...... ثمة الكثير من التساؤلات تثار حول حقيقة وأسباب الموقف اليوناني برفض السماح لأسطول الحرية "2 " من الإبحار من موانئها باتجاه غزة من اجل كسر الحصار الظالم المفروض على شعبنا في القطاع منذ حوالي خمس سنوات،وتأتي هذه التساؤلات بسبب المواقف التاريخية لليونان المناصرة للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه المشروعة،ولعل الجميع يستذكر الوقفة الشجاعة لليونان مع شعبنا وثورتنا ومقاومتنا الفلسطينية أيام الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني في عام 1982،حيث تميزت اليونان في موقفها حتى عن العرب أنفسهم،برفض وإدانة العدوان الإسرائيلي على شعبنا،وكان موقفها حازماً في هذا الجانب،حتى أن الكثير من الصحف علقت على الموقف اليوناني بالقول بأن الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني هي اليونان.
وهذا الموقف اليوناني ما الذي اعتراه وما الذي أصابه؟ ولماذا كل هذا التبدل والتغير في موقف دولة صديق تقليدي للشعب الفلسطيني على مدار عقود من الزمن.؟
واضح أن هذا التغير والتبدل له علاقة كبيرة بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد اليوناني مؤخراً،والذي شهد ويشهد حالة من الجمود والتراجع بشكل كبير،بل أصبح الاقتصاد اليوناني على حافة الانهيار الكلي،وهذا شكل ويشكل عامل ضاغط قوي في مواقف وسياسات الحكومة اليونانية الخارجية،فهي تلقت وتتلقى مساعدات اقتصادية كبيرة من الاتحاد الأوربي لتجاوز هذه الأزمة،وأي موقف يخرج عن إطار السياسة والرؤيا الأمريكية والأوروبية الغربية من شأنه أن يزيد الضغوط على الحكومة اليونانية وقد يعرضها الى السقوط،وأيضاً إسرائيل بعد الأزمة الإسرائيلية- التركية في أواخر ايار من العام الماضي والتي نجمت عن تداعيات الاقتحام الإسرائيلي لأسطول الحرية "1 " وبالتحديد سفينة مرمرة التركية والتي سقط على متنها عدد من الشهداء وعشرات الجرحى جراء عملية الاقتحام تلك،حيث شهدت العلاقات التركية- الإسرائيلية حالة من الفتور والجمود،وهذا الفتور دفع بإسرائيل إلى توثيق علاقاتها مع اليونان على كل الصعد وفي كل المجالات،فقد وجهت إسرائيل سياحتها إلى اليونان وجزرها بعدما كانت تركيا ومنتجعاتها تعج بعشرات ألآلاف من السياح الإسرائيليين،أما على الصعيد العسكري فقد جرت مناورات عسكرية مشتركة يونانية وإسرائيلية،وكذلك تحدثت الأنباء عن تدريبات للطيران الإسرائيلي في الأجواء اليوناني من أجل التدرب على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية،وكذلك باعت إسرائيل اليونان بمئات الملايين من الدولارات أسلحة حديثة ومطورة.
اذا في ظل مثل هذه العلاقات الإسرائيلية – اليونانية المتنامية، وفي ظل غياب تام للموقف العربي،فإنه يصبح مفهوماً وواضحاً أن اليونان لن تجرأ على اتخاذ موقف مستقل ينسجم مع قناعاتها ومواقفها،بل حتماً ستتخذ موقفاً ينسجم مع مصالحها،فلو وظف الذين يبددون المليارات من الثروات العربية،من أجل وقف تداعيات ثورات الربيع العربي ومنع محاكمة قادة الأنظمة العربية المغرقة بالفساد وقمع الشعوب التي أطاحت بهم تلك الثورات،وكذلك توظيف تلك الأموال من أجل تخريب حالة الاستقرار في أكثر من قطر عربي لصالح أجندات مريبة ومشبوهة،ولتشكيل حلف معادي للثورات العربية على غرار حلف بغداد في الخمسينات من القرن الماضي،هذه الأموال لو وظفت لدعم ونصرة القضايا العربية من خلال تقديم مساعدات ودعم للاقتصاد اليوناني،لما كان الموقف اليوناني على ما هو عليه الآن،ولما أقدمت الحكومة اليونانية على منع سفن أسطول الحرية الثاني من الإبحار من موانئها تجاه قطاع غزة المحاصر.
