بن علي، السعودية، وإنفلوانزا الخنازير/ د. محمد ختاوي

لا أحد يصدق ما جرى في بلاد أبي القاسم الشابي مع الانتفاضة الشعبية العارمة التي قام بها الشعب التونسي الشقيق وخاصة ما نجم عن ذلك من خبر مفاجئ عن رحيل رئيسها زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي مضطرين إلى الهروب في جنح الظلام إلى بلاد الحرمين الشريفين (السعودية) بعد ما رفض استقبالهما حكام كل من مالطا المجاورة، وفرنسا، وإيطاليا، ومصر التي يعاني رئيسها من نفس المعضلة ، وحتى الولايات المتحدة التي تخلت عن بن علي و تركته وشأنه بعدما كان من أحسن حلفائها وتترقب لنفس النهاية لمبارك، حسب وزيرة الخارجية الأمريكية .
وفور ردود خبر وصول الرئيس الهارب للسعودية، تزايدت التساؤلات والاستفهامات، مثل إن كان الرئيس المخلوع والهارب قد تاب وقرر التوجه لبلاد الأماكن الإسلامية المقدسة قصد "غسل عظامه" كما يُقال في العامية وأداء مناسك العمرة انتظارا لموسم الحج الذي ليس من سمته.
ومنهم من تساءل إن كان هذا الطاغي قد تاب عن أعماله السيئة أمام خالقه عز وجل وأمام شعبه لما قام به من جرائم وقمع وتقييد للحريات ومنع الشعب التونسي حتى من تأدية فرائضه و عقائد ه الدينية. وكلنا يعلم أنه من جملة هذا التقييدات حرمان كل التونسيين ، ولأول مرة في تاريخ الإسلام، من تأدية مناسك الحج السنة الفارطة بذريعة أن أرض المملكة العربية السعودية "ملطخة" بمرض "إنفلوانزا الخنازير" كما كان يدعي خوفا على شعبه من "العدوى" من هذا المرض في أرض الحج الطاهرة، جاهلا أن الله قال في كتابه العزيز: "إنا نحن نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون".
كان هذا القرار الرئاسي، قرار منع التونسيين من أداء مناسك الحج، بمثابة ضربة قاسية ليس للشعب التونسي الشقيق فحسب، ولكن ضربة للدين الإسلامي الحنيف من أرض الإسلام (تونس) إلى أرض الإسلام (السعودية)، مهد ظهور الإسلام تحت القيادة الشريفة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن بلاد الحج هذه هي أرض الأمراض والآفات الاجتماعية المختلفة كما كان يعتقد، مدفوعا باعتقاده وهو يسخر بالآخرين أنه لن تطأ قدماه أبدا هذه الأرض لأنه لا يؤمن لا بالحج ولا بأداء فرائض الدين الذي كان بعيدا عنه كل البعد ، ظانا أنه سيخلد إلى الأبد في دواليب الحكم وأنه سيبقى يتفرج على المحكومين وأن الله لا ينتقم في يوم ما على من يتجرأ في التحدي لعظمته.
وشاءت الأقدار أن يتيه مثل الصعلوك ليلا في الأجواء بحثا عن ملجإ بعد أن هرب من بلاده التي قهر شعبها بقبضة من حديد، ولكن تم هذا الأخير، أي هذا الشعب العظيم الذي أراد أن يذلّه، بطرده مطأطئ الرأس. ولولا الملك عبد الله الذي فتح له باب اللجوء إلى السعودية لبات يبحث بدون جدوى عن أرض تأويه بعد أن ضاقت به الأراضي المجاورة رغم صداقته مع حكامها. ولكن الله أراد به أن يُجرّ بمعية عائلته إلى هذه الأراضي المقدسة الشريفة التي كان يسخر منها ليُريه الله من آياته أنه سيسقُط في قبضة الحق عز وجل في أرض الإسلام التي لم يكن يبالي بها حيث استهزأ بها باسم "إنفلوانزا الخنازير"، وبالتالي أراد الله أن يريه "مكانتها" الطاهرة وهي الوحيدة التي احتضنته بعد ما كان يستهزئ بها.
