مخاض تشكيل الحكومة العراقية والنفاق السياسي/ محمود غازي سعدالدين


مضت أكثر من أربعة أشهر على أنتهاء الانتخابات العراقية وصوت الشعب العراقي على الكيانات السياسية وظهرت نتائج الانتخابات بعد خلاف وسجال حول النتائج والطعون التي قدمت للطعن في تلك النتائج , لتفضي الى فوز القائمة العراقية بالمركز الاول تلتها دولة القانون ومن ثم الائتلافات والكتل الاخرى .

من خلال رؤيتي المتواضعة للمشهد السياسي وعملية تشكيل الحكومة والمناقشات والاجتماعات التي تجري داخل العراق وخارجه , فدول الجوار ليست بمعزل عن تشكيل الحكومة , حكومة ولي الفقيه في أيران لها أطرافها تضغط عليها وتغريها بكل الوسائل لغرض فرض أجندة معينة تخدم مصلحة وتوجهات ساسة وفقهاء ايران في ضل وجود الضغط الدولي تجاه مسألة المللف النووي وبزوغ أزمة قريبة بينها وبين المجتمع الدولي .

اجندة البعثيين حاضرة ومدعومة عبر الدولة السورية , والاجتماعات التي جرت من قبل اطراف عراقية في ألآونة ألأخيرة لم تكن غايتها هو تقريب وجهات النظر وحل الخلافات القديمة لجعل أعداء الامس أصدقاء اليوم فغاية هذه الاجتماعات ( لا لسواد عيون علاوي وعمامة مقتدى البعث) أنما هي فرض أجندات هذه الدول التي تحتضن الارهابيين والبعثيين المجرمين على مشهد تشكيل الحكومة وهذا التدخل يلعب دورا يخدم القيادة السورية في مسألة الضغط على الولايات المتحدة وافشال مشروعها الديمقراطي داخل العراق مع ظهور تقارير دولية جديدة تنتقد وتدين سوريا في ملفات حقوق
الانسان بصورة عامة .

أجندة السعودية السلفية الوهابية ليست غائبة أيضا عن المشهد فمنذ البداية كانت هناك زيارات مكوكية استطيع تسميتها بالزيارات الطائفية لزيارة المملكة الارهابية لغرض ارضاء والالتقاء عند النقاط الرئيسية التي تخدم دولة الملك الواحد ألأحد وهنا يلعب الخلاف العقائدي دوره في هذه الاجتماعات التي تخشى منه المملكة السعودية والتي بات تأثيره يقلق مشايخ الوهابية .

ماهي العقبات الرئيسية التي تقف حيال تشكيل الحكومة العراقية ؟؟ هذا التساؤل الذي يطرح ويجب الاجابة عليه ولكي تصبح الرؤية واضحة امام الشعب العراقي في ظل النفاق وعدم الشفافية والغموض الذي يكتنف الاجتماعات والحوارات بين الاطراف كافة , الذي لاحظته أن معظم الكتل أجتمعت على شيء واحد وهو أن العقبة الرئيسية تكمن في تشبث السيد المالكي المنتهية ولايته بمنصب رئيس الوزراء وأن دولة القانون تحاول الالتفاف على الدستور أو خرقه بكونها ليست الكتلة الأكبر التي تؤهلها فقرات الدستور لتقديم مرشح لتشكيل الحكومة , المضحك المبكي أن شخصيات من قبيل المتحدث باسم القائمة العراقية السيد حيدر الملا يقول نصا أن من حق ألتحالف الوطني او القائمة العراقية تقديم مرشحيها لتشكيل الحكومة كونهما الكتلتان الكبيرتان التي يعطيهما الدستور الحق في ذلك .

أما تقديم المرشح من قبل دولة القانون , وحصريا في شخص المالكي فهذا هو غير المقبول من قبل العديد من الاطراف كالتيار الغدري والعراقية والتحالف القومي الكردي , في حين انه من المعلوم ان ائتلاف دولة القانون هو أيضا يدخل ضمن التحالف الوطني ولكن معارضة رئيس المجلس الاسلامي الوراثي أبا عن جد والخلاف داخل التحالف الوطني نفسه واعتراض الصدريين حال دون تقديم المالكي لتولي الحقيبة الوزراية .

ظهر وعاد الى الاضواء مرشح آل الحكيم عادل عبد المهدي مجددا واعادت مشاهد سيناريو اقصاء الجعفري نفسها ابان تشكيل الحكومة التي سبقت حكومة المالكي والذي قدم كمرشح تسوية من الائتلاف في حينه المرفوض حاليا من الاطراف نفسها .

لايتحدث أحد من هذه الاطراف المعترضة عن تصلب التحالف الكردي وتشبثه بمناصب لا تنازل عنها وان احرق الاخضر واليابس , لست هنا لأدافع عن شخص السيد المالكي واداء حكومته السابقة والتي لا يتحمل هو شخصيا جل الاخفاق الذي واكب مسيرة حكومته (أشرت الى ذلك في مقال سابق) والتي لا يخفى على احد انها بنيت وتشكلت على معايير التوافق والمحاصصة , والتي تسعى ألآن العديد من هذه الكتل المعترضة على شخص المالكي لاعادة وفرض أجندة التوافق والمحاصصة من وراء المماطلة والتسويف.

عندما يأتي الحديث عن ترشيح المالكي يأتي الحديث معه عن الدور ألايراني وتدخل المسألة الطائفية في ألأمر ويطول الحديث في ذلك , ولعلي لا انكر ان هناك علاقات لشخصيات كثيرة داخل دولة القانون يتوالف وينسجم خطابهم مع خطاب دولة الفقيه , ولكن في نفس الوقت وفي حديث صريح للمالكي مع قناة الحرة علق وبصراحة وشفافية كاملة انه ضد التدخل الايراني واي تدخل آخر, ولعل خطابه المعلن على ألأقل أكثر بعدا من أيران وسياساتها أذا ما أخذنا بنظر الاعتبار كتلا أخرى لها مصالح واسعة معلنة وخفية .

لا أحد يتحدث عن المجلس ألاعلى وعلاقته الواسعة والمشبوهة مع نظام الجمهورية الاسلامية وعمليات التجارة والتهريب والتسيق التي تجري على قدم وساق عبر الجنوب والشمال العراقيين , من خلال حلفاء وشركاء الحكيم في كل شيء كشفتها تقارير أمريكية (خلف الله عليهم) , من يتحدث عن طائفية المالكي مقمحون حتى الاذنين بطائفيتهم وقوميتهم وليس همهم الاسراع بتشكيل الحكومة قدر الحفاظ على المصالح والمكاسب .

عمار الحكيم عندما يعلق تأخير تشكيل الحكومة العراقية ويدعو المالكي للتنحي لفسح المجال لتشكيلها انما هي دعوة لغاية سيئة في نفسه يريد ان يقضيها او محاباة ومجاملة ومراعاة حفظ مصالحه التجارية والاقتصادية مع أطراف يعلمها القاصي قبل الداني , البعثيون ضمن الكتل المعترضة عندما يتحدثون عن طائفية المالكي وتبعيته لايران اجتمعوا وتطابقت آرائهم مع كتل مشهود بطائفيتها وتعصبها القومي فما السر في تطابق هذه الاجندات والبرامج ضد المالكي ؟ والمهم الان لدى كافة هذه الكتل هو اقصاء المالكي أو الضغط عليه للتنازل عن كثير من الصلاحيات .

كوبونات صدام المالية والنفطية كانت تعمل فعلها في كسب الاحزاب والتيارات والدول والاعلاميين في أقصى بقاع الأرض وكسبت ذمم حتى رجال الدين الذين نعقوا وزمروا ولا زال بعضهم مستمرا الى يومنا هذا , وأستطيع القول أن كوبونات ألاحزاب الكبيرة بدأت تفعل الفعل نفسه لتغيير التوجهات وتغيير المواقف , ومن يلاحظ ويتابع القنوات الاعلامية التي تعترض على شخصية المالكي لتولي حقيبة رئاسة الوزراء يعلم مدى التمويل والدعم الذي يتلقونه .

اعتقد جازما أن العراق يمر بمرحلة حرجة جدا في ظل اقتراب موعد انسحاب الجيش الامريكي وبقاء قطعات صغيرة في بعض المناطق الساخنة كالموصل وديالى وكركوك توكل اليها بعض المهمات في ظل تردي الوضع الامني في الايام الاخيرة , وتصاعد التهديد التركي للتدخل في الشمال العراقي بعد تزايد هجمات حزب العمال في الاونة الاخيرة.

أزمة تشكيل الحكومة دخلت منعطفا خطيرا وعامل الوقت الذي يضغط باتجاه فك عقدة من يتولى حقيبة رئيس الوزراء القادمة , تزامنت مع قيام الجماعات الارهابية بعمليات اجرامية في مدن ديالى والرمادي وبغداد والموصل بانتقاء اهداف متنوعة في عملياتهم الاجرامية مثل استهداف مجالس الصحوات واستهداف الشركات الاجنبية العاملة مثل ما حدث في الموصل , واستهداف مواكب الزائرين الشيعة في ديالى وبغداد ونهاية باطلاق سراح وفرار وزيري الداخلية والمالية لدولة العراق الارهابية الاسلامية من سجن كروبر في بغداد بعد أسبوع من تسلمه من القوات الامريكية .

العراق بحاجة الى سياسيين من طراز جديد وليس سياسيين منافقين يصعدون على أكتاف الشعب المنهك وانكروا نعمة الشعب ونعمة الله التي من بها عليهم باسقاط الولايات المتحدة والخيرين معها لنظام البعث , المواطن العراقي بحاجة الى نمط وسلوك جديد للسياسيين بعيدا عن أجندات رؤساء الكتل الكبيرة الذين باتوا يتلاعبون بمصير العراق وامنه يتحدثون عن الدستور والديمقراطية ويتحايلون عليهما في نفس الوقت , بناء الدولة الحديثة ودولة المؤسسات تستدعي أنهاء نظرية سطوة الطبقة والحزب ألاقوى اقتصاديا والتي استأثرت بكل شيء على حساب المواطن المسكين والذين جعلوا الدولة وسيلة لفرض مزيد من الاستعباد بدلا من تحريره من القيود .

بلجيكا

البريد ألألكتروني : nelson_usa67@yahoo.com


CONVERSATION

0 comments: