ما أن نذكر الغراب، حتى تستعيد الذاكرة سواد لونه الحالك، ومعيشته على الأوساخ، ونهشه للجثث، وسكناه للدمار!
نتعجب من أنه لا يعتني بفراخه الصغيرة، ثمرة بيضه!
ونسخر منه على ما فعله، عندما أرسله نوح من الفلك الذي كان يسكنه أثناء الطوفان العظيم، فلم يرجع إليه بعد أن وجد لنفسه مكاناً يرسو فيه، تمشياً مع المثل السائر: " من وجد احبابه نسى أصحابه"!
مع ذلك، اجدني احاول أن أذكر محاسنه؛ لا كصديق أبلع له الزلط، لكنه الانصاف لطير يعايش الموت بثقة، ويجد ذاته في الخراب، الذي نصنعه نحن البشر، ثم ننعته بالشؤم، الذي يجلب: الضلالة، والتشتت، والفرقة، بل ونتبجح بالمثل القائل: "إذا كان دليلكم غراباً لأنبئكم بالخراب"!
فالغراب، أكثر طاعة واستجابة لأوامر الله عن كثير من البشر؛ فرغم طبعه وطبيعته التي تتصف بالأثرة، فقد كان يطعم ايليا النبي باللحم والخبز طيلة فترة اقامته قرب نهر كريث عند حلول المجاعة في بلاده، كما ورد في التوراة!
وكان يأتي بنصف قطعة خبز في كل يوم للراهب القديس الأنبا بولا، كما ورد في السنكسار!
كما أن الغراب من أكثر الطيور ذكاءاً وحكمة؛ فان كان المثل الدارج، يقول: "ما محبة إلا بعد عداوة"، فما الذي يمنعه من أن يمد بجناحيه جسور الصداقة بينه وبين الإنسان.. فان كان الإنسان يتشاءم من الغربان، فلتتفاءل الغربان بالإنسان، خصوصاً وقد أعلن أحد المنتسبين إلى الإنسان، وهو بالمناسبة من أقارب تنظيم القاعدة، وأحد المرشحين لنيل الرئاسة في مصر، عن عزمه تفعيل قانون السيف في ربوع أرضنا المحروسة؛ ليطيح برقاب العباد الذين يختلفون معه في الرأي والمعتقد، وممارسة قطع الايادي والارجل من خلاف في كل من دب، وشب!
ولعل الغراب، قد هلل وكبّر، على هذا الخبر الذي يحمل الخير له ولأهله من طيور الغربان؛ فستصبح مصر مأوى طعامهم الذي لا يفرغ، والذي يأتيهم طازجاً من مجازر الحلال!
وسيصبح الإنسان، الذي كان يتحاشاهم ، هو دليلهم ومرشدهم إلى ولائمهم العظمى، وإلى مساكنهم السوبر لوكس!
وسيكون هذا الحدث الهام، الهاماً لشاعرهم، الغراب الكبير؛ فينشد لهم، طرباً:
"إذا كان الإنسان دليل غربان .. سيهديهم إلى دار الخراب"!
وكلنا يعلم : أن خراب قوم عند قوم فوائد!...
0 comments:
إرسال تعليق