نعم ... نحن الأقباط نخاف على مصر ... ليس من المسلمين ولا من المسيحيين .. .. بل من المتربصين والحكام .
هذه حقيقة يؤمن بها أقباط مصر سواء في الداخل " في مصر " أو في الخارج " خارج مصر " . حقيقة لا تقبل الجدل أو الشك . لأن أقباط مصر هم مصريون قبل أن يكونوا مسيحيون .. وأن مسلمي مصر هم مصريون قبل أن يكونوا مسلمون .. وذلك لأن أرض مصر التي ولد عليها ونشأ وتربى وترعرع المصري منذ بدء الخليقة وإلى المنتهى هي أم جميع المصريين . والأم دائما وأبدا تحب أبناءها ولا تفرق بينهم . وطبيعي أن ينموالمولود ويكبر ويكون له الحق في إختيار أسلوب حياته المادي في المهنة التي يتعايش منها ، أو المعنوي في العبادة التي يؤمن بها .
ومن هنا أرى أننا نحن الأقباط بالفعل نخاف على مصر .. ليس من المسلمين ولا من المسيحيين .. بل من المتربصين والحكام . ونسأل هنا من هم المتربصون ؟ ومن الطبيعي نعرف حكامنا .
وأجد نفسي أعود إلى تاريخ مصر في عجالة سريعة محاولا معرفة تاريخ المتربصين بمصر .
قبل الغزو العربي الإسلامي كانت مصر تقع تحت نير الإحتلال الروماني . وعلى الرغم من أن مصر بعد إنتهاء الحقبة الفرعونية بدخول الأسكندر الأكبر وتركه لقائده بطليموس الأول لإدارة شؤون البلاد فقد عاشت أزهي عصورها بعد إنهيار الأمبراطورية الفرعونية تماما ، وسبب ذلك يرجع إلى أن فلسفة القادم الجديد لم تعتمد على السيف في مصر . لأن حكمة الإسكندر الأكبر الذي كون إمبراطورية بحد السيف دخل مصر بأسم الدين ولم يعمل على إسالة الدماء .وفعل كذلك بطليموس الأول فظهرت اللغة الجديدة "القبطية " ، والحضارة الجديدة أيضا وشعر الأقباط " لم يكونوا بعد مسيحيين " بقيمتهم ، فعادت إلى مصر ثقتها بنفسها وأنتجت من الفكر والفن والأدب والعلم ما أبهر العالم وأنكره عليها الغزاة الأخرون . وما مكتبة الأسكندرية التي أحرقها الغزاة لجهلهم القراءة والكتابة وعدم معرفتهم بما يسمى بالثقافة والحضارة إلا شاهد على رقي أبناء مصر.
جاء بعد ذلك الغازي الروماني القائد إكتافيوس الذي إنتصر على ملكة مصر كيليوباترا واحتل مصر .وبدأت حقبة جديدة في مصر تحت حكم الرومان الذين لم يهتموا بمصر ولا بالشعب المصري . لقد كان جل همهم منصب على قمح مصر ومعادنها . فما كان من المصري إلا أن هجر الأرض إلى الجبل حتى لا تستفيد روما من قمح مصر ولا من معادنها مفضلا حياة التقشف على حياة الذل والخضوع والخنوع لذلك المحتل المتغطرس المتعالي .
ظهرت الديانة المسيحية وجاء مار مرقس الرسول إلى مصر وبدأ يبشر بالمسيحية ووجد فيها المصريون الملاذ الذي يلجأون إليه بعيداعن إضطهادات الرومان .بل أنهم تمسكوا بهذا الدين الجديد بعد أن أصبح دينا رسميا للأمبراطورية الرومانية التي إنقسمت إلى امبراطورتين ، شرقية وعاصمتها بيزنطة وغربية عاصمتها روما . طبيعي أن تكون مصر من نصيب الإمبراطورية الشرقية .
تمسك المصريون بالإيمان المسيحي واختلفوا مع الأمبراطورية الرومانية الشرقية التي إعتنقت المسيحية أيضا في أشياء جوهرية وتمسكوا بإيمانهم فدفعوا بسبب ذلك التمسك ثمنا غاليا من دمائهم الطاهرة فأصبحوا يعرفون بالأرثوذكس أي الثابتين على إيمانهم وعقيدتهم المسيحية . وبما أن المصريين جميعا يعرفون بأسم القبط حسب ما ينطق به باللغة الجديدة فأصبحوا بعد الإضطهادات والتضحيات بأسم الأقباط الأرثوذكس ، أي المصريين الأرثوذكس . لأن مصر كلها كانت مسيحية . ومن هنا إرتبط إسم الأقباط بالمسيحية والذي إستمر إلى يومنا هذا .
ضعفت الأمبراطورية الرومانية ، وظهر الدين الجديد .. الدين الإسلامي .. وخرج العرب والدين في قلوبهم والسيف بأيديهم وبدأوا غزواتهم وإستطاعوا بالفعل إخضاع ذلك العدد الكبير من البلاد التي كانت تحت إحتلال الرومان . وطبيعي مصر كانت ضمن تلك البلاد .
الوجود العربي المسلم في مصر لاشك أحدث هزة قوية في الهيكل الإجتماعي . جاء مسالما عارضا مساعدته الدفاعية ولم يتعرض لدين أهل البلاد . وكان ذلك أهم شيء بالنسبة للمصريين الذين أستشهد منهم ألكثيرين جدا على يد الإمبراطور الروماني قسطنطين .وأيضا ظهور الهرطقات والبدع التي تصدى لها البطريرك أثناسيوس الرسولي . وعندما لم يعتد هذا القادم على كنائسهم أو يقلل من شأن أيمائهم مؤكدا ذلك بما جاء قي القرأن . وهكذا لم يحاول الأقباط التصدي للعربي القادم أو حتى اللجوء إلى الجبال كما فعلوا مع الرومان .
بعدما تكونت الدولة الأموية في دمشق أصبح العرب حكاما لهم فكر ديني مختلف عن فكر الخلفاء الراشدين ، فأدمجوا الدين مع السياسة . أو كما نقول حاليا سيسوا الدين .
وهنا بدأ عصر طويل ذاق فيه أقباط مصر من الإضطهادات ما فاق كثيرا ما ذاقوه من الرومان . وأخطر الإضطهادات كان تهميش أهل البلاد والإستعلاء عليهم ولا يحق لهم تولي أمور البلاد ( لا ولاية لغير المسلم على مسلم ) .ومع الأسف إستمرت ثقافة ذلك العربي التي تريد كل شيء ولا تعطي أي شيء لغير الذين ليسومنهم . وخاصة من هم غير مسلمين .
هذه الثقافة تعاني منها الأقليات في المجتمعات الإسلامية سواء كانت عربية أو غير عربية ، والمجتمع المصري أحد هذه المجتمعات التي كانت غير عربية ولكنها تعربت تعربت بحد السيف عن طريق فرض اللغة العربية فرضا على الناس .
ظهرت ثقافة أخرى في مصر. ثقافة أهل البلاد الأصليين ، ثقافة أقباط مصر .
هذه الثقافة على عكس الثقافة العربية الإسلامية .
قبل المسيحي القبطي العيش على القليل ، وإرتضى لنفسه قبول الفتات الساقط من موائد الحكام . وعاش محاولا الإبتعاد عن المشاكل بقدر المستطاع . يقبل الظلم ويشارك بالمساحة الممنوحة له في ما يهم الوطن مصر . أشياء كثيرة شملتها الثقافة القبطية المسيحية وأهمها القبول بالأمر الواقع الذي هو أن المسيحي المصري في بلده ليس مواطنا كامل الأهلية .
بعد مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر وبداية عصر النهضة في مصر على يد محمد على باشا . بدأت حالة تغيير في المجتمع المصري ولا أقول في كلا الثقافتين ، العربية الإسلامية والقبطية المسيحية . إنما حدث نوع من الوعي الإجتماعي الذي غذاه ظهور مفكرين مصريين إسلاميين آمنوا بالحريات والمساواة وما غير ذلك .
ظهرت أيضا صلابة المواطن المصري في مواجهته للأحتلال البريطاني فوقفوا جميعا في وجه المحتل وعانق الهلال الصليب معانقة حقيقية وليست مثل تبويس الذقون الموجود الأن .
على الرغم من أن المسيحي لم يحصل على حق المواطنة الكاملة ، إلا أنه إرتضى بما وصل إليه من تولي بعض شئون إدارة البلاد أملا في اليوم الذي سيحصل فيه على حقه كاملا .
إستمر هذا الحال من التقارب حتى إنقلاب العسكر عام 1952 الذي أعاد إلى المجتمع المصري الثقافة الإسلامية المتسلطة والتي تريد كل شيء وترفض إعطاء إلا الفتات وعادت الثقافة القبطية المسيحية إلى الظهور والتي إرتضت التهميش .
وهنا يمكنني أن أشير بأصبع الإتهام أن من أعادوا إلى المجتمع المصري الثقافة العربية الإسلامية ، ومن أعادوا الثقافة القبطية المسيحية على أنهم من المتربصين الذين نخاف نحن الأقباط المسيحيين والأقباط المسلمين منهم على مصر .
وأحب أن أؤكد هنا أن هناك مسلمون كثيرون جدا ينبذون الثقافة العربية الإسلامية التي لا تعمل على تماسك أبناء الوطن مصر وإعتبار مصر وطنا لكل المصريين يفعلون هذا في العلن وينادون بالمساواة .
كذلك بدأ الأقباط المسيحيون في مصر وخارجها يرفضون ثقافة الإستكانة والرضا بالتهميش وأخذوا يطالبون بحق المواطنة الكامل .
المتربصون بمصر من غير المصريين ما أكثرهم سواء من الغرب أو الصهيونية العالمية ، أو من العرب والمسلمين المتشددين .
لكن كل هذا لا وزن له ولا قيمة إذا عرف المصريون قيمة مصرهم وأنهم بالفعل وليس بالقول أبناء وطن واحد لكل منهم الحق في المواطنة الكاملة دون النظر إلى الدين أو العرق أو الجنس .
أما الحكام فهم سبب البلاء ، ونتمنى على الرئيس مبارك أن يتحرك ويترك سياسة التراخي والمماطلة والتأجيل وكفى مصر ما تعانيه . وأكبر دليل على صدق كلامنا ما حدث في الإسكندرية مؤخرا ( 14 أبريل / نيسان ) وما حدث في دهب في ( 24 أبريل / نيسان ) الجاري .
ونحن هنا نقدم العزاء لأسر ضحايا الأعتدائين والشفاء العاجل للمصابين .
نشر هذا المقال في يوم السبت الموافق 29 أبريل / نيسان عام 2006 في جريدة " المستقبل " الغراء ألتي تصدر في أستراليا .
وما أشبه اليوم بالبارحه في الخامس والعشرين من شهر يناير / كانون الثاني لهذا العام 2011.. ظننا أن ثورة الشباب التي إندلعت و أطاحت بالرئيس مبارك المتهم بالتراخي والمماطلة والتأجيل كما جاء في المقال ودللنا على صدق مانقول بالحادثتين المشار إليهما وهو أحد سلسلة حكام إنقلاب العسكر عام 1952 الذين أعادوا إلى مصر الثقافة العربية الإسلامية المتسلطة والتي تريد كل شيء وترفض إعطاء إلا الفتات .
ويا فرحة ماتمت .. نخشى أن يكون شباب 25 يناير قد تم الإلتفاف حوله بعد أن أستغل بالتظاهر بمساندته ومع الأسف يبدو أنه إنقلاب عسكري أخر قام به المجلس الأعلى للأطاحة بالرئيس السابق مبارك ليعمل على ترسيخ الثقافة العربية الإسلامية المتسلطة والتي تريد كل شيء وترفض إعطاء إلا القليل وأدلتنا كثيرة ، تتلخص في إستفتاء تم لصالح فئة واحدة ، التعجيل بالإنتخابات البرلمانية قبل إصدار الدستور وهذا أيضا لصالح نفس الفئة التي أصبحت عدة فئات تضامنت للوصول إلى نفس الهدف على الرغم من التناقضات التي بينهم ، لم يعين محافظا واحدا مسيحيا بعد الأعتراض على المسيحي الذي رفضه أهالي قنا .ناهيكم عن ماحدث في أطفيح وقنا ومازال يحدث في المنيا وغيرها من تجاوزات ضد أبناء مصر المسيحيين .
ونسأل هل مصر مقدمة على الجمهورية الثانية بعد إنتهاء الجمهورية العسكرية الأولى والتي كان أخر حكامها الرئيس السابق مبارك ؟؟!!
أم ستستمر الجمهورية الأولى في الحكم ويظهر في أخر لحظة القائد العسكري الذي ستكون له السلطة القادمة !!!
نحن في إنتظار ما ستفصح عنه الأيام ونتمنى على المجلس الأعلى أن يكون أكثر وضوحا ليطمئن قلب وفؤاد كل مصري مخلص ومحب لمصر .
0 comments:
إرسال تعليق