شعرت بالغضب أشد لأن القلم توقف في منتصف الطريق وحبره جف في فورة الاحاسيس الحانقة، فأسرعت الى المكتبة أريد شراء قلم أخر...
أول مرة في حياتي أكتب رسالة غاضبة وأنا المتفائل دائما ! الودود والمسالم في تعاملاتي أو رسائلي ! غضبت لأني أول مرة أتعرض الى موقف مهين من طرف شخص طالما اعتبرته الصديق العزيز والصاحب الوفي ،لكن لم يكن كذلك؟ كان يجعل من لقاءاتنا المتكررة ومجالسنا في المقهى أو عند الحديقة مكانا للثرثرة وتمضية الوقت فقط ، بينما اعتبرته أنا دائما الصديق الحقيقي ، وكنت أدافع عنه بين أصدقائي الأخرين ، وهذا ما يؤلمني الآن أكثر ! كانوا يعرفونه أفضل مني بدون أن يجالسوه أو يلاقوه، دائما يثير اشمئزازهم لما يرونه أو أقول أني ذاهب اليه ، يستثقلونه لأنه يتبجح كثيرا والتباهي بلا حدود ،ويحشر أنفه في شؤون الناس الصغيرة والكبيرة، ما ظهر منها وما بطن! فلما أقول من أفضل اصدقائي وهو مثقف....يقولون مبتسمين .... إنه يمضي بك الوقت فقط... وعلى كل حال نحن لا نطيقه ولا نتحمل كلامه المتبجح ، وهو صديقك و لا نتدخل بينكما...هذا يشعرني بالغضب الآن! كيف أقضى معه كل هذه السنين ولا أعرفه، ولا استطيع أن أتبين معدنه؟
أنا أكبر منه في السن، وقد دعمته في أحرج مواقفه، ودائما أفتح له قلبي وعقلي فأحكي له عن كل شيئ خاص بي أو بعائلتي بدون أن أطالبه بأن يفعل الشيء نفسه، فكثيرة هي الاشياء البسيطة التي اسمعها عنه من جهات أخرى! وطالما تحملت سخريته اللاذعة عن والدي أو أخي.....وأقول لا بأس صديق!
لكنه في لحظة انكشف أمامي ....الحمد لله أن هذه اللحظات موجودة...لحظة تكشف لك معادن الناس الحقيقية! حتى وإن أخطأت ...وأنا لم أخطئ وإنما مازحته....فانتفض...وغضب...
وانطلق نحو بيته.. وتركني أصرخ وراءه أريد أن أشرح له الموقف...متعجبا من غضبه الذي لا مبرر له...وهاتفته ثلاث مرات فلم يرد...وأرسلت له ميساجا فلم يرد...وذهبت مع الاصدقاء الي البيت نبحث عنه....ورغم أني أكبر منه في السن الا أني ذهبت اليه....تعجبت في نفسي فما قلته لا يمكن أن يقارن بما كان يقوله ويكيله لي من اساءات! يسئ الي وإلى والدي وينعتني بالفاشل والغبي والابله والعازب الذي فاته قطار الزواج وبالمتعصب...كلمات تثير غضب أي انسان أخر وبالأخص لما تصدر من من هو أصغر منك في السن! فلما اجتزت امتحان الثانوية العامة لم يكن هو قد ختن بعد! ورغم ذلك ابتلعت كل تلك الاساءات لأجل الصداقة، و هو لم يستطع أن يتحمل مزاحا واحد.. كنت مريضا ولأجل الصداقة ضغطت على نفسي وتوجهت مع اصدقائي الثلاث الى مقهى " العربي"...فقال هو: ـ تكلم أو عد الى بيتك...لا حاجة لنا بك إذ لم تتحدث ! فقلت أنا : لا حاجة لنا بالحديث! فمنذ عشرين سنة ونحن نسمع نفس الحديث التافه! وكنت أقصد أحاديثنا المتكررة عن السنة والشيعة وعن الشرق الاوسط الجديد وعن حزب الله ولبنان.... فربما الصمت أفضل ... وانا مريض ..فلست ببغاء مفروض علي الثرثرة دائما!
دائما يقول عن سكان مدينتنا أنهم سيئين! لكنه هو الأسوأ وجعلني أنفجر بكل هذا الغضب! مر علي جالسا أمام البيت أقرأ كتابا....لم يسلم وكأنه لم يعرفني ، وكأنه لم تكن بيننا صداقة عمرها خمسة عشر سنة! أي صداقة هذه التي خدعت فيها!
دائما يقول عن سكان مدينتنا أنهم سيئين! لكنه هو الأسوأ وجعلني أنفجر بكل هذا الغضب! مر علي جالسا أمام البيت أقرأ كتابا....لم يسلم وكأنه لم يعرفني ، وكأنه لم تكن بيننا صداقة عمرها خمسة عشر سنة! أي صداقة هذه التي خدعت فيها!
فعل ذلك لأنه يعتبر نفسه أفضل مني! ....وهو الذي يتكلم وأنا علي أن أوافق....لم أندم على صداقة في حياتي مثلما ندمت على صداقته..... مزقت الرسالة...ما فائدة أن أكتب الرسالة.... ووضعت القلم الجديد في الدرج....وفي نفسي كنت قد قررت ....إذ لم يتصل بي خلال ثلاث أيام فإني سأعتبره ميتا وصداقتنا قد انتهت.......
عبدالقادر رالة
0 comments:
إرسال تعليق