دون أن يتقصد ذلك، أعاد نييامين نتنياهو، رئيس حكومة العدو، قضية اللاجئين الفلسطينيين، وحق العودة، إلى صدارة الاهتمامات السياسية. أعادها إلى الصدارة، وهو يهدف في ذلك إلى شطبها من جدول أعمال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وغسل أيدي المشروع الصهيوني من أية مسؤولية عن ولادة هذه القضية.
فقد وافق نتنياهو، على اقتراح أميركي، تقدم به المبعوثان دنيس روس وديفيد هيل، يقتضي باستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني على أساس خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، في 19 أيار (مايو) الماضي، الذي دعا إلى اعتبار خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 67 منطلق العملية التفاوضية، والقفز عن المطلب الفلسطيني بوقف الاستيطان إلى حين البث بمسألة الحدود بين »الدولتين».
اقتراح روس وهيل التقى مع دعوة وجهتها كاترين اشتون، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، إلى اللجنة الرباعية، تدعوها فيها إلى التحرك، والتقدم بخطة جديدة تعيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى المفاوضات. ورأت اشتون أن خطاب الرئيس أوباما، آنف الذكر، يشكل أساسا جديدا للمفاوضات، يساعد على تجاوز عقدة الاستيطان.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في لقاءاته مع المبعوثين الأميركيين، ومع اشتون، وافق على الاقتراح المقدم له، واعتبره أساسا صالحا لإخراج العملية التفاوضية من المأزق الذي أدخلها به التعنت الإسرائيلي، حين رفضت تل أبيب تمديد التجميد الجزئي للاستيطان.
حين وافق عباس على الاقتراح الأميركي، الأوروبي، كان يدرك في الوقت نفسه أن الهدف من استئناف المفاوضات (الهدف المباشر على الأقل) هو التراجع عن التقدم إلى الجمعية العامة بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وبحقها في مقعد في المنظمة الدولية. فالأوروبيون، ومعهم الأميركيون، وكذلك الإسرائيليون، يتوقعون أن يؤدي اللجوء إلى الأمم المتحدة إلى تفجير الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة، خاصة بعد أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد الطلب الفلسطيني، وحين ترضخ الدول الأوروبية (أو معظمها) وكذلك دول أخرى، أعضاء في الجمعية العامة، للضغط الأميركي، الإسرائيلي، وتصوت ضد الطلب الفلسطيني، أو تتهرب من التصويت لصالح هذا الطلب.
وهكذا يكون الاقتراح الأميركي، الأوروبي قد فتح الطريق أمام اللجنة الرباعية (التي تجتمع في 11/7/2011) لإطلاق دعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات، ووضع الطلب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة جانبا. وبذلك تكون الكرة في المرمى الإسرائيلي، خاصة وأن نتنياهو كان قد استقبل خطاب أوباما، المذكور، بالرفض، داعيا الإدارة الأميركية إلى الالتزام بخطاب الضمانات الذي كان بوش الابن قد وجهه إلى شارون، يعلن فيه «سقوط» خطوط حزيران، و «سقوط» حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
* * *
الرهان الفلسطيني على إحداث شرخ بين واشنطن وتل أبيب، بشأن شروط العودة إلى المفاوضات لم يثمر كما كان متوقعا. فقد لجأ نتنياهو إلى مناورة كبرى، التف بها على الاقتراح الأميركي الأوروبي، وعلى التحرك الفلسطيني.
فقد وافق على مبدأ العودة إلى المفاوضات على أساس خطاب أوباما. وسجل ذلك باعتباره «تنازلا» منه، بعدما كان قد رفض هذا الخطاب ورد عليه في خطاب متطرف متصلب في الكونغرس الأميركي، لاقى ترحيب الجمهوريين، والديمقراطيين معا.
مقابل هذا «التنازل» وضع نتنياهو ثلاثة شروط، يعتقد أنها ستكون مقبولة من الأميركيين، والأوروبيين، وعموم أعضاء اللجنة الرباعية.
• الشرط الأول، أن خطوط حزيران لا تلغي مبدأ «تبادل الأرض» بين الطرفين، وهو شرط مقبول من اللجنة الرباعية، وكذلك من الجانب الفلسطيني (وإن بشروط معينة). وقد كان أوباما، قد اتكأ على هذا المبدأ ليخفف عن الإسرائيليين خطابه في 19/5 حين قال إن الاتفاق على تبادل الأراضي بين الطرفين من شأنه عملياً إن يلغي حدود الخامس من حزيران. السؤال ما هو المدى الذي سيقترحه نتنياهو لتبادل الأرض، علما أنه يتحدث عن الأغوار، وقمم الجبال، والكتل الاستيطانية [أي ما يكاد يساوي 40% من مساحة الضفة، (مع التذكير بأنها المناطق الأكثر إستراتيجية والأكثر خصبا). منقوصا منها القدس التي يعتبرها نتنياهو خارج المفاوضات لأنها ـ كما يدعي ـ العاصمة الأبدية، والموحدة لإسرائيل].
