بشار الأسد وملاك الموت/ نبيل عودة

يحكى أن ملاك الموت، أُرسل بمهمة ربانية عليا، مدعومة من الدول الكبرى، لإقناع بشار الأسد بأن يرافقه ، قبل أن تحصده نعال الشباب في شوارع سوريا. وذلك لصيانة ما تبقى له، اذا تبقت، من كرامة ، او قيمة بشرية. خاصة وان زعماء الدول الكبرى لا يحبذون رؤية زعيم دولة، تدوسه النعال، وذلك حفظا لما تبقى من قيمة رئاسة الدول في نظر سكان كوكبنا.
كان بشار منعزلا في غرفة العمليات يخطط كيف يصدر باسم أهالي حلب بيانا لجيشه وشبيحته بأن يقصفوا المدينة للقضاء على الخونة ، صحيح ان احدا لم يعد يعرف شكلا لأولئك الخونة، فهم باتوا اسما في اعلام البعث السوري بلا مسمى. رغم ان بشار يجند مواهب تمثيلية للعب دور الخونة وعملاء الاستعمار والصهيونية، لدرجة ان الشباب العاطل عن العمل رأوا بالأمر مصدر رزق واعالة للأفواه الجائعة في البيت، لولا ان الكرامة الشخصية أهم من كل نظامه، والبعض قال عشنا وشفنا "عملاء الاستعمار والصهيونية" انتاج عربي كامل الدسم، ويقبضون من دولة الحرية والوحدة والاشتراكية ،مقابل الظهور في التلفزيون السوري، مع ماكياح مختلف كل مرة ، حتى لا ينفضح العميل الموظف بصفة صهيوني او استعماري ، ليظهر مرة أخرى وألأهم يقبض مرة وراء الأخرى، مرة بشعر أسود مرة مصبوغا بالأشقر ومرة بالبني ومرة بالأبيض ومرة نصف ابيض نصف اسود ، فالشيب في الرأس دليل الحكمة.. ودليل المكانة في سلسلة المواطنين.
وصل ملاك الموت في ليلة ظلماء ، مزودا بصلاحيات واسعة ، بضرورة ان ينزل بشار، مرة والى الأبد ،عن البغل الرئاسي،الذي نفق قبل ان يعتليه، وصار هيكلا عظميا، وذلك كي يرافقه إلى العالم الآخر. ويخلص شعب سوريا من هم كبير، ومن عقلية تفهم النظام كتنظيم بلطجي. كان الرئيس بشار ، رغم ما الحقته به الثورة الشعبية من تشويه لصورته الضاحكة، حنى انه ظهر في صوره التلفزيونية، منافسا للبقرة الضاحكة في دعاية "اللافاش كيري- ها ها ها ".
كان ساهرا يخطط للرد على الجاحدين بحكمه، من قطاع الطرق الغوغائيين ، عملاء الاستعمار والصهيونية، وفي لحظة تمنى لو ترسل اسرائيل جحفلا يطلق النار على جنوده اثناء مواجهتهم للغوغاء، في شوارع المدن السورية. ليثبت القول بالفعل، وتزيل عنه هم تصفية عشرات الاف الجنود ليقول بوضوح انها ايادي تل ابيب ، وبذلك تصبح رواياته أقرب للتصديق ولكن اليهود خبثاء تركوه يلقى تهمه شمالا ويمينا ، واكتفوا بالتفرج عليه وهو يرفس ذات اليمين وذات اليسار بأوهام التدخل الصهيوني والاستعماري.
وضع بشار قائمة طويلة تشمل كل المدن السورية، بعضها يحتاج الى خمسين دبابة، ومائتي شبيح، وبعضها الى ستين دبابة ومدرعة، ومائة شبيح وبعضها الى كتيبة دبابات كاملة مع صواريخ مضادة للصدور البشرية التي لا يرهبها رصاص البنادق ولا قذائف الدبابات، فلا بد من قصفها بالكاتيوشا وصواريخ سكاد متوسطة المدى. كان على ثقة أن كل من يتقرب منه ، هو شريك بمؤامرة على قتله، لذلك جعل الحراسة مزدوجة ومثلثة وأضاف لها قوى اخرى سرية مجهولة لا تقبض الا باليورو والدولار ، وخاصة حول غرفة العمليات، التي لم يغادرها منذ تسلل المستعمرون والصهاينة للوطن، وقد استلهم دون كيخوت، بطل سيرفانتيس، في صراعه مع المتآمرين.
وضع الرئيس بشار خطة للقيام بعملية تصفية المعارضين في ليلة واحدة. وبعدها يعلن انسحاب جنوده من المدن السورية ووقف عمليات القتل والشبح في الشوارع ، ويسود الهدوء في المقابر لمائة عام أخرى ، وكان رجاله ساهرون في قاعة كبرى بانتظار قراره وأسلوب تنفيذ عمليات التصفية للعملاء والمتآمرين الذين شاركوا في المظاهرات التي تخدم عملاء الاستعمار والصهيونية، وتقلل من شأن سوريا العربية القومية البعثية المناضلة ضد الاستعمار والصهيونية.، التي ترعب اسرائيل في الجولان، وتجعلها تصرف المليارات لضمان أمن المستعمرات في الجولان المحتل، هذا رغم ان العملاء يقولون ان الجولان هو الأكثر أمانا للشعب الإسرائيلي. حتى أكثر أمانا من شوارع القدس وتل أبيب وإيلات.
كان القرع على الباب يشتد وبشار غارق بوضع خطط الرد على أعداء الوطن ،وكان يشعر ان شيئا ما يقلق نقاوة تفكيره ،أخذ لنفسه برهة من الراحة ، قبل أن يعود ليضع الخطوط التفصيلية لحربه ضد العملاء الخونة، انتبه فجأة أن الطرق على الباب يزداد قوة ، وهو الذي يقلق نقاوة تفكيره. اعتراه غضب عظيم!!
ترى من يتجرأ على إقلاقه في خلوته؟
حتى زوجته لا تتجرأ على قرع الباب إذا ما كان في خلوة لتخطيط عملية ما أو مشروع تهريب مخدرات، او تحويل اموال النفط الى حسابه الشخصي،او توزيع أموال الدولة على المخلصين، لتحقيق تقدم في مستوى حياتهم ينعكس إيجابا على المعدل العام لمستوى حياة الشعب، في التقارير العامة عن تطور سوريا. ولن يجرؤ الخنافس في حكومته بالسؤال او التلميح ، وهم نوع هجين من البشر لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يحس، مع ان حواسهم لا اضرار فيها.. ولو تعرف عليهم دارون في وقته لظن ان أصل الانسان وزير بعثي.
ولكن القرع على الباب يسرقه من مخططاته لمواجهات الغد. من هذا الوقح الذي يقرع عليه الباب في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ سأل نفسه، ثم هدأ غضبه، وقال لنفسه: لعله أمر طارئ يريد احد رجالي ان يبلغني به. . قال بصوت مرتفع: أدخل.
ولكن لم يدخل أحد. هل كان يتوهم أن أحدا ما يقرع عليه باب غرفته؟
أنصت للحظة.
عاد القرع على الباب بقوة . الآن صار واضحا لبشار أن أحدهم يقرع عليه الباب، وانه لم يسمع الإذن بالدخول. وان القرع على الباب كان السبب وراء إخراجه من تركيزه في التخطيط . جر نفسه غاضبا نحو الباب ليرى من هذا المزعج الذي يقلق راحته، متجاوزاً الحراس وأوامره الواضحة بعدم إقلاق راحته.. فتح الباب ونظر لملاك الموت:
- من أنت.. وكيف نجحت بالوصول إلى غرفتي..!
- أنا ملاك الموت، ولا أحتاج إلى إذن من أحد للوصول إلى الناس.
- وهل تعتبرني واحداً من الناس؟
- أجل.. وفي ساعة الموت لا فرق بين غني وفقير بين زعيم عصابة ومشرد. بين قاتل ومقتول ، بين شبيح ومواطن بريء.
- ولكني بشار الأسد، وأهل الغابات تهابني . ولم أقرر بعد أن ساعة موتي قد جاءت...
- حسب سجلك، وتوصية زعماء دول العالم، حان وقت انتقالك من هذا العالم واراحته من اوساخك..
- بشار يرفض الموت أيها الوقح ،انقل هذه الرسالة للمسئولين عنك ،وقل لهم أن مشاغل الرئيس السوري الآن كثيرة، والشعب يصر على بقائه، ولا يحتمل الشعب السوري انتقاله بهذه البساطة إلى العالم الآخر..
- ولكن القرار نافذ يا بشار، عليك مرافقتي، وتخليص سوريا وشعبها من خططك.
- إذن أنت مصر على كلامك؟!
- لا مفر من ذلك.
- إذا هبني خمس دقائق لأودع أبناء عائلتي..
- حسناً سأنتظرك ، لا تؤخرني ، أشغالي الليلة كثيرة..
ومما هي إلا أقل من دقيقتين، وإذا بعشرة رجال أشداء، من أفضل الشبيحة المتمرسين بالاعتداء على المتظاهرين، يهاجمون بلا مقدمات ملاك الموت وينزلون ضرباً مبرحا به، فيهرب متألماً، صارخاً من الوجع، وحين دخل باب السماء لاحظ الرب أن ملاك الموت يعرج بشدة ووجهه مليء بالكدمات الزرقاء والحمراء:
- ماذا حدث لك؟؟
- كنت عند بشار ابن الغابة يا إلهي كما أمرتني، فهاجمني شبيحته بالضرب.. ولم أستطع مقاومتهم لكثرتهم وشدة بأسهم، فهربت بهذه الحال.. تاركا بشار في مكانه.
- يا للهول، يا للهول
وبعد برهة تفكير قال الرب:
- يبدو ان النعال ستنفذ مشيئة شعب سوريا بدون تدخلنا، وسيندم لأنه لم يستجب لمرافقتك وهو موفور الكرامة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
nabiloudeh@gmail.com


CONVERSATION

0 comments: