قيل قديماً: إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.. هذا المثل ينطبق على السيد نبيل العربي الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية الذي خرج علينا يوم أمس 8 آب الحالي بتوصيف للأزمة السورية تنم عن جهل بالواقع السوري وقراءة قاصرة عما يجري على الساحة السورية من أحداث دموية منذ خمسة أشهر (شعب يتظاهر سلمياً مطالباً بالحرية والكرامة والديمقراطية والدولة المدنية ونظام يحاصر المدن ويدمر ويعتقل ويقمع بوحشية بهيمية ما سبقه إليها أحد).
نبيل العربي خرج علينا ليصف الحالة السورية وما هي عليه بقوله: (الوضع السوري معقد ويدعو إلى التشاؤم).
وأوضح العربي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبى لجنوب المتوسط برناردينو ليون إن "المواثيق العربية والالتزامات النابعة منها والتي تتعلق باحترام حقوق الإنسان تنطبق على جميع الدول العربية التي وقعت والتزمت بهذه المواثيق". غير أن الجامعة العربية "ليس من مهامها التدخل لمنع استخدام العنف ضد المدنيين". وأضاف "لا تتوقعوا إجراءات حاسمة من الجامعة، وإنما توقعوا تحركا خطوة خطوة يعتمد على الإقناع". وحول الأحداث الدامية الأخيرة في سورية، قال العربي: إن "ما يجري في سورية يقلق الجامعة العربية ويقلق الدول كلها لأن سوريا دولة قديمة ودولة توجد بها مؤسسات ولها دور ومركز في المنطقة ونرجو أن تتمكن من التغلب على الأزمة الراهنة بوسائل سلمية وبدء حوار جدي لإجراء المصالحة المطلوبة مع أفراد الشعب".
السوريون لم يراهنوا على الجامعة العربية يوماً لنصرتهم إنما كان رهانهم على الشعوب العربية وبعض القادة الوطنيين العرب الذين يستشعرون بوجع السوريين وآلامهم وما يتعرضون له من قمع وحشي على يد نظامهم السادي الحاكم، وكانوا ينتظرون من أمين عام الجامعة العربية الجديد الذي احتل هذا المنصب بدعم من ثوار ميدان التحرير أن يكون أكثر صراحة ووضوح مع النظام السوري، وأكثر معرفة بالواقع السوري وحقيقة النظام الحاكم الذي أمسك بعنق السلطة بطريق غير شرعي منذ البداية عبر انقلاب عسكري، وأخيراً عبر توريث في دولة ذات نظام جمهوري، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم.
أما عن قوله أن سورية توجد بها مؤسسات ولها دور ومركز في المنطقة فهذا كلام ينم عن جهل بواقع الحال التي عليها سورية في ظل حكم حزب البعث الشمولي وإمساك آل الأسد بالسلطة والثروة، وأن كل ما في الدولة السورية من مؤسسات تُختزل بالمؤسسة الأمنية التي تبسط هيمنتها على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى سلطة الحزب المتمثلة بالقيادة القطرية التي تُعين من قبل المؤسسة الأمنية كما هي الحال بالنسبة إلى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكل هذه السلطات محمية بجيش أسس على أن تكون مهمته الدفاع عن النظام وليس الدفاع عن الوطن، وهذا تؤكده كل الوقائع على الأرض حيث يقوم الجيش الذي أدار ظهره للعدو الصهيوني بكامل عتاده وأسلحته، ليقوم بتنفيذ المهام القذرة التي يرسمها جهاز الأمن له، من محاصرة المدن واجتياحها وقصفها وقتل المواطنين وترويع الأطفال والنساء والشيوخ.
أما عن دور سورية الإقليمي الذي تحدث عنه السيد نبيل العربي بغموض وجهل أو تجاهل كان دوماً دوراً قذراً يقوم على الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار والتحالف مع كل أعداء الأمة بدءاً من التحالف مع إيران على العراق والتحالف مع الولايات المتحدة على ضرب العراق، ثم تقديم كل التسهيلات اللوجستية والمخابراتية للقوات الأمريكية التي غزت العراق، وتدريب وتسليح مقاتلي حزب العمال الكردستاني وتسهيل دخولهم الأراضي التركية لقتل الأتراك وإشاعة البلبلة والفوضى داخلها، إضافة إلى عمليات تهريب السلاح ومختلف البضائع لضرب الاقتصاد التركي.
حتى القضية الفلسطينية لم تسلم من قذارة هذا النظام وقد تاجر بها لسنين طويلة، وهو من أجبر ياسر عرفات وفصائل المقاومة الفلسطينية على الخروج من لبنان بعد أن عجزت إسرائيل عن فعل ذلك عبر حربين مدمرتين شنتهما على لبنان، والقضاء على المقاومة اللبنانية الوطنية الشريفة والانحياز إلى طائفة ذات لون واحد، وتسليحها وتدريبها لتكون يده التي تبطش في لبنان من دون كل الطوائف الأخرى التي يتشكل النسيج الوطني اللبناني منها، والوقوف وراء اغتيال وقتل العديد من رجالات لبنان الوطنيين الذين رفضوا أن يكونوا أزلاماً أو خدماً له.
أما عن دعوة العربي إلى الحوار الجدي الذي يجب أن يقوم بين المعارضة والنظام والمصالحة مع الشعب فهذا كلام أصبح من الماضي، فكيف تقوم مصالحة أو حوار بين جلاد أسال الدماء حتى الركب وضحية دفعت الثمن باهظاً في طلب الحرية والكرامة؟!
فإن كان نبيل العربي جاداً في إنهاء الأزمة السورية فعليه الطلب إلى النظام بشكل واضح وصريح، بأن يقوم بتسليم السلطة بشكل سلمي وعاجل إلى مجلس مؤقت يختاره الشعب السوري دون أي ضغوط خارجية أو داخلية، ويرحل قبل أن يعجز عن إيجاد طريق للفرار من قفص العدالة الذي ينتظره إن عاجلاً أو آجلاً.
0 comments:
إرسال تعليق