القدس وكيفية الخروج من الأزمة/ راسم عبيدات

..... لا شك أن الحالة المقدسية تعاني من أزمة عميقة جداً،وعمق الأزمة ليس ناجماً فقط عن شدة وضخامة حجم الهجمة التي يشنها الاحتلال على القدس والمقدسيين،بل جزء من هذه الأزمة له علاقة بتعدد المرجعيات والعناوين الرسمية المعينة،فهذه المرجعيات والعناوين يجمع كل المقدسيين أنها لم تقم بواجباتها ومسؤولياتها تجاه القدس والمقدسيين،وهذا له علاقة بحالة التناحر والتزاحم والصراع بين تلك المرجعيات والعناوين حول شرعية وأحقية وأحادية التمثيل،وكذلك هذا الأمر له علاقة بكون تلك المرجعيات لا تمتلك الميزانيات الكافية للقيام بدورها وأعبائها،وكذلك العديد منها مجرد فقاعات ويافطات شعاراتية وإعلامية ولا تقدم للمواطن المقدسي أي خدمة تذكر،أو تساعد في حل همومه ومشاكله .

وحتى اللحظة الراهن فإن كل المحاولات التي جرت شعبياً ورسمياً لتوحيد تلك المرجعيات عبر عنوان ومرجعية واحدة لم تثمر،حيث ان المؤتمر الوطني الشعبي الذي جرى انتخابه في أواخر عام 2008 ،كعنوان ومرجعية للقدس،لم يضف أي شيء جديد للمقدسيين،اللهم إلا انه كان يافطة جديدة تضاف الى اليافطات القائمة،واستمرار الحالة المقدسية على ما هي عليه يعني المزيد من الشرذمة والتفتت وبعثرة الجهود والحد من مراكمة وتحقيق الانجاز،ويبدو ان حالة الصراع على المستوى الرسمي تعكس نفسها على ارض الواقع المقدسي بتعددية العناوين والمرجعيات،وتعددها هذا يزيد من حالة الإحباط واليأس وفقدان الثقة عند المقدسيين ويدخلهم في حالة من التوهان والضياع،وحتى تستقيم الأمور،ولا نستمر في اجترار نفس الكليشهات والمفردات حول العنوان والمرجعية،وأيضا حتى لا يستمر المقدسيين في الندب والبكاء والتشكي والتذمر،فإنه آن الأوان للتفكير بصوت عالي ومسموع يتجاوز آذن السلطة والمنظمة والمقصرتان بحق القدس والمقدسيين،آن الأوان إلى آن يبادر المقدسيين بمؤسساتهم المجتمعية وقواهم السياسية الى التوحد قاعدياً عبر عنوان وجسم واحد،عنوان وجسم علني مقدسي تناط به كافه الهموم الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين،والتوحد القاعدي من شأنه ان يشكل عامل ضاغط على الجهات الرسمية،من أجل ان تجعل الشأن والهم المقدسي في سلم اولوياتها.

ان خلق جسم علني مقدسي على غرار لجنة المتابعة العربية في الداخل الفلسطيني، يأخذ على عاتقه التصدي لكافة الهموم الحياتية الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين،ومن خلال جسم يحيط به من الكفاءات الادارية والاقتصادية والسياسية والتربوية والمهنية،يسهم في وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات الواقعية،والتي يكون الجسم المقدسي قادر على تطبيقها على ارض الواقع،أو العمل على ايجاد حلول مناسبة لها في فترات زمنية معقوله،قد يشكل واحد من الحلول المعقولة لهموم المقدسيين، فهذه الهموم المقدسية تكبر وتتعاظم يوماً بعد يوم،والكثير منها يتراكم ويرحل بدون افق للحل،بل الاحتلال يصعد من هجماته على القدس والمقدسيين بشكل يومي ويستهدفهم في كل مناحي وشؤون حياتهم،والمقدسيين بما يتوفر لديهم من إرادة وإمكانيات يحاولون الصمود والثوابت والدفاع عن حقوقهم وأرضهم،ولكن واضح جداً ان الهجمة والحرب التي تشن عليهم اكبر واوسع من إمكانياتهم وطاقاتهم وقدراتهم،وهم لا يأكلون ويشربون ويصمدون بالشعارات والمؤتمرات والندوات العربية والاسلامية،هؤلاء الذين لا يقدمون للقدس الا الفتات،وهذا الفتات يقدم على شكل اغاثات عينية ووجبات للصائمين،وهذا ليس بالشكل الاسلم لدعم المقدسيين،بل شكل الدعم هذا فيه تعميم لثقافة "الشحدة" والتسول التي بنتها وأسستها وكالة الغوث.

ان الدعم الحقيقي للقدس والمقدسيين يكون من خلال حماية الأرض والمباني،والتي هي جوهر الصراع والوجود من خطر المصادرة والاستيلاء عليها،فالذين لديهم المليارات بدل من استثمارها في الدول والبلدان الأوروبية،أو دفعها لتمويل جيوش ومواقف من أجل العدوان على البلدان العربية واحتلالها وزعزعة اوضاعها الداخلية،في تلك الأموال بإمكانهم ان لا يحموا فقط القدس من الضياع،بل وكل ارض فلسطين،وما يشترونه من اراضي وعقارات في القدس،لا نريد مهم أن يمنحوه لنا كفلسطينيين منة او هبه او تبرع،بل على غرار المستثمرين اليهود والصهاينة،يقوموا بتأجيرها او تمليكها لنا بأسعار معقولة،فبهذه الأموال المستثمرة في الأرض والعقارات تحمي القدس من الضياع.

القدس تضيع يوماً بعد يوم،ونحن كل يوم عرب ومسلمين وفلسطينيين نبتدع لها لجان وهيئات ومؤسسات لا تقدم للقدس والمقدسيين،سوى البيانات والشعارات والتغني بالماضي والمجد الغابر،وهي كما يقول المأثور الشعبي"نسمع طحناً ولا نرى طحيناً" وما نريده الآن في القدس وقبل فوات الآوان،وبدون مهاترات او مزايدات،هو أن نرى الطحين،أن نرى الدعم الحقيقي للقدس،وكما قلت ليس أموالاً تمنح لنا كمقدسيين،بل ان يقوم العرب والمسلمين بواجباتهم تجاه القدس ومقدساتها،بشراء اراضي وعقارات،على غرار ما قاله الراحل فيصل الحسيني "اشتري زمناً في القدس"،أو تمويل مباشر لمشاريع حقيقية في القدس.

المأثور الشعبي يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك" ونحن المقدسيين أدرى بحالنا وأوضاعنا،وعلينا أن ندرك أنه مطلوب منا الصمود والثبات بإمكانياتنا الذاتية،وعلينا بأنفسنا أن نبني ونوحد أجسامنا وعناويننا ومرجعياتنا التمثيلية،التي تتولى الدفاع عن حقوقنا والملتفتة الى همومنا ومشاكلنا،ولا يجوز ان نستمر في الانتظار بأن يأتينا الفرج من الخارج،فنحن الأساس في المعركة والصمود،وعلى ذلك علينا أن نبني خططنا وبرامجنا واستراتيجياتنا.

وبدون ذلك فإننا سنستمر في الدوران في نفس الحلقة المفرغة،وفي حالة التيه والضياع والتوهان،فعلينا أن نمتلك المبادرة والجرأة،علينا ان نستغل الزمن والوقت،فالمرحلة جداً خطيرة،والهجمة شرسة وشاملة،وهي تطال كل شيء البشر والشجر والحجر.

وان تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً،فأي جهد وعمل جماعي وموحد من شأنه أن يحقق نتائج عملية،ومهما كان حجم الانجاز صغيراً،فإنه سيراكم إنجازات اكبر في المستقبل.

وهذه دعوة مفتوحة أوجهها لكل أبناء شعبنا في القدس قوى وأحزاب ومؤسسات ولجان وشخصيات اعتبارية ومجتمعية،بأنه بدون جسم موحد يعبر عن هموم ونبض الشارع المقدسي،جسم ينال ثقة المقدسيين،فإن الأمور ستندفع نحو تعميق الأزمة واستفحالها مقدسياً،وسنصبح امام وقائع جديدة في القدس يفرضها علينا الاحتلال بإجراءات وممارساته اليومية.


CONVERSATION

0 comments: