تعليقا علي مقالة الاستاذ عادل حمودة عن الآب اغاثون/ لطيف شاكر


تعرفت عن قرب بالاب الراهب اغاثون واقتربت من شخصيته, وكان اول لقاء لناعن طريق احدي الخادمات في الكنيسة , حيث طلبت مني فقط زيارة كنيسة ابي سيفين في مصر القديمة للتعرف علي شخصية الاب اغاثون ,وفعلا قمت بعد عدة ايام بزيارة الكنيسة والتعرف علي الاب اغاثون, وبدون سابق معرفة اخذني الرجل بالاحضان وكأنه يعرفني منذ زمن طويل ..وفي الجقيقة فرحت جدا بشخصيته وباستقباله الطيب ,وتكلمنا كثيرا في مواضيع عدة, وكان الوقت يمر بسرعة وانا لاامل من حديثه الشجن ..وجدت فيه شخصية مستنيرة ومثقفة يجيد ناصية الكلام بتواضع جم متخذا من تعاليم السيد المسيح طريقا لمعاملته مع الناس "تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم "

وكان دائما السؤال عن حياتي مع الله وعلاقتي مع العاملين في مكتبي والعملاء وكان يحثني دائما الامانة والربح القليل والعمل علي يد المساعدة للعاملين معي .. وعندما علم مشغولياتي بالعمل واهتمامي به علي حساب راحتي اشارلي بقول السيد المسيح "ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" ...وفي الحقيقة كانت كلماته بمثابة كأس ماء مثلج في يوم صيف شديد الحرارة فترتوي نفسي المتعبة بكلامه الحلو وبطريقة القاءه الكلمة .وكان كثيرا مااسمع صوته من خلال التليفون يسأل عن اولادي المقيمين بالخارج ويحثني بشدة الاهتمام بهم ولو علي حساب العمل لانهم الوزنة التي احاسب عليها امام الله اما ماتبقي فهو فان ولاقيمة له .

وكلما يزداد تعبي في العمل نتيجة التنافس الشديد بين المزاحمين بطرق غير شريفة, كان يهدأ من روعي ويزودني بكلمات تعزية ومشجعة فتستريح نفسي, لدرجة وجدت نفسي اسيرا لمحبته واشكو له ضيقاتي رغم انني اكبره في العمر لكن كان كبيرا في المحبة والحكمة.

تعرفت علي عائلته من خلاله.. وجميعا يعيشون في رغد من العيش كان يمكن ان يعيشها ويتمتع بخيرات والده الذي ترك لهم ارثا كبيرا ..ولم يسأل اخوته عن الميراث وهم لايقلوا عنه في المحبة والاخلاق.. اتوا له بمبلغ كبير وسيارة والده المرسيدس .كيف يفعل بالثروة وهو قد ترك العالم كله ولم يكترث بمعلقاته الفانية وثروة هائلة لكنه بسرعة استخدم المال في مايرضي الله ,بدلا ان يستخدمه المال... فقام بمشروع تجديد الكنيسة الاثرية وتوزيع المال علي فقراء المنطقة مسيحيين ومسلمين وكانت له صداقة حميمة بشيوخ جامع عمروبن العاص ومشايخ المنطقة ... كان يوزع امواله بسخاء منقطع النظير لايرد احد خائبا او معوزا وكان يغدق بعطاياه علي كل انسان يأتي اليه ويساعد حتي زملائه الكهنة دون تردد..

بعد اصلاحه للكنيسة الاثرية دعي دكتور ثروت عكاشة لزيارة الكنيسة وكان لي حظا وشرفا ان اتلاقي مع هذه الشخصية العظيمة.. وبالرغم من خطواته البطيئة نتيجة شيخوخته الا انه كان متقد الذهن واصر سيادته علي زيارة كل مكان وموقع بالكنيسة وهي كنيسة كبيرة جدا وتتكون من دورين ,وكان علي وجهه علامات الاعجاب والدهشة وسأل الاب اغاثون كيف قام بهذه التكلفة ذاتيا بدون تدخل الدولة واقترح ان تكون الكنيسة متحفا للفن القبطي بما تحمله الكنيسة من ايقونات اثرية وطريقة البناء القبطي الاصيل .. ووعد انه سيقوم بالاتصال بالسيد الوزير فاروق حسني لتكون الكنيسة تحت رعايته شخصيا , وفعلا خصص السيد الوزير بعد زيارته للكنيسة مبلغا كبيرا من المال لتغطية تكلفة باقي المشروعات بالكنيسة ..وللاسف كانت هذه الزيارة المرتقبة والاموال التي خصصها السيد الوزير نكبة وحسرة للاب الفاضل اغاثون وبالتالي علي كثير من الفقراء حيث اخترق الشيطان الصفوف وكان مشتكيا عليه في ذمته المالية بالرغم انها امواله الشخصية وعدم طاعته للرئاسة لانه لم يذعن للباطل ولم يسمح لنفسه ان يكون ضعيفا في الحق ..واكالوا عليه الظلم دون رحمة وحرموه حتي من قلايته بالدير وعلقوه بين السماء والارض ..

انتقل القمص ابراهيم عبد السيد وصدت كل ابواب الكنائس ضد الصلاة الجنائزيةعلي جثمانه الطاهر وحتي يحرم من من دخول السماء ,علما بأن الصلاة لاتفيد الميت, انما وضعتها الكنيسة من اجل تعزية اهل المتوقي ... وكأن العقاب والحرم انصرف الي الاسرة بالكامل... وهذا لايتوافق مع احقر القوانين الارضية ويعارض تماما تعاليم الكتاب المقدس ...وفي هذا الموقف يتقدم ابونا اغاثون بجرأته المعهودة الي الصلاة علي جثمان ابونا ابراهيم عبد السيد في الكنيسة الملحقة بالمدافن, وقد قام بهذا العمل الجليل في وقت حرج واعتبره المسئولين انها تمثل معارضة مرفوضة, ولكن لم يهمه سوي الواجب الذي فرضه علي نفسه ازاء هذا الموقف مفضلا هذا العمل عن التملق للرؤساء و كسب ودهم ورضاهم لينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس , خاصة وان كثير من المشيعين كانوا من الشخصيات العامة بالدولة لعلاقة ابونا ابراهيم كمحام سابق بهم ومن خلال عضويته بمركز ابن خلدون ,علما بأن هؤلاء الشخصيات كانت تسير وراء الجثمان من كنيسة الي كنيسة وهم في حالة استياء للموقف المؤلم حتي استقر الجثمان الي كنيسة المدافن وانقذ الموقف جرأة وشجاعة الاب اغاثون .

اتذكر له قصة طريفة حينما اهدوه اخوته سيارة والده المرسيدس اذ به يستدعيني تليفونيا, وطلب مني ان اقنع اسقف منطقة مصر القديمة وكان وقتها الرجل الفاضل الانبا متاؤوس بقبوله السيارة هدية له, وحينما سألته عن عدم قيامه بهذا العمل الذي يتسابق اليه الجميع , فاجابني انه لايليق ان يقوم بهذا العمل كراهب تحت سلطان الاسقف وحزن جدا حينما رفض الاسقف قبول السيارة لانه كان ناسكا وزاهدا مفضلا سيارته الصغيرة القديمة.

وبالرغم من توحدالآب اغاثون في شقته في احدي عمارات الاسرة بمصر الجديدة ,الا انه انكب في القراءة والبحث في الروحيات ودراسة الكتاب المقدس ومزاولة حياته النسكية, ولا يتواني ابدا عن مساعدة كل محتاج ومهموم جدا بالوطن والكنيسة , وفي كل زيارة للوطن اهنأ نفسي بزيارته, وعندما اسأله عن صحته وسلامته اجده سريعا يسألني عن اسرتي بامريكا وحياتهم وتقدمهم العلمي والروحي رافضا الكلام عن نفسه ومسلما امره لصاحب الأمر والتدبير وغير شاكيا وبصبر عجيب يحتمل الضيقات والاوجاع .

حقا انه شخصية فريدة ومعلما مستنيرا اطال الله حياته

مقال السيد عادل حمودة نشر بالعدد السابق بجريدة الفجر ومنشور حاليا بموقع كوبتريال


CONVERSATION

0 comments: