الموقف الأمريكي والأوروبي من قضية الحصار ومتغيرات التعامل/ صبري حجير

جهات دولية عديدة أعلنت عن مواقفها إزاء قضية الحصار على قطاع غزّة ، لكن السؤال مَن الذي سوف يقرر رفع الحصار ؟ الرئيس الأمريكي أوباما قال في أعقاب الإعتداء على اسطول الحرية " ينبغي إيجاد مقاربة جديدة للحصار " والإتحاد الأوروبي طالب في بيانه الرسمي رفع الحصار عن قطاع غزة ، والأمم المتحدة قالت " أن الحصار الذي طال أمده لابدّ أن ينكسر " !

الدولة الصهيونية تريد أن تُبقي الحصار لكن مع تعديلات طفيفة ، آخذة في اعتبارها المواقف الدولية من هذا الموضوع .

الحصار المضروب على قطاع غزّةَ بات في صلب القضية الفلسطينية ، والموقف منه يندرج من ضمن الموقف العام للقضية الفلسطينية ، لأن الحصار ليس هو القضية بل هو جزء من القضية الكبرى .

الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية بات مكشوفاً استناداً لما جاء من تصريحات لوزير الخارجية الصهيوني " أفيغدور ليبرمان " يوم الثلاثاء 29 – 6 – 2010 التي أكد فيها إستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة في العامين القادمين ! وعليه فإنّ معرفتنا لحقيقة المواقف التي تعبّر عنها الأطراف المنادية بإزالة الحصار ، أو كسره ، أو تغيير قواعده ، قد يوصلنا الى نتائج في هذا الموضوع الساخن ، ومن المهم أولاً معرفة حقيقة الموقف الأمريكي ، ثمّ الموقف الأوروبي من موضوع الدولة الفلسطينية المستقلة ، ومن موضوع فكّ الحصار عن قطاع غزّةَ .

فيما لو أردنا أن نقيّم المواقف االدولية ، بشأن القضية الفلسطينية ، فينبغي أن نعيدها الى متغيراتها الأصلية ، ممّا يُوجب علينا أيضاً أن نقيّم تطور الإتجاهات الدولية التي تؤثر في تلك المتغيرات ، سلباً أو إيجاباً ، وأن نحدد الدول التي تتغير مواقفها وفقاً لما تنطوي عليه مصالحها الحيوية ، والتي تنسجم مع ذاتها في العديد من المتغيرات والمستجدات . في مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة العربية أولاً ، ومعرفة حقيقة العلاقة التبادلية بينها وبين الدولة الصهيونية .



تتميزالسياسة الأمريكية في المنطقة العربية بأهدافٍ ثابتة وواضحة ، وباتت معروفة للجميع . الأهداف الأمريكية بالنسبة للقضية الفلسطينية تتحدد تبعاً للعديد من الثوابت السياسية ، وتخضع الى عملية الصياغة والترتيب وفقاً للخصائص المكونة للادارة الأمريكية ، أي الى مدى قوة أو ضعف الإدارة الأمريكية ، وميزات هذه الإدارة من تلك ، ومن حيثُ التوافق مع سياستها التطبيقية في المديين ، القريب والبعيد . وأخيراً معرفة مدى المؤثرات التي تصيب السياسة الأمريكية من جرّاء التعامل مع القضية الفلسطينية ، وخاصة من جهة أوروبا ، والقوى الدولية الناهضة .

منذُ أن حطت إرادتها على أرض المنطقة العربية ، وضعت السياسة الأمريكية أهدافاً ثابتة لها ، كان أول تلك الأهداف المحافظة على النفط العربي والتحكم فيه ، وثاني تلك الأهداف الثابتة المحافظة على أمن (اسرائيل ) ودعم وتطوير قدراتها العسكرية والتقنية والإقتصادية ممّا يسهل لها السيطرة والتحكم في المنطقة العربية . وثالث الأهداف الأمريكية هو توجيه الإندفاعات والقدرات العربية الى صراعات داخلية ومحلية ، وإلهاء المجتمعات العربية بمشاكل داخلية ، لا تُعد ولا تُحصى ، وهي من أجل ذلك تساند الأقليات وتشارك في تحطيم التكامل القومي ، وتشجع القيادات العربية على لتعامل فيما بينها بالصورة التي نراها هذه الأيام ، صورة المحاور والعلاقات المجزأة !

أمّا الإتجاه الدولي الآخر المعني بالقضية الفلسطينية ، هو الإتحاد الأوروبي التي كانت سياسته تأتي دائماً متوافقةً مع مجريات السياسة الأمريكية ، لكن الأوروبين باتوا يدركوا مقدار الأحداث والتفاعلات والتطورات في المنطقة العربية التي تصيبهم مباشرةً ، وتتحكم في مصالحهم العامة ، والتي تجعلهم مضطرين للتعامل معها ، فضلاً عن نزوعهم للإستقلال عن فلك السياسة الأمريكية في كثير من القضايا الدولية ، في هذا السياق جاء طلب وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي من إسرائيل ، في بيانهم الأخير ، بتغيير سياسة الحصار المفروض على قطاع غزة ، وكذلك مناداتهم بتحقيق دولى بهذا الشأن وفتح فوري ومتواصل للحدود مع غزّةَ ، وبدون شروط ، حتى يسمح بتدفق المساعدات الإنسانية والبضائع والأفراد من وإلى غزة .
ويدرك المتابعون بأن أوروبا حريصة على علاقة اتصال مع الأطراف الفلسطينية الفاعلة ، بما فيها حركة حماس الفلسطينية ، التي باتت لاعباً مهماً في تقرير الشأن الفلسطيني .

ويعرف الأوروبيون أن كل خطوة يخطونها باتجاه القضية الفلسطينية ، واتجاه المنطقة العربية ، في كافة المجالات ، ستكون بالضرورة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها الإستراتيجية !



في العودة للسياسة الأمريكية فإننا نراها تتميز بخصائص محددة لا بدّ أن تفرض طبيعتها وثقلها على القضية الفلسطينية ، فهي تنطلق من خلفية الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي ، وتحليل العلاقة الحقيقية بين مفهوم الأمن القومي الأمريكي بوجود اسرائيل مرتبط بالعلاقة الداخلية بين مؤسسات الإدارة الأمريكية ذاتها ، فالسياسة الإستراتيجية الأمريكية تخضع في تصور ومدركات الإدارة الأمريكية لحقيقة التفاعلات الداخلية ، حيثُ القوة اليهودية ذات وزن ، وحيثُ قوة اللوبي الصهيوني الذي يمتلك فاعالية داخل الإدارة الأمريكية ، فالمحافظة على الأمن الإسرائيلي لا يُفهم في التقاليد الأمريكية على أنه مشكلة خارجية ، بل هو أحد أهم العناصر السياسة القومية للادارة الأمريكية ، وتتفق جميع الإتجاهات الحزبية على أن ترى في هذا الأمن مشكلة أخلاقية لا ترتبط فقط بالهيبة الأمريكية ، بما يُعبر عنه بالقيم السياسية الأمريكية .

في الشأن الفلسطيني ؛ يلتقي الهدفان الأمريكي والإسرائيلي على تحويل الصراعات الوطنية الفلسطينية الى صراعات محلية وفصائلية ! فإذا كان الصراع الوطني الفلسطيني يمثل اقصى مراحل التكتل والوحدة الوطنية ، فإن تحويله الى صراعات فصائلية ، مدفوعة الأجر أحيانا ( دايتون ) الى إضعاف القدرة الفلسطينية بما في ذلك إضعاف قدرة الطرف الفلسطيني المقتنع بالتفاوض أيضاً ، فجميع المشاكل والإنقسامات الفلسطينية الداخلية هي مشاكل مصطنعة ، ترتب عليها نشوء فئة فلسطينية تستمد قوتها من قوة علاقاتها مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي ، وهذه الفئة تعيش وتنمو في بيئة الإنقسام والصراعات الجانبية !

أمّا في الشأن العربي ، كما يظهر ، فإن الصراعات الجهوية والطائفية والمذهبية والمناطقية تغذيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، فجميع المشاكل العربية مشاكل مصطنعة فرضتها إرادات اجنبية مثل الصراعات الطائفية في العراق ، والصراع حول دارفور في السودان !

كما تتفق التوجهات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية على منع أي تطورعربي جدي يسعى نحو تحقيق الوحدة أو التضامن العربي بشكل عام ، أو أي توجه عربي يسعى نحو التقدم في مسارات التقوية الذاتية للمجتمع العربي .

على ضوء ما تقدم من تقيمٍ ، فإنّ الموقف الأمريكي من موضوع الحصار ليس مقنعاً للشعب الفلسطيني ،لأنه يسعى الى تغيير شكلي لا يمسُ جوهر الحصار على قطاع غزّةَ ، بل لا يمتُّ بصلةٍ الى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى ، وسوف يمضي الموقف الأمريكي متساوقاً مع الرؤية الصهيونية اتجاه الدولة الفلسطينية التي عبر عنها بوضوح ليبرمان أخيراً ، بغض النظر عن الزيارات المتكررة لجورج ميتشل الى المنطقة التي باتت تمثل ديكوراً ديبلوماسياً للإدارة الأمريكية .

كاتب فلسطيني مقيم في السويد



CONVERSATION

0 comments: