقية شرعية برئاسة المفتي حسون مهمتها تطمين أهل السنة في الساحل بأن حقوقهم محفوظة وأنهم جزء من مكونات المجتمع في الساحل .
13-ترسل نسخه إلى السيد رفعت الأسد كي يعلم بما يبحث في بيت الطائفة الداخلي ليكون سفيرنا المعتمد والمفاوض مع إسرائيل بما يخص العلاقة بينها وبين الطائفه .
14-تقوية العلاقه بين الطائفة وإيران خاصة بما المراجع الدينية لدى الطائفتين واعتماد مرجعية خاصة بهم معترف بها من قبل مرجعية إيران والمرجعية في العراق تساويا مع مراجع أهل البيت في لبنان وغيرها.
وللعلم: فإن مجلس الطائفة العلوية يضم مشايخ العلويين وقادتهم، ويطلق عليه (مجلس النجباء) يتفرع منهم (مجلس الطائفة) وعددهم /16/ .
ويطلق عليهم (لجنة الستة عشر) ومركزها (قرية حلبكو) قضاء جبلة .
وكل أبناء الطائفة يتبعون لأوامرها بما فيهم الأمن وجميع الضباط والعسكريين العلويين.
يأتي ذلك بينما يزداد الوضع الميداني في سوريا تعقيدا، وتزداد متاعب نظام دمشق في ظل عجزه عن حسم الصراع بالقوة بعد أن روجت وسائل إعلامه على مدار الأسابيع الماضية لنصر وشيك.
وقال محللون إن المخطط الذي سيكون جاهزا للتنفيذ حال ظهور أول بوادر الانهيار النهائي للنظام يضع مدينة اللاذقية نقطة ارتكازه الأساسية، باعتبارها عاصمة قادمة لإمارة علوية.
وتتحدث بعض التسريبات عن التعويل على عناصر إيرانية وأخرى من حزب الله الشيعي لتنفيذ مجازر على خلفيات طائفية، يواكبها الإعلام السوري برفع درجة الشحن الديني والطائفي، فيما يجري توزيع الأسلحة على عناصر مختارة سلفا من عدة طوائف وتسريح عناصر مسلحة من الجيش للعودة إلى مدنها وقراها بأسلحتها قصد الدفاع عن عشائرها وعائلاتها وطوائفها.
ويعول النظام بذلك على حرب أهلية تتمترس خلالها كل طائفة في منطقتها لتبرز بذلك حدود التقسيم.
ويعوّل نظام دمشق بذلك على إحراج دول الجوار الإقليمي التي تضم بين مكوناتها ذات الأطياف. ويطمع في أن تندفع تلك المكونات نحو الاستقلال على غرار ما سيجري بسوريا.
وتأمل الطائفة العلوية في الاحتفاظ بإمارة في اللاذقية، معولين على الوضع التاريخي للمدينة التي يقول مؤرخون إنها احتفظت دائما بنزعة استقلالية ونظرت إلى باقي سوريا باعتبارها محيطا معاديا.
والعلويون طائفة من الشيعة الإمامية يسكن معظمهم سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوبا إلى طوروس شمالاً، ويتوزع بعضهم في محافظات حلب وحمص وحماة ودمشق وحوران، ويمثلون بين 8 إلى 10 بالمئة من السوريين.
وعمليا أصبح للعلويين اليد الطولى في حكم سوريا منذ تشرين الثاني 1970 حين قاد وزير الدفاع العلوي اللواء حافظ الأسد انقلابا عسكريا استولى بموجبه على السلطة وتولى زعامة حزب البعث في سوريا والإطاحة بالرئيس نور الدين الأتاسي ورفيقه العلوي صلاح جديد ، وأودعهما السجن مع عدد من كبار القادة والمسؤولين، فيما يُعرف بـ"الحركة التصحيحية" (الأول مات مريضا بالسرطان بعد إطلاق سراحه بعد 27 سنة في السجن، والثاني مات في سجنه معلولاً بمرض السل).
ومنذ ذلك التاريخ، رأت القيادة السورية أن من مصلحة الأقلية العلوية إسناد مناصب الدولة العليا ومواقع القيادة في الجيش والأجهزة الأمنية إلى أبناء هذه الطائفة.
ويعلق ملاحظون على مخطط تقسيم سوريا بأن نظام دمشق الذي بدأ قومياً رافعاً لواء الوحدة العربية سينتهي منكمشا في كانتون بحجم مدينة، ملبيا بذلك رغبة إسرائيل في تقسيم البلد إلى دويلات ضعيفة ومتناحرة.
وكان ضابط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي تحدث عن مؤشرات لتقسيم سوريا إلى أربع كانتونات.
وقال الضابط في مقابلة صحفية "لدينا انطباع بأنه يوجد احتمال جيد لنشوء كانتونات في سوريا، وإذا استمر الوضع بشكله الحالي فإنه سيكون هناك إقليم كردي في الشمال وأصبحنا نرى مؤشرات لذلك، وإقليم علوي في منطقة الساحل يشمل مدينتي طرطوس واللاذقية، وإقليم سني، وإقليم درزي في جبل الدروز".
مع بداية الأحداث في سورية يوم 15 آذار 2011 (أضطرابات درعا) كان مسؤول عربي في زيارة لدمشق حيث التقى ضابط الاستخبارات هناك (اللواء محمد ناصيف)، الذي فاجأه لدى استفساره عما يجري بالجواب التالي: (إما نحن وإما هم)، وكان يقصد بذلك إما نحن العلويين أو هم السنة، ومنذ ذلك الوقت بدأ النظام بتدمير منهجي للقبرى والمدن السنية، وزاد القصف على حمص تنفيذاً لهذا المخطط الجهنمي، ويدخل تدمير حمص (دمرت معظم الأحياء السنية وكذلك المدينة القديمة)، لأنها تعتبر المدخل البري السني إلى الساحل، أي الأرض العلوية، ويتبع ذلك بحسب ما يجري على الأرض إخراج السنة من اللاذقية، وتدمير كل القرى السنية حول جبال العلويين، وهذا ما يحدث حالياً، لأن تلك المنطقة مجاورة للإسكندرون في تركيا، حيث يعيش فيها (النصيريون).
ومن جهة أخرى فإن حدود حمص ترتبط بالحدود العراقية والأسد يريد ربط دولته بالعراق حيث العمق الشيعي المتواصل مع العمق الشيعي الإيراني حيث النفط الذي يسيل اللعاب الروسي على إعادة تشغيل خط النفط بين البصرة والبحر المتوسط.
لقد لوحظ أن هناك تواطؤ خفي بين بوتين ونتنياهو حول النية في تقسيم سورية، فإذا ما تم ذلك (لا سمح الله) فإن هذا سينعكس سلباً على لبنان بالذات، خصوصاً أن الدولة العلوية المنوي إنشاؤها ستتجاور حدودياً مع الشريط اللبناني ذي الغالبية الشيعية، وبالتالي ستتم محاصرة سنة ودروز لبنان من جهة، ومحاصرة سنة ودروز سورية من جهة أخرى.
كما أن قيام دولة علوية في سورية سيؤثر سلباً على تركيا التي تضم أقلية علوية كبيرة تحلم بقيام دولة علوية في سورية تكون هي جزء منها، وهذا يضيف عبئاً جديداً على ما تتحمله تركيا من عبء بالنسبة للأقلية الكردية التي تحاول منذ سنوات إقامة حكم ذاتي في مناطقها.
أيضاً العراق لن يسلم من الاضطرابات في حالة قيام الدولة العلوية، وهو المنقسم بين ثلاثة أطياف كبيرة (الشيعة: وهم مؤيدون للنظام في سورية ومتعاطفين معه إلى أبعد الحدود ويسهلون مرور قوافل المساعدات الإيرانية له من سلاح وعتاد ورجال وخبراء سواء في الجو أو البر، مع ضخ النفط المجاني له لتغذية سلاحه وآلياته العسكرية، والسنة: الذين يبدون تعاطفاً قوياً مع الثورة السورية والذين أعلنوا في هذه الأيام عن انتفاضة كبيرة ضد نظام الحكم الطائفي في بغداد تجلت في العصيان المدني الذي شمل حتى الآن خمس محافظات عراقية هي الأكبر والأوسع، ويقع بعضها على تماس مباشر مع الحدود السورية حيث يسيطر الثوار السوريين على معابرها بين البلدين، الأكراد: وهم الآن في مناكفة وخصام مع الحكومة المركزية في بغداد، ويتعاطفون بشكل أو آخر مع الثورة في سورية، ويستقبلون العديد من المهجّرين السوريين في مناطق الحكم الذاتي في شمال العراق.
الروس أغرتهم فكرة دولة علوية تدور في فلكهم، تضم طرطوس (إطلالتهم على البحر المتوسط)، مع ما يتردد عن وجود غاز ونفط هناك.
وفي اسطنبول التقى مسؤول عربي آخر مسؤولا أمريكياً يعمل في البيت الأبيض، فسأله عما إذا كان هناك من احتمال لتقسيم سورية، فكان الجواب: (كل الاحتمالات واردة).
ختاماً أقول إن كل هذه النوايا تجاه تقسيم سورية هي أضغاث أحلام، يريد أعداء سورية أن تتحقق واقعاً على الأرض، لأن المعادلة ليست بيد أمريكا أو روسيا أو إسرائيل أو بشار الأسد ورموز نظامه.. المعادلة بيد الشعب السوري وثورته فهي الطرف الأقوى في الفعل على الأرض، وقد تلمس ذلك الأخضر الإبراهيمي من خلال لقاءاته مع مختلف أطياف المعارضة في الخارج والداخل والقيادات العسكرية والثورية التي أكدت له أن سورية ستبقى وإلى الأبد دولة واحدة بكل نسيجها الوطني والعرقي والديني والطائفي والمذهبي كما كانت خلال عهودها السابقة عبر التاريخ، تحيا في تعايش سلمي رائع لم تعكره سوى حكم عائلة الأسد، ولابد من طي تلك الصفحة السوداء من تاريخ سورية، وأن الشعب السوري يتطلع إلى الأمام ولن يلتفت إلى الوراء، ومن هنا جاء تصريح الأخضر الإبراهيمي في موسكو عندما قال: (إن سورية لن تقسم!!).
0 comments:
إرسال تعليق