يتساءل الكثيرون عن موقف تركيا وحكومة أردوغان عما يجري في سورية وقد تغيرت اللهجة بين ما كنا نسمع من مسؤوليها في بداية الأحداث من وتيرة تصاعدية في تصريحاتهم، وانخفاض سقف هذه التصريحات مع اشتداد الأزمة وتصاعد وتيرة القمع الدموي الذي تواجه به السلطة الباغية في دمشق المتظاهرين السلميين في كافة المدن والبلدات والقرى السورية بعد اتساع رقة الاحتجاجات التي غدت تغطي الخريطة السورية من أقصاها إلى أقصاها.
قبل أكثر من شهر تمكن أهل حماة من انتزاع الحرية من السلطة الباغية واعتبروا أن مدينتهم باتت محررة من قبضة الأجهزة الأمنية بعد جمعة دامية سقط من أهلها ما يزيد على خمسين شهيداً، لنشهد في حماة على امتداد أربعة جمع متتالية مظاهرات مليونية تملأ ساحات المدينة في غياب المندسين والعصابات المسلحة، ونسمع من بلبلها إبراهيم قاشوش أهازيج الحرية في لون بديع أخاذ، راح الشعب السوري في كل مظاهراته يرددها، حتى بعد تمكن الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض عليه وانتزاع حنجرته في واحدة من أبشع عمليات القتل الشنيعة التي ترتكبها هذه الأجهزة، بعد حادثة تعذيبها للفتى حمزة الخطيب حتى الموت كما شاهدنا ذلك على شاشات القنوات الفضائية العربية والأجنبية.
وعندما بدأت السلطة في دمشق تحاصر حماة بدباباتها ومجنزراتها وتهيئ لاقتحامها سمعنا تحذيراً قوياً من رئيس الوزراء التركي أردوغان للسلطة الباغية في دمشق: "أن حماة خط أحمر وأن تركيا لن تسمح بتكرار المجزرة التي نصبها حافظ الأسد للمدينة عام 1982 وقتل فيها ما يزيد على ثلاثين ألفاً من أهلها"، وتشجع السوريون وأهل حماة خاصة لهذه التصريحات ظناً منهم أن أردوغان سيكون إلى جانبهم إذا ما فكر النظام الباغي في اقتحام مدينة حماة وارتكاب مجزرة فيها، وفوجئ الجميع سوريين وغير سوريين بارتكاب النظام الباغي حماقة غير آبه بما سمعه من تحذير أردوغان، فاقتحم المدينة الآمنة الوديعة فجر يوم الأحد 31 تموز المنصرم، والناس يستعدون لاستقبال شهر رمضان، من جهاتها الأربعة وارتكب مجزرة بشعة أجهز فيها على أرواح ما يزيد على 120 مواطن أعزل وجرح أكثر من 1000 آخرين وقصف المساجد والأحياء بدانات مدفعية هذه الدبابات، وتسور شبيحته المنازل وروعوا السكان وأخافوا الشيوخ والأطفال والنساء، وكل ما تمخض عنه رد الفعل التركي على هذه المجزرة تصريح هزيل نشرته وكالة الأناضول التركية للأنباء أنه "فيما تتوقع تركيا من سورية العمل لإحلال جو سلمي خلال شهر رمضان المبارك، فإنها، وكل العالم الإسلامي، تشعر بالحزن الشديد وخيبة الأمل جراء التطورات الحالية عشية شهر رمضان".
لقد خيبت تركيا ظن السوريين عندما اعتقدوا أن حكومة أردوغان ستكون إلى جانبهم بكل ما تملك من أوراق ضغط قوية يمكن لها أن تلوح بها في وجه النظام الباغي في دمشق وهي كثيرة، كونها تملك شريطاً حدودياً مع سورية يزيد على 800 كم، ولها مع هذا النظام اتفاقيات اقتصادية وأمنية كثيرة، وأن تركيا بوابة سورية إلى الغرب، وتركيا عضو مهم في الحلف الأطلسي، وبإشارة منها كنا سنرى الحكومات الغربية تنفض يدها من هذا النظام وتتحلل من علاقاتها الدبلوماسية وتجمد الاتفاقيات الاقتصادية المعقودة بينها وبينه، وكنا سنرى كيف سيغلق السفراء أبواب سفاراتهم في دمشق وطرد سفراء النظام من عواصم هذه الدول، والتي كانت ستشجع العديد من دول العالم إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذا النظام الباغي وتجميد علاقاته الاقتصادية والتجارية معه، ولكننا وللأسف الشديد لم نر أو نسمع باتخاذ تركيا موقفاً شجاعاً يردع النظام ويوقفه عند حده، ويوقف شلال الدم الذي ينزف جراء قمع النظام الباغي في دمشق للمتظاهرين السلميين الذين يطلبون الحرية منذ أكثر من أربعة أشهر، وقد أتت آلة قمعه ووسائله البشعة على قتل ما يزيد على 2000 مواطن بينهم أكثر من مئة طفل وعشرات النسوة ومئات المقعدين والشيوخ، وفقدان ما يزيد على 3000 آخرين لا يعرف مصيرهم ولم يسمع أهاليهم عنهم منذ اعتقالهم، وزج ما يزيد على 15000 ألف مواطن في السجون والمعتقلات بغير وجه حق أو مذكرة توقيف قضائية، وتهجير ما يزيد على 20000 ألف جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء إلى الدول المجاورة.
أخيراً علينا توضيح الأمور ووضع النقاط فوق الحروف، وقد كشفت حقائق وبانت وقائع لا تحتاج إلى مزيد من الجهد لتلمسها والوقوف عليها، فكل ما أعلنته تركيا وما صرح به قادتها لم تكن سوى كذبة كبرى تضاف إلى كل ما سمعناه من كذب من ساسة الغرب وأمريكا، وأن تصريحاتهم السابقة واللاحقة ما هي إلا بالونات وفقاعات هوائية لإرضاء شعوبهم ومنظماتهم الإنسانية والمدنية، وخدمة لمصالحهم الانتخابية والحزبية، لا تلبث أن تنفجر في الفضاء بلا أثر أو فعل على الأرض.
الشعب السوري الذي اتخذ قراره في إسقاط هذا النظام لم ولن يعول على غير أبنائه في انتزاع الحرية والفوز بالكرامة والوصول إلى الدولة المدنية، القائمة على العدالة والديمقراطية وهوية المواطنة، مهما طال الزمن وغلت التضحيات، لأنه يؤمن إيماناً راسخاً بأن للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدق!!
0 comments:
إرسال تعليق