ديمقراطية الربيع العربي والصراعات العربية/ ابراهيم الشيخ


عُرف عن العرب صراعاتهم واختلافاتهم  منذ قديم الزمان، زمن القبائل والجاهلية، اما عن اسباب هذه الخلافات فكانت كثيرة اما على ارض او ناقة وبعد ذلك على السلطة.
بدأ الصراع السياسي على الحكم في عهد الخلفاء حتى الوصول الى فتح الاندلس واستفحال الخلافات  على السلطة الذي أدى الى انهيار عصر الازدهار العربي الاسلامي.
بعد ذلك بدأ عصر العرب المظلم والعيش في ظل سلطات اجنبية تحكمت في كل تفاصيل حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بداية عاش العرب تحت السيطرة العثمانية التي استمرت حوالي اربعمائة سنة، ثم جاء الاستعمار الغربي والذي من من خلال اتفاقية سايس-بيكو قسم المنطقة لمناطق نفوذ بين فرنسا وبريطانيا، هاتين الدولتين لم تخرجا من المنطقة الا بعد ان قسمتا الوطن العربي وتسليم السلطة لبعض العائلات في الخليج وبعض الرموز في البلدان الاخرى ليقيموا بها ممالكهم واماراتهم وجمهورياتهم.
اذا سياسة فرق تسد التي اتبعها هذا الاستعمار قد شرذمت هذا الوطن العربي الكبير، وان نجاح  هذه القوى الاستعمارية  في تقسيم المنطقة لم يكن لينجح  لولا شغف وقابلية الزعماء العرب بالحكم وحب السلطة، انساق هؤلاء الزعماء وراء هذه القوى لتأمين مصالحهم الخاصة ومصالح هذه القوى دون الالتفات لمصير هذا الوطن العربي وشعوبه وانقسمت الدول العربية سياسيا واصبح لا يجمعها شيئا سوى حدود مشتركة ولغة واحدة التي لم تلعب دورا في توحيد هذه  الدول.
ان المشاكل التي عانتها شعوبنا العربية بسبب الحكام المستبدين وغياب الديمقراطية لم تنته وما زالت المعاناة قائمة بالرغم من التغيير واجراء انتخابات ديمقراطية في بعض الدول، فهذه الدول ما زالت غير قادرة على فك الارتهان للدول الغربية ولاسباب متعددة منها سياسية واقتصادية. بشكل او بأخر تنصاع هذه الدول دائما الى مشيئة وارادة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة باتخاذ اي خطوة سياسية تقوم بها، لأن بعض هذه الدول العربية محكومة بالعامل الاقتصادي الذي يشكل عامل ضغط عليها، ولذلك لا تستطيع معارضة واشنطن خوفا من عدم الحصول على مساعدات من البنك الدولي او اية مؤسسة دولية لان يد امريكا طويلة وقادرة على حرمان هذه الدول من المساعدات.
فمصر ما زالت تعتمد على المعونة الامريكية كما كانت في السابق وهي  بالرغم من تغير الحكم ووصول الاخوان المسلمين الى السلطة تبدو غير مستعدة لتغيير قواعد اللعبة ومستمرة في التقارب مع واشنطن للحصول على هذه المساعدات وهي لم تثر حتى هذه اللحظة تعديل معاهدة كامب ديفد خوفا من خسارتها لهذه المعونات، والمفروض كما في المجتمعات الديمقراطية التي تشرك مواطنيها بالقضايا المهمة  اجراء استفتاء بشأن هذه المعاهدة، وكذلك الوضع لا يختلف في اليمن وتونس وليبيا الذين ما زالوا يتلمسون مبادئ الديمقراطية ولكل بلد وضعه الخاص في هذا المضمار.
ومن غير المعرف ان كانت الديمقراطية في اليمن او في ليبيا ستوحد الفصائل المسلحة التي لحد الان لا تنظوي تحت سلطة الدولة المركزية التي تبدو ضعيفة في هذين البلدين.
اما الوضع في سوريا لن يكون مختلف، اذ تُقاتل هناك جهات متعددة الايدولوجيات والافكار، السلفي منها والاخواني والعلماني وحتى القاعدة، على ضوء هذه المعطيات يبدو ان ارساء الديمقراطية في هذا البلد سيكون صعبا ، والمستقبل  يبدو مجهولا  ومن غير المعروف كيف سينتهي الصراع الذي طال والذي من الممكن ان يتحول الى حرب اهلية.
اما بالنسبة للعامل الديني الذي كان يجب ان يلعب دورا ايجابيا في تكتل الدول العربية الا انه اصبح عاملا مفرقا حيث تستشري اليوم النعرات الطائفية المُحرضة على الفتنة اكثر من الماضي واصبح العداء واضحا  وقاتلا للجميع.
ان الدول العربية تمتلك مقومات الوحدة اكثرمن اي دول او شعوب اخرى من حيث الجغرافيا والتاريخ والثقافة واللغة الا ان العرب يبدون كاكبر قوة مشتتة ومتفرقة بسبب التمزق السياسي الداخلي والطائفية التي تعيشها بعض الدول وايضا الصراع على السلطة وغياب الديمقراطية كل هذه العوامل مجتمعة تمنع من تقارب الدول العربية من بعضها البعض. 
جاء الربيع العربي كمحطة فاصلة بعد هذه السنين الطويلة من استبداد الحكام واذعان الشعوب لهم ولا يبدو بأن الدول العربية ستنهي صراعاتها التي ازدادت ولم يؤثر الربيع العربي عليها ايجابيا.
بداية الثورات العربية شكلت بارقة امل لما ستؤول اليه الاوضاع من ناحية التغيير والأنتقال من الاستبداد الى الحرية والديمقراطية، لكن الدول الغربية وبعض الدول الخليجية يحاولون امتطاء هذه الثورات لصالحهم وافراغها من مضمونها  من خلال السيطرة على مجرياتها من خلال الدعم بالمال والسلاح ومحاولة قطف ثمارها لفرض رؤيتها ودعم الاحزاب الاسلامية كما حصل في مصر، وهذا ما يحصل الان في سوريا اذ يتم دعم الجماعات الاسلامية للاستئثار بالسلطة في حال سقوط النظام.
لا شك بان هذه الثورات كانت عفوية والذين قاموا بها اناس عاديين كان لهم مطالب  كثيرة وكبيرة، ولكن الذين استحوذوا على السلطة في البلدان التي حصلت بها هذه الثورات  اعتبروها انتصارا لهم ولنهجهم، ولكن الذين فجروا هذه الثورات وضحوا من اجل التغيير هُمشوا ولم يعد لهم اي دور في قيادة هذه البلاد.
السلطات الجديدة في هذه البلدان مطالبة باستغلال هذا التغيير  لتطوير المجتمعات على جميع الاصعدة وعدم تكرار اخطاء الحكام السابقين وعدم تقويض معاني الديمقراطية التي اوصلتهم الى السلطة وعدم احتكارها.
 التعلم من تجارب الاخرين ليس عيبا ومن الممكن اخذ  تجربة اوروبا الشرقية التي  شهدت نظام الحزب الواحد وانعدام الديمقراطية، ولهذه الاسباب تخلفت هذه الدول اقتصاديا مقارنة مع الدول الغربية  الديمقراطية الاخرى، ولكن بعد سقوط النظام الشيوعي نهضت هذه البلدان وبدأت مرحلة البناء وممارسة الديمقراطية، وخلال سنوات عدة انضمت هذه الدول الى الاتحاد الاوروبي وهنا يتضح بأن النظام السياسي يلعب دورا مهما في تقدم وتأخر الشعوب.
ان ديمقراطية الربيع العربي ما زالت في بداياتها ولا يجب الحكم عليها الان ومن غير المعروف عما ستؤول عليها الاوضاع السياسية والاقتصادية، ان الوصول الى السلطة يجب ان لا يكون هوالهدف الاسمى بتحقيق المصالح الحزبية فقط فممارسة السلطة مسؤولية كبرى والهدف منها تحقيق مصالح الشعوب وتقدمها.
 في ضوء ما سبق يبرز التساؤل التالي هل الديمقراطية التي حطت رحالها في وطننا العربي مؤخرا وبعد انتظار طويل تستطيع انهاء الصراعات الداخلية والخلافات السياسية بالاحتكام للانتخابات للوصول الى السلطة ام سيستمر العنف والتظاهرات والمناكفات في الشوارع كأسلوب اساسي للتعبير عن الرأي.
ان الذي يراقب الوضع في الدول التي حصلت فيها هذه الثورات يلاحظ بان هذه الدول لم تتخلص من العقلية القديمة وتقوم السلطات المنتخبة بتكرار نفس الاخطاء من حيث التضييق على  حرية التعبير والمعارضين وتقييد الاعلام الحر وتتبع نفس السياسات الاقتصادية التي تعتمد على المساعدات الخارجية بدون تحفيز الاقتصاد والاعتماد على النفس.
عُرف عن العرب صراعاتهم وما زالت هذه الصراعات مستمرة حتى وقتنا هذا، ولذلك تبدو مسيرة العرب طويلة نحو بناء مبادئ الديمقراطية والتقدم،  ولا بد من تحقيق الانسان العربي الجديد والتخلص من إرث الماضي السيء الذي يذكرنا بالخلافات والاستبداد والديكتاتورية.
كاتب وصحافي فلسطيني
ielcheikh48@gmail.com

CONVERSATION

0 comments: