لفت نظري هرولة ربع سكان قطاع غزة لجمهورية مصر العربية للحصول على جنسيتها بدواعي المولد من أمهات مصرية، وبدأ تدفق المئات إن لم يكن الآلاف من سكان غزة غلى مجمع التحرير لتقديم الطلبات، منهم المئات من حاولوا وقاموا بتزييف العديد من الوثائق والبيانات للحصول على الجنسية، وهو ما ينبؤ بأن يصل عدد سكان القطاع الذين يحصلون على الجنسية المصرية بأكثر من ثلاثين ألف نسمة، وهو نظير العلاقات الاجتماعية المترابطة بالنسل بين غزة ومصر منذ قديم الزمان، اي أن الحصول على الجنسية يأتي في سياق القانون الفلسطيني الذي أجاز إزدواجية التجنيس، وهو قانون أجيز بشكل متعمد ليلبي شهوات ورغبات المشرع والقيادة التي تمتلك بعض الجنسيات الآخرى ولا يريدون فقدانها، أو التضحية بها، ولما لا والزائر لمعظم سفاراتنا بالخارج يرى بأن معظم موظفيها، ودبلوماسييها يحملون جوازات سفر غير فلسطينية، بل ومنهم العشرات من يضحي بتأشيرة ابنائه الديبلوماسية لأجل الحفاظ على جوازه غير الفلسطيني، في الدول التي لا تمنح التأشيرة سوى لجواز البلد الذي يمثلها، فيبدأ مرحلة المساومة مع الدولة المضيفة لأجل الاحتفاظ بهذه الجنسية المزدوجة.
فالموضوع لم يعد مقتصراً على مصر لوحدها بل بدأت ملامح الكارثية تتحول لظاهرة، حيث بدأت بعض الأصوات تطالب الأردن بمنح الجنسية لمن هم أبناء أردنيات كذلك، وهو ما يعتبر مؤشر لموافقة الحكومة الأردنية، بما أن هناك سابقة تمثلت بموافقة مصر على هذا القانون، وعليه ستجد الأردن مدخلاً سياسياً، وقانونياً، ولا يستبعد أن تسير باقي الدول العربية على نفس المنوال، وخاصة سوريا ولبنان واليمن التي تمتلك أكبر جاليات فلسطينية لاجئة.
أما فلسطينيو أوروبا وأمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة فنادراً من يقيم بهما وليس لديه جنسية البلد المضيفة، فالقلة القليلة التي لا زالت تحمل جواز فلسطيني، أو وثيقة سفر لأحد الدول العربية، إضافة لحالة اللجوء السياسي التي إنتشرت بين صفوف شبابنا، متنازلاً عن حقوقه كلاجئ مقابل التجنيس وهو أحد شروط التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة ولجانها للاجئين.
الأمر لا يخضع لجوانب إحصائية، أو إنسانية بقدر ما يخضع لجانب وطني، فالشعب الفلسطيني بالداخل والخارج يقارب تسعة ملايين نسمة، موزعين بشتى بقاع العالم، منهم من أجبر على حمل الجنسية كما حدث مع فلسطينيو 1948م، وفلسطينيو المهجر في أوروبا وأمريكا اللاتينية بدوافع إنسانية، وهي عملية تم تجاهلها من جانب إنساني للاجئ الفلسطيني الذي كان يلاحق من الدول العربية، ويُذل في موانئها وأراضيها، وتمارس كل ممارسات الاستعباد له، والتضييق عليه فاصبح يلهث خلف أي جنسية ليتخلص من هذا العبء، الذي اثقل كاهله، واتجه العديد لشراء جنسيات إفريقية لكي يستطيع التنقل أو التحرك بين عواصم العرب ومطاراتهم، سواء لأعماله أو علاجه ... إلخ.
بدأ الأمر يتخذ شكل الظاهرة، وهو ما يدفعنا للسؤال المشروع، هل ما يحدث يأتي ضمن التخطيط لتصفية حق العودة الفعلي والحقيقي، واقتصاره على حق العودة للنازحين فقط وفق تعريف الأمم المتحدة للاجئ الذي غادر أرضه عام 1948م، والنازح الذي غادر أرضه عام 1967م؟ وماذا ستبقى للفلسطيني المطالبة به كحق عودة عندما يصبح متجنس بجنسية أخرى؟ وهل إسرائيل غير مدركه لهذا الجانب الخطير والهام؟
العديد من الأسئلة التي تتطلب رد قانوني من أصحاب الاختصاص، ورد سياسي من القائمين على قيادة الشعب الفلسطيني، وكذلك من أعضاء المجلس التشريعي، والمجلس الوطني الذي اجازوا إزدواجية الجنسية، في ظل التطورات المتلاحقة بهذه القضية.
من هنا يتطلب الأمر تحرك فاعل وحيوي من قبل رجال القانون الفلسطيني، الذين لا يمتلكون جنسية مزدوجة في دراسة هذا الجانب، وتناوله من زاوية وطنية مستقبلية، والتحرك في إيقاف تسرب الجنسية الفلسطينية، ورفع دعاوي قضائية على جامعة الدول العربية، والبلدان العربية التي تجيز منح الفلسطيني جنسيتها، وعلى المجلس التشريعي الذي اقر قانون إزدواجية الجنسية، وكذلك تصعيد المسالة ضد هيئة الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين التي تشترط تخلى اللاجئ عن حقوقه مقابل تجنيسه، مستغلة أوضاع أبناء الشعب الفلسطيني السيئة والمأزومة.
يأتي ضرورة التحرك من باب إفراغ وتسرب الجنسية الفلسطينية الذي إن استمر سيحقق ما ذهبت عليه الحركة الصهيونية منذ نشأتها بأن فلسطين هي " أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".
0 comments:
إرسال تعليق