وأيضاً في هذا الصدد فقد ذكرت صحيفة "هارتس"الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الأحد 26/6/2011 أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونظيره اليوناني جورج بابندريو اتفقا خلال مكالمة هاتفية على منع إبحار أسطول الحرية"2 " لكسر الحصار عن غزة.كما وذكرت الصحيفة في عددها الصادر يوم الأربعاء 29/6/2011 أن نتنياهو كرر خلال مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره اليوناني بابندريو طلب إسرائيل بأن تصدر الحكومة اليونانية أمراً بمنع إبحار سفن الأسطول باتجاه غزة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق على هذا الطلب.
وإسرائيل لم تكتفي بالوسائل والرسائل الدبلوماسية والتهديدات المبطنة لحث اليونان على منع أسطول الحرية "2 " من الإبحار،بل شنت حملة دبلوماسية وإعلامية واسعتين على منظمي تلك الرحلة ووصفتهم ب"الإرهابيين" وبأنهم يحملون معهم على متن السفن مواد كيماوية من أجل المس بالجنود الإسرائيليين،كذلك قامت أجهزة المخابرات الإسرائيلية الخارجية" الموساد" بعدة عمليات ومحاولات من أجل إعطاب محركات تلك السفن لمنعها من الإبحار.
والموافقة اليونانية على الطلب الإسرائيلي بمنع إبحار سفن الأسطول،جاءت في ظل صمت عربي مريب،وفي ظل موقف فلسطيني باهت وغير منسجم،وهذا بدوره يضعف من زخم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه المشروعة.
أن حالة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها،والحالة العربية المنهارة والتي تشهد مخاضات لم تتضح صورتها بعد،حيث الربيع العربي للثورات متعثر،بل في أكثر من قطر عربي هناك أكثر من استفهام وتساؤل،حيث يجري تجيير تلك الثورات لصالح أجندات وأهداف ومصالح خارجية،وهذا يجعلنا متخوفين من عدم نجاح معاركنا الكبرى،فعلى الصعيد الفلسطيني،هناك معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الخامس من حزيران- او ما يعرف باستحقاق أيلول،وهذه معركة بحاجة إلى الكثير من الجهد والعمل،وهي بحاجة أولاً وقبل كل شيء إلى إستراتيجية فلسطينية موحدة،حتى لا نخسر المعركة بامتياز فإسرائيل تعمل وبأقصى طاقة ممكنة وعلى كل الجبهات حتى تخسر السلطة الفلسطينية هذه المعركة،وطواقمها تعمل كالمكوك في الداخل والخارج إعلاميا وسياسيا واقتصاديا،وهي كذلك توظف كل أصدقائها وحلفاءها ومراكز ضغطها الإقليمية والدولية وتجندها لهذه المعركة،بل تتجند معها في هذه المعركة أمريكا والعديد من دول أوروبا الغربية وفي المقدمة منها إيطاليا وألمانيا،حيث شهدنا تقديم العديد من المبادرات والدعوات لعقد مؤتمرات دولية،الهدف منها بالمجمل قطع الطريق على الجانب الفلسطيني وثنيه عن التوجه لمجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 .
وحتى لا نخسر معاركنا كما خسرنا معركة أسطول الحرية "2 "،حيث حالت الضغوط الكبيرة دولياً وإسرائيليا على اليونان دون إبحار سفن التضامن الدولي الى غزة من أجل كسر الحصار الظالم عليه،فإنه لا بد من ترجمة حقيقية وجادة لاتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع عليه في القاهرة في الرابع من أيار الماضي.
0 comments:
إرسال تعليق