ستكون القدس هذا اليوم الأحد 20/1/2013 على موعد مع الفرح،حيث الأسير المناضل جهاد العبيدي،سيرى الحرية ويتحرر من القيد وعتمة السجن وقهر السجان،بعد خمسة وعشرين عاماً من الإعتقال،دفعها ضريبة انتماء ووطن،فيها لآن حديد السجن وتكسرت قضبانه،ولكن الرفيق القائد العبيدي لم يلن،بل بقي شامخاً كالطود ،راسخاً على مبادئه وقناعاته،وقابضاً عليها كالقابض على الجمر،في زمن تعز فيه المبادئ والقيم،زمن تغيرت وتبدلت فيه الكثير من النفوس والقناعات، والعبيدي وهو يغادر ويتحرر من المعتقل،رغم الفرح الغامر بهذه الحرية،فهذا الفرح يبقى غير مكتملاً الإ بالحرية لكل الأسرى،وبغض النظر عن لونهم وإنتمائهم السياسي،فهم جمعتهم قضية واحدة ووطن واحد،وهم واحد ومصير واحد،وبالذات الأسير القائد ياسين أبو خضير رفيق دربه وابن قضيته ومجموعته،فهو آخر من تبقى من أبناء مجموعته،وياسين هذا الرفيق المحكوم بالسجن ثمانية وعشرين عاماً ،بتهمة تنفيذ عملية فدائية لصالح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في البلدة القديمة بالقدس ،ادت الى قتل واحد من جنود الاحتلال،هذا الرفيق الرائع،المفعم بالحيوية والنشاط،والقادر على صنع الفرح في المعتقل،رغم كل القيد والألم،وهو الذي أبكني عندما كنا معن في سجن عسقلان في عام 2001،وفي غرفة 22 قسم أربعة،كنا نلعب لعبة الدومينو،والتي ياسين واحد من أذكى وأبرع الأسرى فيها،حيث توقف فجأة عن اللعب،وحسبت أن للأمر علاقة كون أنني عندما أتغلب عليه في هذه اللعبة،أعمم على كل المعتقل بأن ياسين ملك الدومينو "طير ندى" لا يجيد اللعب،وعندما يتغلب علي في أغلب المرات فإنني أقول له ماشي يا ياسين "الأسود يوم تختير- أي تكبر في العمر- وتهرم تصبح ملطشة للجراو"،وكان يرد غاضباً "بديش هاللعبة" معك على الجهتين فاضحني،ولكن وجدت ان الأمر له علاقة بشيء آخر،فياسين روى لي كيف أيام إفراجات أوسلو اكثر من مرة تحرر كل الأسرى الذين معه من نفس الغرفة ،ولم يبق فيها غيره،وكم كان هذا الشعور قاسياً،كيف يقبل المفاوض الفلسطيني ،ان يتخلى عنا؟؟،كيف يتركوننا في السجون نحن أسرى القدس والثمانية وأربعين تحت رحمة السجان،ويتخلون عن تمثلينا والتفاوض حول قضيتنا،والتسليم بأننا ليس جزء من الحركة الأسيرة الفلسطينية؟،ولماذا تأكل الثورة أبناءها وتتخلى عنهم،وعشرات الأسئلة دارت في رأسه،كيف ستكون الانعكاسات والتداعيات السلبية والخطيرة على الحركة الأسيرة؟،وهل ستدفع هذه المواقف الأسرى إلى الإحباط واليأس وفقدان الثقة؟وغيرها الكثير الكثير من التساؤلات...،وبعد ذلك قال لي ياسين بألم ومرارة أي ثورة هذه يا أبا شادي،وأي قيادة؟، الإتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية انهارت الإشتراكية فيها،ويوغسلافيا قسمت وأعدم "مليوسفتش" والعراق احتلت والأسد توفي والملك حسين وكثير من خرائط الدول تغيرت،وكثير من القيادات والزعامات دولية وعربية غادرت الدنيا،وأمي توفيت وأنا في المعتقل وكذلك والدي،وانا مازلت في السجن يا رفيق،فأي ثورة هذه ؟.
نعم كلام يبكي الحجر ويحرك الصخر،وخصوصاً عندما يشعر المناضل،بأن قضيته،هي قضية هامشية وموسمية،ويجري استغلالها وتذكرها فقط في المناسبات والاحتفالات والإستقطابات والتجاذبات السياسية بين القوى السياسية الفلسطينية.
هذه هو رفيق العبيدي،المناضل والقائد ياسين أبو خضير،ما زال متمترساً في موقعه النضالي المتقدم،في الأكياس الحجرية،يواصل المسيرة والنضال والكفاح،يعلن ويصرخ بأعلى الصوت،بأن هذا زمن المغارم لا زمن المغانم،هذا زمن توحيد الوطن لا تقسيمه،هذا زمن استعادة الوحدة الوطنية،وليس زمن النزاع والصراع على سلطات وحكومات تحت الاحتلال،هذا زمن إنهاء ظاهرة الانقسام المدمرة،التي طالتنا كحركة أسيرة بتداعياتها وسلبياتها وبفئويتها المغرقة.
القائد ياسين أبو خضير يختزل تجربة إعتقالية واسعة وغنية وعميقة وشاملة عن ظروف وأوضاع الحركة الأسيرة،ويصلح كواحد من الذين يؤرخون لهذه الحركة العمالقة في كل مجالات وميادين عملها ومحطاتها الأساسية،فهو عاش الكثير من التجارب،ويجمع بين تجربة الأسرى القدماء والأسرى الشباب،وخاض الكثير من الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي خاضتها الحركة الأسيرة الفلسطينية،دفاعاً عن حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها،بل وقاد وأشرف على العديد منها،فهو يمتاز بغزارة معلوماته وسعة إطلاعه،ورفاق دربه سامر أبو سير وعامر القواسمة اللذان تحررا في صفقة تبادل الوفاء للأحرار،ومن قبلهما تحررت إبنة مجموعتهم المناضلة رولا أبو دحو في صفقة إفراج سابقة.
ففي يوم تحرر الأسير القائد جهاد العبيدي،إرفعوا صور الأسير القائد ياسين أبو خضير واهتفوا له ولكل الشرفاء والمناضلين،ولكل الأسرى المضربين عن الطعام،والذين يسجلون ملاحم بطولية في سفر النضال الوطني الفلسطيني،وسفر النضال العربي والعالمي،سامر العيساوي وأيمن الشراونه وطارق قعدان وجعفر عز الدين ويوسف شعبان،أهتفوا لجورج عبدالله وكارلوس سجناء الحرية في سجون الفاشية الفرنسية. ولتفرح كل القدس وتحتفل بتحرر الأسير المناضل جهاد العبيدي...
فالاحتلال يريد ان يسرق منا كل لحظات الفرح في المدينة،فهو يريد أن يمنع عنا حتى الهواء في المدينة،فلا يكاد يمر يوم أو ساعة،إلا نسمع فيها عن ممارسات قمعية وإذلالية صهيونية جديدة بحق المدينة سكاناً وأرضاً،من هدم للبيوت إلى مصادرة للأراضي وإقامة ألآلاف الوحدات الإستيطانية في المدينة،وحفريات حول المسجد الأقصى وتحته،وإقتحامات شبه يومية لساحاته وبواباته،في سعي محموم،لنقل خطط تقسيمه زمانياً ومكانياً الى فعل على أرض الواقع،والتصريحات العنصرية الرسمية،وكذلك تصريحات وممارسات زعماء الجماعات الإستيطانية المتطرفة،تؤشر الى ان الأقصى حقيقة في خطر جدي.
0 comments:
إرسال تعليق