• الشرط الثاني أن يعترف الفريق الفلسطيني المفاوض بيهودية إسرائيل. نتنياهو يدرك أن الولايات المتحدة أعلنت اعترافها بيهودية إسرائيل. وكثيرا ما «نصح» أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون نتنياهو وحكومته بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى لا تتحول «دولة إسرائيل اليهودية» إلى دولة ثنائية القومية، وحتى لا تتهدد الديمغرافيا الفلسطينية وجود هذه «الدولة» ومستقبلها. كما أن نتنياهو يدرك إن أوروبا لا تنكر اعترافها بيهودية الدولة الإسرائيلية. علما أن الجانبين الأميركي والأوروبي، وهما يعترفان بالأساس العنصري لهذه «الدولة»، يصفانها في الوقت نفسه بأنها «دولة ديمقراطية» (!). وهو الوصف نفسه الذي تطلقه إسرائيل على نفسها.
أما الجانب الفلسطيني، فيرفض الاعتراف بيهودية «الدولة»، لأن في ذلك مخاطر عديدة، في مقدمها، فتح باب الهجرة الجماعية [التهجير الجماعي بأساليب شتى] للفلسطينيين في مناطق 48، باعتبارهم من «الأغيار» من «غير اليهود» ويشكلون خطرا على وجود «الدولة» وهكذا يرى نتنياهو أنه أعاد الكرة، عبر هذا الشرط، والشرط الذي قبله إلى مرمى لجانب الفلسطيني.
• الشرط الثالث أن يوافق الجانب الفلسطيني على إسقاط حق العودة للاجئين، وأن يتم حل هذه القضية «خارج إسرائيل». نتنياهو يعرف أن الولايات المتحدة وأن أوروبا تتفقان معه على هذا الحل، لأنه يضمن «يهودية» إسرائيل. كما إن نتنياهو يعرف أن المفاوض الفلسطيني لم يعد يخفي موافقته على أن «العودة» تكون إلى مناطق السلطة (مناطق الدولة الفلسطينية لاحقا) وليس إلى داخل مناطق 48. لكن نتنياهو يريد أن يضمن في أية مفاوضات قادمة أن يوافق الطرف الفلسطيني، مسبقا على إسقاط حق العودة، وبالتالي تبرئة إسرائيل من أية مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية عن ولادة قضية اللاجئين.
* * *
واضح للعيان أن موافقة نتنياهو على استئناف المفاوضات على أساس خطاب أوباما (19/5/2011) ربطا بالشروط الثلاثة، ما هي إلا مناورة كبرى، أراد منها أن يعيد الكرة إلى المرمى الفلسطيني. وأن يعيد تأكيد استعداده للمفاوضات )المزعوم) وأن القضية تكمن في الموقف الفلسطيني.
لكن نتنياهو، ودون أن يتقصد، أعاد قضية اللاجئين إلى صدارة الاهتمامات السياسية. إذ يدرك نتنياهو أن عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948 تعني انقلابا استراتيجيا في الصورة، ومنعطفا تاريخيا من شانه أن يبدأ بالعد التنازلي للمشروع الصهيوني المتمثل في الكيان الإسرائيلي، بأهدافه الإسرائيلية الإقليمية، والإسرائيلية ذات الطابع الدولي.
ولعل نتنياهو، وهو يتابع تحركات اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، تمسكا منهم بحقهم في العودة، وهو يتابع، أيضا، تحركاتهم في ذكرى النكبة (خاصة تحركات العام 2011 التي تعمدت بالدم عند الأسوار الإسرائيلية التي تحاصر الأرض الفلسطينية المغتصبة وتأسرها بعيدا عن أهلها وأصحابها، يدرك حجم القضية المتمثلة في «حق العودة». وهو القائل بأن العقل الفلسطيني الذي صاغ البرنامج المرحلي. لمنظمة التحرير الفلسطينية (العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة) هو أكثر العقول خطرا على إسرائيل لأنه يريد أن «يدمر القلعة من داخلها» من خلال الزج بملايين الفلسطينيين، لينزعوا عن إسرائيل طابعها الصهيوني واليهودي.
بعد ساعات قليلة، من صدور هذا العدد، ستجتمع اللجنة الرباعية، على مستوى وزراء الخارجية. وكما هو متوقع ستصدر نداء وتتبنى خطة لاستئناف المفاوضات. عندها سيكون لكل حادث حديث.
0 comments:
إرسال تعليق