أخطر ما يحصل بيننا هو تجاهلنا لما يحصل لنا. في شهر واحد اعتدى يهود عنصريون على عرب لكونهم عربًا. لم تكن الضحايا، كما كان في حوادث الاعتداءات الماضية، من الشباب، بل تعدّدت الفئات وكذلك تعدّدت الفرق العنصرية الضاربة.
كان الأطفال العرب طرائد في حافلة قطار حوّلتها ذئبة مصيدةً، انقضّت على مجموعة بريئة كانت في طريقها لمدرستها التي تحتضن طلابًا عربًا ويهودًا، تعاهدوا أن يمضوا، يدًا بيد، نحو مستقبل آمن ومجتمع حصين.
في يافا ونتانيا وغيرها كانت الضحايا من السابلة أو من العمّال الكادحين، الذين وقعوا فرائس لكتائب التطهير السوداء، لا لذنب إلّا من سقوط العين هفوةً من الحلق ومن الحليب الذي رضعوه وصار في الوجوه كلون الأرض أسمر. حتى السيّدات لم يفلتن من اعتداءات إناث تقمَّصن دور ضبعات هذا الزمان أو بقرها، تهيج كلٌما لمحت منديلًا على رأس عربية يطيّر في الهواء المسك مخزونًا من جدائل جَدّة أورثت بنتها الحشمة التي أورثت بنتها العزة واليقين أن هذه الأرض تاريخها أبلج، كلما زاد القمع صار أكثر.
في طبريا، التجأ عربي وعائلته الى بحر الجليل ظانًّا أن المكان مصاب ببقايا محبّة من زمن الخبز وموسيقى السمك، فيخذل، حين يصر المكان ويجترح العجيبة والدهشة. جند هيرودوس ما زالوا هناك يجيدون لغة البازلت الأصم ولا يعرفون من القوانين إلا ما أورثه الغاب. زرافات يجوبون الصخر كالعقارب، تتحيّن الفرصة وتضرِب. فلا يجيد العقرب إلّا الغدر والسم والعربيَّ اقتل ونسلَه اقطع.
كتبنا الكثير في وصف ما حدث ويحدث في أجهزة الحكم في الدولة. منظومة الحكم تنهار. قيم الوقاية تتبخَّر. وصفنا حالنا كمن يتدحرج على منزلقٍ خطر إلى هاوية. لا أحد ضامن سلامته. لا مكان آمن. ما يجري على هضاب الضفة المحتلة قريب لمطارحنا. مجموعات من السوائب تجتمع في وضح النهار وتوثِّق غاراتها بكاميراتها، بدون تستِّر، بافتخار غازٍ وغاصب. الجيش على بعد زناد والضحية: شجرُ العرب، حجر البلاد وصدور فلسطينيين عزّل. الشرطة مخترقة وكذلك نيابات الدولة. المحاكم استوطنت كما استوطنت كريات أربع وبيتار. لا إنصاف يلتمس من حجارتها ولا من قضاة هم أبناء لشعبهم. بعضهم نخَّ من وِزرِ عدل خصّص للقادر. والقضية، كما كانت بقيت، بين مستجيب ومستجاب. أوَلم يكن المطر، دومًا، كالغيب، يغفو في لجج البحار.
إعلام الدولة كالطبول في فرقة عزف تجيد عزف مارشات دفن الحقيقة وألحان الدم. حكومات "استنارت" بعلم الخبراء فتفوّقوا على من سبقهم وبرعوا في علوم التدجين والتهجين وزراعة حقد همجية. أجهزة الدولة مسحتنا من حواسيبها وأبقتنا في أقفاص الأفاعي والشياطين. تحسبنا أعداء لها بالميلاد، بلون الدم وبالذاكرة. المعتدون وحاضناتهم، أحفاد لأسوار "مسادا" ووهم بابل. متعالون بسطوة "الوعد" كأبنائه المدلّلين. قوم يعيشون عقدة الساطي على الكرم، فيحيون وخوفهم من العناقيد ومن النبيذ ومن القصائد.
كم سألنا ما العمل؟ كيف يكون الخلاص ومن أين ستأتي السلامة والنجاة؟ أقول وأقرأ لمن كتبوا من خشية وغيرة ومسؤولية، ما زالت هنالك بعض الفرص والإمكانيات، "فإذا بصر الرأي بَطُل الهوى" وأوّل العقل هو أن نقرَّ بالواقع الخطير وأن نحزم أمرنا على ضرورة مجابهته بمسؤولية وواقعية وإقدام.
أقول هذا وبيننا من يعتقد أن على البلوى أن تعظم وعلى الوجع أن يطفح. على معاناتنا أن تقعد على رأس خنجر، لأنّها، يا صاحبي، "إذا ما كبرت ما بتصغر". البعض يؤمن أن على إسرائيل أن تسرف بهمجيتّها وقمعها حتى تسود رائحة العفن وعندها، فقط عندها، سنُدفِّعها الثمن. نونا مضمومة كلقيطة بلفافة، فاؤنا لا تصلح إلّا للفأفأة وعينهم مفقوءة. خلاصنا سيكون، حتمًا، من السماء.
عند هؤلاء يقين بأن إسرائيل، هذه الغازية الباطشة، إلى فناء واندحار. كيف؟ لا همّ ولا غمّ ولا يعنيهم ماذا سيفعل الرب، الذي عبده إسرائيل قبلنا وورثناه والقصص: من قايين وحكمة البطش، إلى عقاب اللفتة إلى الوراء حين صار اللحم ملحًا وحتى داود، حفيد "تمار" الكنعانية والخطيئة، قبلناه عندنا نبيًا نجلّه مع صفوة الأنبياء.
بالمقابل وعلى نقيض، بيننا بعض من لا يقر بالخطر. يتهرّبون من الواقع فيلجأون إلى تيه المدينة فالسلامة بالغوص والوحدة. آخرون يعيشون ونشيدهم "حيّد عن ضهري، بسيطة".
أوافق من كتب ونادى : الخطر داهم، أزِفَت ساعة العمل. سؤالي: لمن النداء؟ لهم! من هم؟ أننتظر "غودو" العرب؟ فأين يا ترى "عنترة"؟ أين ذوو الجاه، أصحاب الكراسي والمعالي والحجا؟ هل سيتّفقون على جلسة أو همسة أو تهليلة؟ نحن، أنا وأنت وأنت، أصحاب حق وواجب فلماذا لا نعتلي ظهر السفينة ومعًا نبحث عن ياطر ومرفأ لنلتقي، بدون قيد أو شرط، ولنجتمع على حافة العفوية ونستعرض، ببعض من الفوضى المتّفق عليها، حجم الطامة وحدود الطاقة.
أخيرًا، لجأت لمقالتي هذه وكان الأولى واليوم يوم المرأة، أن أعانق المناسبة وأصرخ كما صرخت في الماضي: أطلقوهن كالغيم وكفوا شروركم عنهنّ. يحزنني أن لا أكون، هذه المرة، على صخرة المينا فأبناء قومي أتعبوني لأنّهم ما زالوا يؤمنون بسرورين ما لهما ثالث: "حياة البنين وموت البنات" وبما قالت عربنا: "موت البنات من المكرَمات".
معكن أنا وعلى نفس المنحدر ومعنا الحكيم الذي قال: "لذي الحلم تقرع العصا" ويضرب لمن إذا نبّه انتبه! فهل من نبيه وسامع؟ أم سيكون "أمرنا يعرض دونه الأمر" وما أكثرها العوائق!
كان الأطفال العرب طرائد في حافلة قطار حوّلتها ذئبة مصيدةً، انقضّت على مجموعة بريئة كانت في طريقها لمدرستها التي تحتضن طلابًا عربًا ويهودًا، تعاهدوا أن يمضوا، يدًا بيد، نحو مستقبل آمن ومجتمع حصين.
في يافا ونتانيا وغيرها كانت الضحايا من السابلة أو من العمّال الكادحين، الذين وقعوا فرائس لكتائب التطهير السوداء، لا لذنب إلّا من سقوط العين هفوةً من الحلق ومن الحليب الذي رضعوه وصار في الوجوه كلون الأرض أسمر. حتى السيّدات لم يفلتن من اعتداءات إناث تقمَّصن دور ضبعات هذا الزمان أو بقرها، تهيج كلٌما لمحت منديلًا على رأس عربية يطيّر في الهواء المسك مخزونًا من جدائل جَدّة أورثت بنتها الحشمة التي أورثت بنتها العزة واليقين أن هذه الأرض تاريخها أبلج، كلما زاد القمع صار أكثر.
في طبريا، التجأ عربي وعائلته الى بحر الجليل ظانًّا أن المكان مصاب ببقايا محبّة من زمن الخبز وموسيقى السمك، فيخذل، حين يصر المكان ويجترح العجيبة والدهشة. جند هيرودوس ما زالوا هناك يجيدون لغة البازلت الأصم ولا يعرفون من القوانين إلا ما أورثه الغاب. زرافات يجوبون الصخر كالعقارب، تتحيّن الفرصة وتضرِب. فلا يجيد العقرب إلّا الغدر والسم والعربيَّ اقتل ونسلَه اقطع.
كتبنا الكثير في وصف ما حدث ويحدث في أجهزة الحكم في الدولة. منظومة الحكم تنهار. قيم الوقاية تتبخَّر. وصفنا حالنا كمن يتدحرج على منزلقٍ خطر إلى هاوية. لا أحد ضامن سلامته. لا مكان آمن. ما يجري على هضاب الضفة المحتلة قريب لمطارحنا. مجموعات من السوائب تجتمع في وضح النهار وتوثِّق غاراتها بكاميراتها، بدون تستِّر، بافتخار غازٍ وغاصب. الجيش على بعد زناد والضحية: شجرُ العرب، حجر البلاد وصدور فلسطينيين عزّل. الشرطة مخترقة وكذلك نيابات الدولة. المحاكم استوطنت كما استوطنت كريات أربع وبيتار. لا إنصاف يلتمس من حجارتها ولا من قضاة هم أبناء لشعبهم. بعضهم نخَّ من وِزرِ عدل خصّص للقادر. والقضية، كما كانت بقيت، بين مستجيب ومستجاب. أوَلم يكن المطر، دومًا، كالغيب، يغفو في لجج البحار.
إعلام الدولة كالطبول في فرقة عزف تجيد عزف مارشات دفن الحقيقة وألحان الدم. حكومات "استنارت" بعلم الخبراء فتفوّقوا على من سبقهم وبرعوا في علوم التدجين والتهجين وزراعة حقد همجية. أجهزة الدولة مسحتنا من حواسيبها وأبقتنا في أقفاص الأفاعي والشياطين. تحسبنا أعداء لها بالميلاد، بلون الدم وبالذاكرة. المعتدون وحاضناتهم، أحفاد لأسوار "مسادا" ووهم بابل. متعالون بسطوة "الوعد" كأبنائه المدلّلين. قوم يعيشون عقدة الساطي على الكرم، فيحيون وخوفهم من العناقيد ومن النبيذ ومن القصائد.
كم سألنا ما العمل؟ كيف يكون الخلاص ومن أين ستأتي السلامة والنجاة؟ أقول وأقرأ لمن كتبوا من خشية وغيرة ومسؤولية، ما زالت هنالك بعض الفرص والإمكانيات، "فإذا بصر الرأي بَطُل الهوى" وأوّل العقل هو أن نقرَّ بالواقع الخطير وأن نحزم أمرنا على ضرورة مجابهته بمسؤولية وواقعية وإقدام.
أقول هذا وبيننا من يعتقد أن على البلوى أن تعظم وعلى الوجع أن يطفح. على معاناتنا أن تقعد على رأس خنجر، لأنّها، يا صاحبي، "إذا ما كبرت ما بتصغر". البعض يؤمن أن على إسرائيل أن تسرف بهمجيتّها وقمعها حتى تسود رائحة العفن وعندها، فقط عندها، سنُدفِّعها الثمن. نونا مضمومة كلقيطة بلفافة، فاؤنا لا تصلح إلّا للفأفأة وعينهم مفقوءة. خلاصنا سيكون، حتمًا، من السماء.
عند هؤلاء يقين بأن إسرائيل، هذه الغازية الباطشة، إلى فناء واندحار. كيف؟ لا همّ ولا غمّ ولا يعنيهم ماذا سيفعل الرب، الذي عبده إسرائيل قبلنا وورثناه والقصص: من قايين وحكمة البطش، إلى عقاب اللفتة إلى الوراء حين صار اللحم ملحًا وحتى داود، حفيد "تمار" الكنعانية والخطيئة، قبلناه عندنا نبيًا نجلّه مع صفوة الأنبياء.
بالمقابل وعلى نقيض، بيننا بعض من لا يقر بالخطر. يتهرّبون من الواقع فيلجأون إلى تيه المدينة فالسلامة بالغوص والوحدة. آخرون يعيشون ونشيدهم "حيّد عن ضهري، بسيطة".
أوافق من كتب ونادى : الخطر داهم، أزِفَت ساعة العمل. سؤالي: لمن النداء؟ لهم! من هم؟ أننتظر "غودو" العرب؟ فأين يا ترى "عنترة"؟ أين ذوو الجاه، أصحاب الكراسي والمعالي والحجا؟ هل سيتّفقون على جلسة أو همسة أو تهليلة؟ نحن، أنا وأنت وأنت، أصحاب حق وواجب فلماذا لا نعتلي ظهر السفينة ومعًا نبحث عن ياطر ومرفأ لنلتقي، بدون قيد أو شرط، ولنجتمع على حافة العفوية ونستعرض، ببعض من الفوضى المتّفق عليها، حجم الطامة وحدود الطاقة.
أخيرًا، لجأت لمقالتي هذه وكان الأولى واليوم يوم المرأة، أن أعانق المناسبة وأصرخ كما صرخت في الماضي: أطلقوهن كالغيم وكفوا شروركم عنهنّ. يحزنني أن لا أكون، هذه المرة، على صخرة المينا فأبناء قومي أتعبوني لأنّهم ما زالوا يؤمنون بسرورين ما لهما ثالث: "حياة البنين وموت البنات" وبما قالت عربنا: "موت البنات من المكرَمات".
معكن أنا وعلى نفس المنحدر ومعنا الحكيم الذي قال: "لذي الحلم تقرع العصا" ويضرب لمن إذا نبّه انتبه! فهل من نبيه وسامع؟ أم سيكون "أمرنا يعرض دونه الأمر" وما أكثرها العوائق!
0 comments:
إرسال تعليق