خطة أنان محطة بين الحلّ أو الحرب/ جوزيف أبو فاضل

صدقت وليد جنبلاط! ونجاح الجيش السوري بحسم معركته مع المتمردين في حي "بابا عمرو" في حمص بدّل من وجهة الصراع في سورية، وعاد الصراع فيها إلى مسار سيقود في النهاية إلى عودة الهدوء والاستقرار إليها، كي تعود وتكون كما يريدها المخلصون الأوفياء لها لا أعداؤها أو الذين ارتدوا لفترة أثواب الصداقة الزائفة.
"فبابا عمرو" لم ولن يكون ستالينغراد ـ سورية، فالجيش السوري والقيادة السورية وبالرغم من حجم المؤامرة الكبير، والكميات من الأموال والأسلحة الطائلة التي تصل إلى فئة قليلة من المعارضين لم يتعاملا معها إلا بعقلية الاستيعاب والحل والحوار بالتي هي أحسن، وعندما لم تنجح هذه الوسائل والأساليب كان آخر الدواء: الكيّ، وتمكّن الجيش السوري خلال أيام معدودة من حسم المعركة وإعادة الأمور إلى نصابها ومسارها الطبيعي.
إن القيادة السورية، ومنذ اندلاع الفتنة ـ المؤامرة المدعومة خارجياً من حلف عريض يمتد من تل أبيب إلى الجزيرة حتى الأطلسي، كانت تعتمد الحوار وسيلة، لإيمانها أن كل رصاصة لا توجّه نحو العدو "الإسرائيلي" هي خسارة وضياع وانحراف عن الهدف الأساسي وهو تحرير فلسطين.
لذا لا يجب الرهان على القوة واستخدام الأبرياء في سورية لإسقاط الدولة والنظام، لأن الجيش السوري في ظل تماسكه وقدرته قادر على حسم حالات التمرد والفتنة مهما كان حجمها في أيام معدودة إن لم يكن في ساعات، و"بابا عمرو" و"جبل الزاوية" هما الأمثولة والنموذج.
وخاب أملك وليد جنبلاط، إذ كان الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في كل مكان: في "بابا عمرو" وفي دمشق وفي السويداء ـ جبل العرب، معلناً مرحلة جديدة من مراحل الصراع عنوانه: أوقفوا المؤامرة الخارجية لأن المنحرفين والمضللين في الداخل السوري تناقصت أعدادهم، فمنهم من تاب ومنهم من ارتحل، ولم تبقَ سوى فئة قليلة فقدت صلاحيتها وأصبحت عاجزة عن تلبية وتحقيق أهداف المقاومة.
ومؤتمر أعداء سورية في اسطنبول لن يكون له أي تأثير على مسار الأمور في سورية، فهو انتهى قبل أن يبدأ، لأن الساحة السورية الداخلية أصبحت محصنة بفضل وعي السوريين مخاطر النفق والمنزلق التي تريد تركيا ـ أردوغان وبعض العرب بدعم ومساندة من "إسرائيل" وأميركا والدول الأوروبية، إدخال سورية بها وتقسيمها وتفتيتها كمقدمة لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، عنوانها التفتيت والتقسيم لمصلحة "إسرائيل" الكبرى والعظمى.
لكن حصانة الداخل السوري على أهميتها لم تشكل رادعاً للمؤامرات الخارجية التي يبدو أنها سترتفع وتزيد من وتيرتها في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وخطة المبعوث الأممي كوفي أنان إلى سورية إحدى أدوات التآمر الخارجي.
العقوبات الاقتصادية والمالية والمصرفية على سورية ستبقى وتزداد شراسة لاستكمال كل أدوات الحصار على سورية.. فوكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الاستخبارات المالية ومكافحة الإرهاب دايفيد كوهين إلى كل من بيروت وبغداد ودبي لم يحمل معه سوى التحذير والتهديد بأن على القطاع المصرفي والمؤسسات المالية أن تكون مع الأميركيين ضد سورية وإيران والمقاومة اللبنانية وإلا جميع المصارف قد تواجه ما واجهه "البنك اللبناني الكندي" وقد تفهّم حاكم مصرف لبنان رياض سلاهم دقة وحساسية الظرف الذي يمر به لبنان، فهو يحاول إيجاد الضوابط التي تحصّن وتزيد منعة المصارف اللبنانية، فتستمر في أداء دورها ومهامها، من دون إغضاب الجانب الأميركي، وهي مهمة دقيقة وصعبة ومحفوفة بكثير من المخاطر والتحديات، ما يجعل العبء الملقى على عاتق سلامة يوازي ضخامة الجبال.
إن تراجع الأعمال العسكرية واستمرار الضغوط السياسية والعسكرية والدبلوماسية لم يحُل دون طرح المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان مبادرته السياسية لمعالجة الأزمة السورية.
فكوفي أنان من خلال مبادرته هذه، يكون قد أوجد طريقاً للحل السياسي وفق خطة مرحلية يتم اعتمادها في حال وصول أميركا و"إسرائيل" وبعض العرب إلى قناعة تامة، باستحالة إسقاط النظام السوري بالقوة، فتكون عندها خطة أنان هي الحل المرحلي لتقويض النظام السوري، فتنجح عندها حيث فشلت الحلول العسكرية.
فالنقاط الست التي يطرحها أنان في خطته تحمل الكثير من الثغرات، وتحتمل الكثير من الخيارات.
في البند الأول، هناك التزام بعملية سياسية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري، الالتزام بتعيين وسيط له سلطات عندما يطلب المبعوث ذلك... فمن سيحدد ما هي تطلعات الشعب السوري؟ هي بالتأكيد ليست مع المجتمعين في اسطنبول أو تونس أو القاهرة! وبالتالي لا يمكن استخدام هذه المؤتمرات والتحركات بفرض واقع على السوريين ترفضه الأكثرية منهم، والتي قالت حتى اليوم كلمتها في تأييد النظام القائم، وأي حل سياسي يجب أن ينطلق من خلال هذا النظام على قاعدته لا من خلال أي بديل آخر، وهذه هي النقطة المحورية والمفصلية .
النظام قائم ومستمر بثقة ودعم أكثرية السوريين، وكل الأمور الإصلاحية الأخرى مطروحة للنقاش.
البند الثاني في خطة أنان، يرمي إلى تمكين مجموعات صغيرة من المسلحين من إحكام سيطرتها على المدن والمناطق السورية، مستخدمة ما تتلقاه من أسلحة وأموال وأوامر من الخارج، وإعلانها خارج السيطرة الحكومية الشرعية بعد إخلائها من الجيش السوري! لذا لا يمكن تحقيق الانسحاب الكامل من هذه المدن قبل سحب السلاح نهائياً من هؤلاء المسلحين وكذلك منعهم من الوصول إليها.
فخروج القوات السورية من دون هذا الأمر يعني تسليماً لهذه المدن والمناطق وينال أعداء الخارج ومن معهم من المتعاملين في الداخل بالحيلة والمكر، ما عجزوا عن نيله بالقوة والعنف.
أما البنود الأخرى في خطة أنان، فلا تُشكل أية مشكلة لأن الحكومة السورية شرعت بها قبل أن يتلفظ بها أنان، فتقديم المساعدات الإنسانية عمل قائم ومستمر، والإفراج عن المسجونين والمعتقلين خطا خطوات متقدمة، واحترام حرية التجمع وحرية التظاهر سلمياً يكفله القانون والنظام السوريان، فمشكلة السوريين ليست مع التظاهرات السلمية، بل مع التظاهرات المسلحة.
إذا كانت خطة أنان تحمل هذه المؤشرات السلبية لا سيما في بنديها الأول والثاني، فلماذا قبلت بها القيادة السورية؟!
إن قبول القيادة السورية لخطة أنان بالرغم من إدراكها لمخاطرها يهدف إلى إطلاق آلية للحوار السياسي ـ الدولي بين روسيا والصين من جهة والدول الأوروبية وأميركا من جهة أخرى، للوصول إلى إفهامهم بضرورة الحد من التدخلات الخارجية، لأن بقاء أو رحيل النظام مسألة يحددها الشعب السوري، ولا يمكن أن تفرض عليه من الخارج كما أن الجيش السوري لا يمكنه أن يبقى مكتوف اليدين ويصم آذانه في تلبية إغاثة المواطنين السوريين الذين يقعون هم وأرزاقهم وأعراضهم في براثن فئات مسلحة حاقدة وجاهلة تريد تحويلهم إلى متاريس في مشاريع إقليمية ليست في مصلحة سورية والعرب.
فالقبول السوري بخطة أنان ليس قبولاً أو تسليماً بالخلفيات التي أملت الخطة، فالحل السياسي ينطلق من النظام، والجيش السوري ينسحب ويعود إلى مهامه الأساسية للدفاع عن الوطن عندما يتسلم السلاح من المسلحين، ومن دون ذلك فإن خطة أنان هذه ستكون مجرد محطة لهدنة تسمح باستقرار نسبي بانتظار معطيات دولية جديدة.
بعد سنة ونيف على بدء المؤامرة على سورية، تبدل المسار وتكرّس واقع جديد في بقاء النظام واستمراره، لكن الأزمة ليست على مشارف نهاياتها، بل ربما هي في منتصف الطريق سيعمل من لا يريد الخير لسورية، على استنفاد كل الوسائل قبل أن يعلن رفع الرايات البيض.. على أمل أن يكون ذلك قريباً.

CONVERSATION

0 comments: