مفاوضات مستمرة بغطاء عربي وانقسام قائم

.......في ظل غياب أية إستراتيجية فلسطينية كبديل لإستراتيجية المفاوضات العبثية،فمن غير المتوقع على صعيد السلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي سوى استمرار سياسة "حلب الثور" و" وتجريب المجرب" و"طلب الدبس من قفا النمس"،وخصوصاً أن الموقف الأمريكي والذي كان يراهن عليه الفريق الفلسطيني المفاوض والنظام الرسمي العربي،في ان يمارس نوعاً من الضغط على إسرائيل،فيما يخص تقديم بعض التنازلات والتي تشكل حافظة لماء وجه هذا الفريق، وساترة لعورته المكشوفة بشكل سافر،من طراز تجميد ولو شكلي أو غير معلن للاستيطان في القدس،او إطلاق سراح مجموعة من الأسرى القدماء، فبعد اللقاء الحميم الذي جمع نتنياهو بأوباما في البيت الأبيض،وجدنا أن الموقف الأمريكي يتجه للتطابق والتماثل مع الموقف والرؤيا الإسرائيلية من المفاوضات والعملية السياسية،وأنه لا مجال لتقديم مثل هذه التنازلات،بل وأقل من ذلك بكثير عدم القدرة على وقف قرار إسرائيل غير الشرعي والقانوني بإبعاد نواب القدس ووزير شؤون القدس السابق عن مدينتهم التي ولدوا وتربوا وعاشوا فيها،وخاضوا الانتخابات بموافقة وضمانات أمريكية وأوروبية،حيث النائب أبو طير معتقل منذ حوالي شهر على خلفية عدم الانصياع لقرار الإبعاد غير الشرعي والقانوني ويعتصم النواب احمد عطون ومحمد طوطح والوزير السابق خالد أبو عرفه في مقر الصليب الأحمر بالقدس تحسباً من الاعتقال والإبعاد.

ومن الواضح جداً أن الرباعية وأمريكا يمارسون الضغوط على الضحية وليس على الجلاد،وأيضاً فالطرف الفلسطيني والنظام الرسمي العربي غير قادرين على الثبات على موقفهم لغياب القرار السياسي والرؤيا والإرادة والإستراتيجية البديلة،فنحن نعلم جيداً أنه كما تم تجاوز قرارات المجلس المركزي في ديسمبر/ 2009،بعدم العودة إلى المفاوضات إلا بوقف كافة الأنشطة الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،حيث تم الالتفاف على القرار بالاستقواء على المؤسسات الشرعية بالقرار العربي،فقد أقرت لجنة المتابعة العربية عودة الطرف الفلسطيني إلى المفاوضات غير المباشرة لمدة أربعة شهور،وربطت ذلك بتحقيق تقدم جدي في ملفي الأمن والحدود ووقف الأنشطة الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،ولكن انتهت تلك المحادثات غير المباشرة إلى صفر كبير،وعقدت سلسلة اجتماعات فلسطينية للجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،وجميع البيانات الصادرة عنها أكدت على عدم العودة للمفاوضات المباشرة لأن المفاوضات غير المباشرة لم تحقق أية نتيجة،ولكن هذه المواقف من غير المتوقع لها أن تصمد على أرض الواقع،حيث أن هناك ضغوطاً أوروبية غربية من المانيا وايطاليا واسبانيا وحتى اليونان وروسيا،تمارس على الطرف الفلسطيني للانتقال إلى المفاوضات المباشرة،وأيضاً أمريكا جندت كل من مصر والأردن للضغط على باقي أعضاء لجنة المتابعة العربية من أجل الموافقة على الانتقال إلى المفاوضات المباشرة.

وكما حصل في قضية المفاوضات غير المباشرة،ستنصاع لجنة المتابعة العربية ووزراء خارجيتها، والتي ستعقد اجتماعها في القاهرة في التاسع والعشرين من هذا الشهر للضغوط الأمريكية والأوروبية بالطلب من الطرف الفلسطيني بالعودة للمفاوضات المباشرة،مع تجميل تلك الموافقة بالحصول على تعهدات او ضمانات بأن تكون المفاوضات غير مفتوحة وتناقش قضايا الحل النهائي وذات مرجعية محددة وغيرها من الوعود والتعهدات التي لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به،وطبعاً الطرف الفلسطيني سيستجيب للمطلب العربي كمخرج له لعدم الالتزام بمقررات الهيئات والمؤسسات الفلسطينية.

وكما هو حال المفاوضات العبثية والمارثونية، التي ستستمر وتتواصل،وبما يشكل ربحاً صافياً لإسرائيل،والتي تمكنها هذه المفاوضات من إجبار الجانب الفلسطيني على التعايش مع الوضع القائم أو القبول والتسليم بما يعرض عليه إسرائيليا،فإسرائيل مرتاحة ولا تمارس عليها أية ضغوط جدية لا عربية ولا دولية في ظل وضع يستمر فيه التفاوض،كما أن الجانب الفلسطيني غير قادر على وقف هذه المفاوضات وإعلان حالة طلاق معها،فهناك الكثير من القيود المكبلة له في هذا الجانب،حيث يلزم لمغادرة هذا النهج والتخلي عن هذا الخيار دفع ثمن باهظ وهو التخلي عن السلطة بكل امتيازاتها واستثماراتها ومنافعها،وهذا خيار يبدو أنه ليس له حظوظ من النجاح أو حتى التلويح به من قبل الطرف المفاوض.

والقضية الأخرى التي يجب التأكيد عليها،أنه رغم كل الجلبة والضجيج والتصريحات حول قرب تحقيق المصالحة الفلسطينية وميثاق شرف للمصالحة ستوقع عليه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني فهذا مجرد كلام لا رصيد له على أرض الواقع،فالطرفان الرئيسيان في معادلة الانقسام (فتح وحماس) غير جاهزين للمصالحة،فعدا عن العامل الذاتي الأهداف والأجندات والمصالح الخاصة التي تعظم وتعلي المصالح الخاصة فوق المصالح العليا للوطن،فهناك حجم عالي من الضغوط والتدخلات العربية والإقليمية والدولية في هذا الجانب،وكثير من الأطراف تصفي خلافاتها وحساباتها على حساب الملف الفلسطيني،ناهيك عن أن هناك فيتو كبير أمريكي- اسرائيلي على قضية المصالحة،وما يترتب على هذه المصالحة من استحقاقات سياسية ومالية بحاجة لضامن وكفيل غير فلسطيني،ومن غير الممكن توقع حصول المصالحة إلا في ثلاثة حالات فقط ،أولهما حصول تقدم جوهري في المفاوضات مما يمكن الطرف المفاوضات من تحسين مواقعه وشروطه وحاجته لأخذ موافقة حماس على ما تم إنجازه في تلك المفاوضات،وثانيهما إعلان الطرف الفلسطيني عن فشل المفاوضات كخيار وإعلان حالة الطلاق مع هذا الخيار،وثالثهما تغير في موقف حماس يستجيب لشروط أمريكا والرباعية.

على ضوء ما نشاهده ونراه ونلمسه في هذا المشهد وهذه اللوحة،يبدو أن الطرف الفلسطيني المفاوض والنظام الرسمي العربي الموغل في الانهيار،لا يملكان أية خيارات أخرى،بل لا يبحثان عن خيارات أخرى أو يبنيان إستراتيجيات جديدة في حالة فشل خيار المفاوضات،فمثل هذه الخيارات بحاجة إلى امتلاك الإرادة والقرار والقيادة الشجاعة،وهي حتى اللحظة الراهنة غير متوفرة،وما قد يغير من هذه اللوحة والمشهد،هو قيام أمريكا وإسرائيل بمغامرة عسكرية ضد إيران أو حزب الله،وخصوصاً ممكنات هذا الخيار تتصاعد،مع الاتهامات السياسية لحزب الله بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،فهذه الاتهامات المفبركة أمريكيا وأوروبياً وبغطاء رسمي عربي،الهدف منها ضرب وتصفية قوى المقاومة والممانعة في المنطقة وفي المقدمة منها حزب الله،وما قد ينتج عن هذا الحرب او المغامرة العسكرية قد يغير في خارطة المنطقة بشكل كلي وشامل,

CONVERSATION

0 comments: