تطهروا منهم/ محمد طعيمة

 الحاج خليل بعد حرقه

الأربعاء الماضي، اتهمت أسرة (خالد سعيد) رسمياً الضابط أحمد عثمان بتحريض بلطجية على ضرب "شاهد العيان" تامر عبدالمنعم، بقسوة أدخلته المستشفي في حالة حرجة، مصابا بارتجاج في المخ.
"حالات فردية، لا يجب أن تلوث ثوب الشرطة"، يردد ضباط حاليون وسابقون.. وصحفيون حلفاء لهم، مع كل انتهاك جديد. سنسلم بذلك، لكن: أليس هذا "الترديد" مُوجهاً لرأي عام تسعون لإقناعه بخطابكم؟ فلماذا تستفزونه بمنح "الحالات الفردية" المزيد من الجبروت؟
في رسالة واضحة منهم، حرص رؤساء (عثمان) على تواجده "في مواجهة" احتجاجات الإسكندرية على تصفية خالد. قبل الجريمة برز اسمه ضمن من يصفهم حقوقيون بـ(جلادي الشعب). عثمان، الذي تواجد بمكان "سحل" شاهد العيان، هو أول من اتصل به المخبران بعد مقتل (خالد)، وهو من قاد سحل نشطاء تظاهروا أمام قسم سيدي جابر بعد الجريمة، إلى حد التحرش بالبنات وهتك عرض الشباب، كما أثبتوا بالمحضر رقم 7689 إداري سيدي جابر، ووضع مخبر إصبعه في دُبر بعضهم بوحشية.. لكسر عينهم.
اتهامات مهينة لأي جهاز مهني قبل أن تكون مُهينة للضحايا، لكنها ليست جديدة. يعلم مفتشو الداخلية وجهازها الإعلامي الاتهامات التي أحاطت بعثمان تحديداً، بما يستلزم، إن صحت، ليس فقط إحالته للمحاكمة الجنائية، بل أيضاً.. لعلاج نفسي، هو وأمثاله.
في ليلة قدر رمضان 2008، فتح خليل إبراهيم خليل، 62 عاما، باب منزله بعد خبط عنيف، ليفاجأ بمن يقذفه بمادة حارقة أشعلت فيه النار. وهو يحاول فهم ما يحدث.. ضربه سيخ حديدي على ساقه.. فكسرها، ومع الحرق والكسر وصراخ أسرته، انهال الضرب.. ثم السحل لحوالي 150 مترًا. بالقسم استمر التعذيب بقيادة عثمان وزميله أحمد المنيسي، مع رفض علاجه لثلاثة أيام حتى تعفنت الجروح. عثمان هدد "الحاج" خليل: "لو عايز أخيطك.. ح أخيطك".
"ح أخيطك"، نفهم جميعاً معناها. مدرسة "كسر العين" طالت شيخاً ستينياً آخر، أيضاً رمضان 2008. في مؤتمر لـ (حركة مصريون ضد التعذيب) بمعهد محاماة الإسكندرية، روي الضحية (صلاح أحمد حسن) وشهود عيان، وقائع مُوثقة بكاميرا موبايل. صلاح اختطفه عثمان ومنيسي من محله، مع زبائن كانوا به. ضرب وشتم.. وتحميل صناديق البضاعة لميكروباس، انطلق بها وبه للقسم. هناك استمر تعذيبه، ومع كل إفاقة يتوسل لعثمان: "يا باشا حموت"، فيجيبه: "إيه يعني.. كلب وراح". ساديته بلغت ذروتها حين ذكرّه "الحاج" صلاح بأنه في سن أبيه، سبه ورفع جلبابه ووضع إصبعه في دبره. صرخ: "يا ظلمة.. يا كفرة". هاج عثمان أكثر: "كفرة، طب حتسجد لنا يا (كـ...) أمك".
كسر عين، تحول إلى حفلة إذلال. نادي عثمان زميله:"تعالي.. دورك". كرر منيسي ما فعله عثمان، ثم قلده 14مخبراً، حتى فقد "الحاج" الوعي. بعد ساعات، حضر رئيس المباحث، وببساطة أنهي الموضوع: "معلش يا حاج صلاح.. حصل خير، جاتلنا معلومات غلط.. تشابه أسماء". وأجبره هو وأولاده على توقيع محضر يقرون فيه باعتدائهم على أمناء شرطة.. وأنهم تصالحوا. ما رواه صلاح، أكده "الزبون" (على محمود علي) الذي نال تعذيباً أخف. الحاج صلاح، انفرد برفض دفع إتاوات لمخبري وأمناء القسم. المدهش إن ابنه إبراهيم توجه لوكيل نيابة سيدي جابر، محمد برهان، لينقذه. روي إبراهيم: لم يتخذ أي إجراء، اتصل بضابط المباحث، وقال لي.. أحمد عثمان ده راجل محترم.
راجل محترم (!!). في الوظائف العامة شرط دائم للاستمرار فيها، هو حسن السمعة والسلوك. شرط، هنا، يكتسب أبعاداً إضافية مع مهمة الشرطة الدستورية "في خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن"، ومع المادة (3) من قانون الهيئة.. "حماية الأرواح والأعراض والأموال". مع "كوم" التقارير الحقوقية والبلاغات الرسمية، تتناقض "سمعة" عثمان، ومن يماثله، مع "طمأنينة وحماية أرواح وأعراض" الذين يتعاملون معهم. حالات "مثل" الرائد يسري أحمد عيسي الذي أدانته جنايات الإسكندرية، يناير 2008، بهتك عِرض إبراهيم عبدالنبي بالطريق العام، وضابطي سجن كفر الشيخ، سعد أحمد سعد وفؤاد زايد، اللذين أجبرا أربعة محتجزين أحداث على ممارسة اللواط أمامهما، كما أثبت تفتيش الداخلية.
قبل أسبوعين وعدنا مبارك الابن بتحقيق عادل في جريمة خالد، وجاء انتهاك عثمان الجديد ليكذب وعد "الفكر الجديد". والخميس الماضي، ولأول مرة منذ 30 عاماً، تحدث مبارك الأب عن "حقوق الإنسان المكفولة بالدستور والقانون".. و"لا نقبل بانتهاكها'. ربما لا يعلم أن التعذيب في عهده أصبح.. كالماء والهواء.
سنسلم بأنه لا يعلم، ومجدداُ.. بأنها "حالات فردية". إذن، لماذا لا تنظف الداخلية ثوبها من "مدرسة كسر العين". قبل12 عاماً، عزل اللواء حبيب العادلي مدير أمن القليوبية على خلفية تعذيب بقسم قليوب، ورغم انه أُعيد لمنصبه بضغط أعلي، لكن "النية" تواجدت، وتكررت عام 2007 بنقل مدير أمن كفر الشيخ ونائبه ومدير المباحث، بعد واقعة لواط أحداث سجن كفر الشيخ. إذن لماذا لم تُبعد نماذج مثل عثمان، ولماذا تعود نماذج مثل إسلام نبيه للخدمة رغم صدور أحكام نهائية ضدها؟
مجرد حالات فردية... خذوا خطوة وابدأوا بمدرسة كسر العين، تطهروا منها، حينها سيُقنع خطابكم الناس.


CONVERSATION

0 comments: