الأحياء المُفجّرة في دمشق وحلب
المواطن في سوريّة لا كما عندنا ولا كما في لبنان، ورغم كل شيء هو "عربي سوري"، يعرف ذلك كل من زار سوريّة عن قرب أو التقى في شتات الأرض سوريين وطنيين موالين أو معارضين. هو مواطن "عربي سوري" ونقطة ومنذ أن أفشل آباء سوريّة الحديثة أوائل القرن الماضي وبالدماء، المشروع الفرنجي وحين قال صالح العلي: "تودّون باسم الدين تفرقة أمّة... تسامى بنوها فوق كلّ لون ومذهب" وقال سلطان الأطرش: "الدين لله والوطن للجميع .. سوريّة عربيّة حرّة موحدة من بحرها إلى صحرائها".
ولكننا صرنا مؤخرا نسمع عن علويين وشيعة وسنّة ودروز ونصارى وأكراد ووو... يتحفنا بها مجلس اسطنبول وأسياده والإعلام "الغرصهيوليجي"، وكمن "رمتني بدائها وانسلّت" يرمون بدائهم ذلك على النظام السوري.
ولكن من يتابع أخبار التفجيرات وبالذات الأخيرة منها في دمشق وحلب يستطيع ومن بين كلمات الضحايا الأحياء أن يصل إلى خلاصة معيّنة تثير فيه ذكريات من العراق عن إرهاب وتهجير لفئة معيّنة من الشعب العراقي وتحت اسم الدين الذي من هؤلاء وزملائهم في سوريّة براء.
فهل هذه من بوادر وبشائر الديموقراطيّة والحريّة والأخوة والمساواة وحقوق الإنسان التي سينعم بها الشعب السوري بكل شرائحه تحت حكم هؤلاء بعد أن يخلّصوه من نظامه الطائفيّ ؟!!!!!
الوقفة (2)...
نتانياهو وعمليّة تولوز ومنظمة حقوق الإنسان
نحن طبعا وحتى لا يساء فهمنا، ضد كل العمليّات الإرهابيّة وليس طبعا حسب التعريف الغربي وإنما التعريف الصادر من إنسانيتنا وثقافتنا. من هذا الباب فإن الإقدام على قتل طلاب المدرسة اليهوديّة في تولوز عمل مستنكر ومدان.
لكن الملفت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وفي أول تعليق له على الموضوع قال: "حدث في هذا اليوم أمران مهمّان ، الأول أن إرهابيين قتلوا يهودا وفقط لأنهم يهود، أمّا الثاني فهو أن مجلس حقوق الإنسان الأممي استقبل ممثل إرهابيّي حماس".
طبعا رئيس الوزراء يشير بوضوح إلى متهم جاهز ألا وهو الإرهاب الإسلامي وحتى عندما أشارت التحقيقات الأوليّة إلى أن المنفذين هم من النازيين الجدد الفرنسيين خريجي وحدة النخبة المظليّة الفرنسيّة، وربما أن رئيس الوزراء "أسف" لهذا الكشف الأولي وهو الذي يود أن يكون المنفذ إسلاميّا. و"سبحان الله" وإذا التحقيقات الفرنسيّة "النزيهة" تصل إلى منفذ إسلاميّ تابع للقاعدة لم تستطع كل القوات النخبويّة الفرنسيّة القبض عليه إلا بعد أن قتلته.
لكن الأهم أن رئيس الوزراء أضاف أيضا: "أي مجلس حقوق إنسان هذا الذي يأتي ببابه ممثل حماس الإرهابيّة في نفس اليوم الذي تطال به يد الإرهاب الإسلامي الأطفال اليهود؟ وأي حقوق إنسانيّة لديه؟!"، يا سبحان الله، بالأمس عندما اتخذ نفس المجلس قراره ضد "النظام السوري" كان قراره في قمّة الإنسانيّة وعلى رأس نشرات الأخبار في وسائل الإعلام الإسرائيليّة إشادة في إنسانيّته... فسبحان مغيّر الأحوال؟!
الوقفة (3)...
المثقّفون المتجمّلون.
أنا على الأقل لم اتهم يوما كاتبا له موقف مغاير عن موقفي من الأزمة السوريّة لا بعمالة ولا بجهل ولا بعداوة للحرية وحقوق الإنسان، اللهم إلا ذلك النفر السائر في ركب ملوك وأمراء الجهل في الخليج وأسيادهم، أو على الأصح أولئك الذين جعلوا أنفسهم مطايا لعبيد عبيد الغرب ويعظوننا حريّة.
ذلك النفر يحلو لهم أن يُطلق على أنفسهم مثقفين مُتحفين إيانا يوميّا بمقالات وعظيّة بأقلامهم المستلّة من مقالم مرصّعة من خلف مكاتبهم جلوسا على كراسيّهم الوثيرة "جلديّا" في باريس وواشنطن والدوحة وحيفا وعبر مواقعهم الإلكترونيّة الوثيرة "تقنيّا" بالأخضر، مليئة بمواعظهم عن الديموقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان وكأننا نعيش بين طيّات كتاب الجمهوريّة لأفلاطون المطبّقة نصوصه في السعوديّة أو في جنّات المدينة الفاضلة لسقراط المتقمّصة في الدوحة.
يجرّد الإخوان مثلا ما حصل ويحصل في العالم العربيّ وبالذات اليوم في سوريّة من كلّ ما حوله مختزلين الأمر في حق الشعوب في الحريّة ومثلما هم يفصلّون الحريّة وكأنها بدلة من الصوف الإنجليزيّ مفصلّة في دور الأزياء الباريسيّة، وكل من لا تعجبه هذه البدلة يصير عدو الحريّة ونصير الأنظمة الظلاميّة.
بعد الاجتماع الكبير الذي نظمته اللجنة الشعبيّة لدعم الشعب السوري وقيادته الوطنيّة في مسيرة الإصلاح والتصدّي للمؤامرة، خرج هؤلاء بحملتهم "التثقيفيّة" ضد كل من شارك في المهرجان تزامنا مع وتماما مثلما خرجت ضدّه وسائل الإعلام الإسرائيليّة تحريضا أقله أننا أعداء الشعوب وحريتها وداعمي طغاتها وممجدي ذابيحيها.
صرنا نواجه أعضاء اليمين العنصري المتطرّف في المحطّات الإعلاميّة الإسرائيليّة صبحا، ومساء نواجه هؤلاء، وكلّ مُنْبَرٍ يدافع عن دم الشعب السوري المراق على أيدي الطّغاة في سوريّة. وإن كان حتّى بعض الصحفيين الإسرائيليين صمتوا قبولا للادعاء أن كل نقطة دم سوريّة تُراق هي في رأس الحلف "الضابب" في صفوفه كل من هبّ ودبّ من متخلفي الأمم وآكلي لحومها بالأباتشي مسلّحي العصابات، ألا أن هؤلاء "المثقفين" المرسلين من لدن الله ظنّا منهم حراسا لحقوق الإنسان وحريّته يذكرونك ببطل إحدى روايات الكاتب محمد عبد الحليم عبدالله المختزل حياته الكاذبة "إني لم أكن أكذب كنت أتجمّل".
هؤلاء وإن تجمّلوا بالبدلات الإنجليزيّة الصوف الفرنسيّة التفصيل، أو الشالات الحمر الملقوحة حول أعناقهم كيفما اتفق وال"كسكيتات" الفرنجيّة المائلة على رؤوسهم، وإن شحذوا ألسنتهم بالليبراليّة، هم في نهاية الأمر ورغم لبوسهم وفوق شالاتهم ملتحفين عباءات المتخلفين من عربان أو أعاريب الخليج المثقلة بالحقوق الإنسانيّة، وأمام مثلهم يشرّفنا أن نبقى من أعداء الحقوق الإنسانيّة مع الطغاة في بلاد الشام.
sa.naffaa@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق