مسرح الميكانو/ موفق ساوا

 للمخرج  الاكاديمي موفق ساوا
كتبت في بغداد عام 1998
ونشرت في جريدة الالوان الخاصة بلجنة المسرح العراقي عام 1998م
ونشرت في لندن واستراليا أيضا.
المقـدمـة   
قد تبدو هذه التسـمـيـة لـلـوهـلة الاولى، علـى إنـّّهُ مسـرح يـابـاني او صـيـني او..... الخ  ألا انـَّهُ من بـنات رؤيـتنا (الرؤيّة الحلمـية) للعرض المسـرحـي وربما يـأخذ مكـانَـتَـهُ في السـاحـةِ الفنية مسـتـقـبلاً اذا ما توفرت له الارضـيّة الصـالـحـة من امـكانات وادوات ودعم الجهات الرسمـيّة والـغــير الـرسـمـية لهـذا المـشـروع الجـديـد.
يمكن تطبـيق هذه التجـربة، مـن قـبل مجـمـوعـة او فـرقـة خاصة، من خلال الـوسـائل التجـريـبـيـة، لان المسرح ليس خاضعـا للسكـونـيـة بـل ينحى منحى التجـريب منذ نشأتـه الى وقـتـنـا الحالي.
فهـو خاضع لجملة من المتغـيـرات على جميع مستـويات التجـريب منها التمثيل، والاخراج، والـنص والسيـنـوغرافـيـا.
في هـذا الطـرح قـد نقـتـرب قـليلا من بعـض التجارب العالمية السـابـقـة لكن كمحـصـلـة لهذا الطـرح نتبعد كـثـيـرا عـنهـا.
وكـمـدخـل لتـوضـيح هـذا الطـرح (مسـرح ميـكـانـو) لابـدَّ أن نـَـتسـاءل عـن هـــذه الـتسـمـيـة. كـيـف تـَبـلـورت..!؟ ولماذا هــذا الطــرح، الـذي قـد يـَعـتـبـرهُ الـبعـض غـريـب الاطـوار. وما هـي بـُنـيـَة هـذا المخـلـوق الـفني الجديد..!؟ 
للاجـابة على هـذه التسـاؤلات لا بد ان نوضح الخـلـفـيـة والـتـصـور لـهـذا الطـرح الـجـديـد .
مـن الـمعـروف فـي عـالـم الاطـفـال، الـكـثـيـر مـن الـلعـب سواء كانت بـلاسـتـيـكـيـة، وورقـية او خـشـبـيّـة ومـنهــا على سـبـيـل المـثال لـعـبة المـيـكانو التي تَـتَـكوَّن من قـطـع هـنـدسـَّية صـغـيرة مخـتـلـفة الاشـكال والاحجام  والالـوان. وعـند ما نراقب  هؤلاء الاطـفال وهم يـلعـبون بـتـشكـيلاتـهـم الجـميلـة نجـدهـم تـارة يـُشكـلـون تـَكـويـنـا ً معـيـنـا وبشكـل هـنـدسـي بديع وتارة اخرى يـُشكلـون  ومن نـفس الـقطع تـَكويـناً آخـر يخـتـلف تـماما عـن الاول، مـعـنىً وشـِـكلا  وذلك باسـتعـمال عـملـية الـتـفـكيك والتـركـيب لهذه القطع الهـنـدسـية.
فـالطـفـل عـنـدمـا يـقـوم بـصـنع تـكـويـن مُعـيـَّن، وحسـب تـَصــوّره هــو بحـد ذاته تـَمـرين ذهـنـي لـمخـيَّـلـته، ذلـك يتـطـلـب منه إجراء العـديد من التـجارب قد يصـيـب لـلـوهـلـةِ الاولى او قـد يـَخـفـق ولـكن في الـنهـاية يـُحـقـق غـايـته في الـوصـول الى ما يـَتصــوره (شـكــله الـمـثــالي) وعلى هذا الاساس بـَنـيتُ هذا الـطـرح- الـرؤية الـفـنـيـة الـجـديـدة - لمـخـلـوقـنا الـفـني مُـسـتـلهـمـا ًمنها الأسم  والـرؤيـة.
أمـَّا لماذا هــذا الطـرح او هــذا الاتـجاه فـي خـلـق الـنـص الـعـرضـي  ... ؟!.
يـعـود، في رأي، الـى سـبـبــيـن :
1- لخـلق اتجاه جـديد في تـكـويـن الـرؤيـة الفـنـية الجـديدة لـلـنـص الـعــرضـي كـمـا أتــَصــوَّر او حـسـب تـصـوري.
2- لمـغادرة كل الاتجـاهـات الـقـديـمة والـمـعـاصرة في مـجال الاخراج او لـخـلق اسـلوب خاص من خلال الـتجـريـب.
البُنـْيه العـَرَضـيـّه للنص
افـتـرض لهذا المخـلوق الـفـني الجـديد ثلاث بـُنى أساسـيـة وهـي :
أولاً : مـُفردات لـلـبـنـية الـتـكـويـنـية لـلجـسـد الـمـسـرحـي
وهـو المـفـتـاح الـرئـيـسـي الـذي يـنـطـلق مـنـه الـمـخـرج لـتـأسـيـس هـذا الـجـسـد وصـولا ً الى الـبـنـيـة العـرضـيـه لـلـنـص عـلـى خـشـبـة المســرح.
في هـذه المرحلـة يـقـوم المخرج بـبـث أو طـرح مجمـوعـة من المفردات المنـتـقـاة من مـؤسسـتـهِ او صندوق خـيـاله الـمـبدع بـشـكـل مـُفـردات عشـوائـيـّة (كـلمات مـُبـَعـثـَرة او صور مـبـعـثـرة)  يـُقـدمـهـا الـمخـرج الى فـريق عـَمله وعـلى سـبـيـل المثـال لا الحـصـر نـورد بعـضـهــا :
بـيـت، ورشـة، كـرسي كـبـيـر، كـراسـي صـغـيـرة، حـبـال، اقـمـشـة.. الخ وبعـد ان يـَسـتـلـمـهـا فـريـق الـعـمـل يـبــدأ كل عـلـى إنـفـراد بـتـأسـيس سـيـنـاريو مســرحـي وبهـذه المفردات العـديدة ووفـقا ً لإبـداعهِ وتـأويله بعـدها يـقوم المخرج بالتـعاون مع فريق عـمله، بتـوحيـدهـا لـلوصـول الـى سـيـناريـو واحد مع إنـشَـائـيَّـة المكان في العـرض المسـرحـي .
ثانياً : تصـمـيـم الـبنية الـديـكـوريـّة لـلـجسـد الـمـسـرحـي.
يـقـوم مصـمـم الـديـكـور- مهـنـدس الـديـكـور-  بـتـجـسـيـد روح الـجـســد المســرحـي تـَصـمـيـمـا ً وتـنـفـيـذا.
ألألـيـَّـه
المشهـد الاول
يـقـوم مُـصـمـم الـديـكـور بـتـكـويـن او تـَشكـيـل ألبُـنـيـة الـديكـوريـة لهــذا المـشهـد مـُسـتـَخـدِمـاً مـُشَـكـِّـل الـوحــدة الـدلالـيّـة الصغـرى ومـُشـَكـِّـل الوحـدة الـدلالـيـــة الكـبـرى ( مُشَـكـِّـلات كـبـيـرة وصـغــيـرة).
تـَتـَمـيـز هـذه المشـكلات بـمفـاصـل ذات أطــوال واحـجـام واشكـال مخـتـلـفـة وتعـتمـد عـلاقـة هـذه المشكلات عـلـى تحكمهـا بعـضهـا ببعـض اي ان كـل مشكل هـو بحـد ذاتـه تابع للمشكل الـذي يسبـقـه ويلـيه (مُشَـكلات تـَبعـيـَّة الواحـدة للأخـرى).
المشهـد الثاني
يـَقـوم المـصـمـم بـتـصـمـيـم هــذا المشهـد واضـعـا ًفـي نظر الاعـتـبار استخدام اسلوب التـفكيك والتركيب للمُـشَكـِلات الصـغـيـرة والكـبـيـرة المُـتـَـمَـفـْصِـلـة .
هذه العـمليـة يـقـوم بـها المـمثلون عـِبـرَ أفـعـَالهم وحـوارهم إثـناء العـرض وبـأنـفسهـم إعـتـماداً على مهـارة الممـثـل الـفـائـقـة والسرعـة المتـنـاهـيـة وخـفـة الحـركـة لـكي تـَبـدو وكـأنـَّهـا جـزء من العـرض وليس بـشكـل مـُفـتعـل. اي يـَقـوم المـمـثـلون عـِبـرَ افـعـالهم وحـوارهم، فـي تــَفـكـيـك الـمـُشكـلات المـُتـَمَـفـْصـلـة (مـرحـلـة إضـمحـلال المشهـد الاول) لـيغـادروا مـَكـانـه وزمانـه وذلـك لـتـركـيـب المشهـد الـثـاني ومـن نـفـس المشكـلات الـمـتـمـفــصـلـة بـعـضـهــا بـبعــض فـي الـمـشـهــد الاول.
وبمعـنـى اخـر إنَّ التـكـويـنَ الـديـكـوري للـمشهـد الـثـانـي يـولـد مـن نـفـس التـكويـن الـديكـوري للمشهـد الاول) قـوة إنجـابـيـَّة) اي ان يـُحـبـل َالتـكـويـن الـديكـوري الاول بالـتـكـويـن الـديكـوري الـثـاني والثاني بالثالث و ....  الخ ووفـقـاً لاسـلوب الـدلالة الـتـَولـيـديـَّة، حـيث ان كل تـكـويـن مُحـَوَّل يغادر ما قـبـلـه شـكـلا، ومعـنـاً وزمـكـانـيـاً.
ولـنـَفـترض جدلا ً بـإخـفـاق المصمم في تـَوفـيـر المشكلات الصغـيـرة والكبـيرة لجميـع المشاهـد وهـنا بـأمكان المصمم تـَلافي هـذه المشكـلـة بأن يـقـوم بـاخـفاء المُـشكلات غـيـر الـفـاعـلـة وراء المشكـلات الـفـاعـلـة.
هـذه العـملـيـة تعـتمـد بشكـل اساسي على وعي تصميمي دقيق وقدرات ابـداعـية مـُبـتـَكرة خلاقـة وتـنـسـيق جـمـيـع المشـكلات والاكسـسـوارات والملـحـقـات الاخـرى بـشكـل مـُنـظـَّم وجـميـل.
ثالثاً : إسـتنباط الـبُـنـية الحوارية للجـسد الـمسرحي
وبعد ان تـوصـلـنا الى الـبُـنـيـة الـتـكويـنـية والـديـكـوريـّة لـلجـســد الـمسرحي الـذي يـَتـمـيـز بـأنـَّه :
1- عـار ٍ :  أي بحـاجة الـى رداء جـمـيل خـالي من كل الـزوائد والكـراكـيـش الا اذا كـانت تـَحـمـل معـنـا دلالـيـا ً.
2- أخـرس : اشـبـه بـلـوحـة تـشـكـيـلـيـة نـاطـقـة (بـلـغـة داخـليـة) غـيـر مسمـوعـة. وهـنا تـكـمـن مهـمـة المـؤلـف الـذي يـَسـتَـنـبـط لـسـان حــال هــذا الجـســد الـمســرحـي، عـلى ان يـوظف الـحـوار كــأساس لكل العـلامات والدلالات والـمـعـاني الـتي يـحـمـلـهـا الـجـســد مـطـاوعـاً عـمـلـيَّة الـتـفـكـيك والـتـَـركـيب لــكلّ الـمُـشَـكـِّـلات المُـتـَمَـفـْصـلــة المُـتـَـحـركة بـعـيدا ًعـن الـطـبـيـعـة الـتـَلـقـيـنـيّـة لـلجـَسـد. أي ألا يكـون الجسـد بـبـغـاءاً لـلـمؤلف، بـَلْ يـطـلق له حـواراً وفـقـاً لـكـلّ المـفـاصل او لكـل جـزء منه مانحـاً أيـَّاه لسـانـاً خـاصاً ومنـاســبـاً لـلجـسـد الـروحـي اي انـَّه يعـبـر عـن روحـيـَّة الـجـسـد تـَفـكـيـكـاً وتـَركـيـبا وذلـك بـأيـجاد نظام تـَعـبـيري خلاق وصولا  ًالى الـبـنـية العـرضـيـَّة لمسـرح الميكانو.

CONVERSATION

0 comments: