إلى سامي مهدي
منذ حديث ماركس الشاب الهيغلي في القرن التاسع عشر عن الإغتراب ، اتضح أن هناك دورا مختلفا للفلسفة في العصر الحديث . نيتشيه تحدث عن الإغتراب أيضاً ، هكذا تكلم زرادشت والسوبرمان هو كتاب اغتراب ، ماكس ڤيبر و سيغموند فرويد هذه الفلسفات كلها مواجهة مع الإغتراب . نعم هناك اختلاف كبير فماركس يرى الإغتراب في الإقتصاد الرأسمالي عن وسائل الإنتاج بينما سيغموند فرويد من جهة أخرى يراه في الكبت الجنسي والمسألة الغريزية . كل المدارس الفلسفية التي تفرعت عن هذا القلق كانت وجودية ، أي أنها تتجه نحو الإنسان وأعماقه و علاقته بالعالم و بنفسه .
ربما نيتشه يتفرد عن سواه في أنه حاول نقد القيم الإنسانية دون أي تصور بديل ، أو دون أي إيمان بنموذج ( للحق ) هذه المغامرة بالكتابة في المجهول حاول ميشيل فوكو فيما بعد تطويرها بسبب تأثره بنيتشيه .
لم تعد الفلسفة تختص بالعالم والكون والمجهول كما في عهد أرسطو ... من الواضح أن علماء الفيزياء والبيولوجيا قد طردوا الفلسفة إلى الأبد من أية محاولة أدبية غير دقيقة لوصف العالم . العلماء صاروا يقفون على النظريات الحديثة والرياضيات و يتفلسفون من منطلق علمي . الفيزيائي البريطاني ستيڤن هاوكنغ يعلن بلا تردد أن الفلسفة قد ماتت . لهذا هو كعالم فيزياء يتفلسف و كذلك العالم كارل ساغان و ميشيو كاكو و ريتشارد داوكنز .
ماذا بقي للفلسفة ؟؟ لم يبق سوى ما تركه ماركس و نيتشيه و فرويد و ماكس فيبر من البداية مسألة ( الإغتراب ) والتكيف مع التحولات الكبيرة للعالم .
منذ جان بول سارتر و ألبير كامو لاحظنا أن الفلسفة بدأت تتحول إلى فن و أدب و قضية متوجهة نحو نقد العقل والأخلاق والشعور . إن العالم أفلت من الفلسفة إلى الأبد وكل ما تبقى لها هو الإنسان وظاهرة نسيان الوجود والإغتراب .
بالرغم من كل تعقيد المشهد الفكري والحضاري في هذا العصر لكننا نرى بوضوح أن الثقافة والوعي والعلم في المجتمع المتمدن تنحصر كلها في إبداع النسيان والتفكير الجاد بمستقبل كبير و مختلف للإنسان قادم لا محالة . مستقبل لا يضيع فيه الوجود بأخاديد الماضي .
شعوب كثيرة ما زالت خارج هذا الحوار ، لأنها مربوطة بالماضي ، كل عالمها يدور حول الخيول التي نفقتْ في الزمان . لاشيء في عقولهم عن المستقبل . هذه الشعوب ستنقرض ولا شك .
السؤال المهم هنا ما هو دور الغرب في طردنا من العلم و الفلسفة الحديثة ؟؟
ما قاله وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر إلى طارق عزيز (( سنعيدكم إلى العصر الحجري إذا لم تتعاونوا معنا )) .
لقد انتقل المجتمع العراقي من مجتمع الثمانينات القرن الماضي حيث الهوس بالعلم والمجلات العلمية الغربية و الهندسة والفيزياء والطب والجامعات الطموحة إلى عالم منقرض ليس فيه شيء سوى عظام و مستحاثات الأئمة والصحابة . لقد انتقل المجتمع العراقي من عام ١٩٨٠م حيث الهوس بالمستقبل و عبادة ألبرت آينشتين و التفكير بنظرية المجالات العبقرية ل ماكسويل و گاوس و لابلاس و مبدأ اللادقة لهيزنبرغ و روايات دوستويڤسكي و مارسيل بروست و إبن خلدون والغزالي إلى انحطاط مفاجيء بمساعدة الغرب والسياسة الرأسمالية .
فجأة توقف الجدل الفلسفي والوهج العلمي في العراق وأصبح السؤال هو روح الله الخميني و محمد باقر الصدر و بهشتي و منتظري و شريعة مداري و مرعشي النجفي و أبو الحسن بني صدر و علي شريعتي و محمد باقر الحكيم و سيد قطب و سيد كشك و حسن البنا و محمد متولي الشعراوي ..... أصبح هؤلاء رجال الدين أو كتاب الإسلاميات هم العباقرة بمؤامرة غربية حقا . وبعد ثلاثين سنة ما زالت الكآبة تدور في فنجان العراق و مصيره ، ما زلنا نتكلم عن مقتدى الصدر و علي السيستاني و الصرخي و حزب الدعوة والخامنائي والبقيع وزيارة القبور والإمام المعصوم العبقري الذي يعرف كل شيء ، و خلافة النبي محمد . هكذا فجأة انفجر العقل العراقي وضاع و تبخر ، عام ١٩٨٢م ضربت الطائرات الإسرائيلية مفاعل تموز في بغداد ، و عام ٢٠١٣م لا يوجد في العراق ما يستحق الرقابة الإسرائيلية . لا علماء و لا جامعات ولا شعب طموح ولا مستقبل .
آلاف الغوغاء خرجوا من حي شعبي مثل مدينة الصدر وأمسكوا بالإعلام والثقافة والفكر والأدب والفضائيات ..... هكذا عصابات تلف الشعر الشعبي ب فلسفة ما بعد الحداثة و تبيعها على جيش المهدي في عربانة يجرها حمار في قطاع سبعة و خمسين قضت على وجه العراق الحضاري إلى الأبد .
العراق اليوم مجتمع غير متمدن ، غارق بخدعة الماضي لا مستقبل له على الإطلاق .
إن الديانات والأخلاق لآلاف السنين تمركزت على الضعف البشري . العلوم تتقدم بسرعة و هي تنتج نوعا من الثقة والقوة لا يمكنها في النهاية التعايش مع عقائد الضعف الإجتماعي والنفاق . إنسان جديد سيظهر ولا شك . نحن نشعر به في الغرب ، نشعر بقطيعة شبه تامة بيننا وبين الوحش الأشقر . لقد دخلوا في تحولات العقل والمستقبل بينما أرواحنا ما زالت مشدودة إلى الإنحطاط والماضي
0 comments:
إرسال تعليق