كما شاءت الأقدار أن تطأ قدما زوجة الطاغية بن علي السيدة ليلى طرابلسي كذلك أرض الحجاز،أرض الحجاب والحجاج الميامين التي كانت تنظر إليها نظرة المستهتر وكأنها للآخرين، أي "للمتخلفين"ظانّة أنها كانت متعالية عن هذه الاعتقادات. وشاءت الأقدار بمشيئة الله عز وجل أن يُفرض عليها الحجاب في هذه الأرض الطاهرة بعد ما نكرته ومنعته على التونسيات في أرض تونس المسلمة بقوة الحديد والنار. كانت الحرب معلنة على الإسلام بكافة مظاهره في دولة مسلمة كتونس تخطّت كل الحدود ، فقد منع الحجاب فيها ليس في المؤسسات الحكومية والجامعات فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل منع ارتدائه في أماكن الشغل الأخرى التي فرض عليها هذا النظام بالحديد والنار بل تعدّى ذلك حتى في الشوارع، وصولاً إلى الصلاة في المساجد والتي وصل الأمر بالنظام الفاسد لجعل الصلاة بالبطاقة تشبه في نظامها بطاقات الموظفين، حيث أصبحت تونس أكثر تشدداً ضد الإسلام، حسب ما صرحت به بعض وسائل الإعلام.
وبعد هروب بن علي وعائلته وانتهاء العهد القديم الجائر، وكتعبير عن الهوية الحقيقية لتونس الحرة والتي حاول زين العابدين وعائلته إخفاءها وقمعها على مدار سنوات حكمه، خرج عشرات من شباب تونس للصلاة في شوارع العاصمة التونسية تعبيراً عن الوجه الحقيقي لتونس المسلمة، كما ظهرت النسوة المتحررات بارتداء الحجاب أين ما وُجدن مرفوعات الرأس.لقد كان النظام التونسي المقبور مضرب المثل في البطش، والظلم، والاعتقالات، والتشريد، مستعملا جميع أنواع البطش والتقتيل والإرهاب والإذلال. فبعد أن حوّل هذا النظام الاستبدادي شعبا بأكمله إلى أشباح خائفين وفاسدين ومرتشين ومشردينشاءت إرادة الله باقتلاع الظلم والظالمين من عروشهم ، فما نفعتهم كل مؤسساتهم البوليسية والقمعية ، وما حمتهم من نقمة الله الجبار، وغضب الشعب الثائر .
لا شك أن فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من بلاده إلى المملكة العربية السعودية يذكرنا بديكتاتور آخر حل في مدينة جدة بالسعودية، وهو الرئيس الأوغندي عيدي أمين دادا حيث بقي فيهاإلى أن لفظ أنفاسه. وكذلك الشأن في ما يخص الرئيس العميل المطرود برويز مشرف بعد أن ضاقت به نفسه وطرد هلوعا هو الآخر من بلاده (باكستان) إلى جدة حيث وجد فيها مأوى له رحمة من أرض الإسلام الطاهرة. وفي نفس الإطار وكأن التاريخ يعيد نفسه... شاه إيران فرّ مدحورا من بلاده إثر انتفاضات إسلامية شعبية إيرانية عارمة طردته بعد أن صار يتيه من بلد إلى آخر إلى أن وجد نفسه في الأراضي المصرية بعد أن رخّصت له السلطات المصرية ذلك لينتهي بذلك العميل للغرب، ويلقى الدكتاتوري نفس المصير لعيدي أمين دادا.حدث ذلك مع أكبر طغاة عرفهم العالم كشاه إيران وشاوشيسكو رومانيا ومولوزوفيتش صربيا وغيرهم من الدكتاتوريين، ثم تكرر الموقف ذاته مع جلاد الشعب التونسي ابن علي ، الذي خدم أسياده الغربيين حوالي ربع قرن، من اضطهاد للشعب، وذلّه، واحتقاره، ومحاربة دينه القيم، وتشريد مثقفيه، واعتقال زعمائه و محبي القيم والحرية، ونهب وسرقة خيراته ... الخ.
وهكذا استجاب الله لدعوات الملايين من أبناء الشعب التونسي المسلم المظلوم والمحروم من أداء موسم الحج لسنة 1432/ 2010، ودعوات الحجاج الميامين، فدُحر الطاغية المتجبّر، المحارب لدين الله ، والمعتدي على حرماته، وفُتحت أبواب الحريّة مشروعة أمام الشعب التونسي الثائر ضد الظلم. سبحان الله، هازم الجبابير، قد يتكلم الإنسان كلاما باستهتار وتكبّر، ولكنه قد يصبح واقعا ملموسا يوما من الأيام ويعيش هو الآخر ما كان ينويه للآخرين... فيا سبحان الله كأن المولى عز وجل أراد بهذا الطاغية، عدو الإسلام أن يحط في أرض الإسلام التي تحتضنه اليوم، ويلقنه درسا ولكن بدون أن يرى آفة إنفلوانزا الخنازير التي ظن هو الوحيد في العالم الإسلامي أنها في السعودية إلا ليمنع شعبه من تأدية خامس ركن للإسلام . ويا ويله من عذاب الله. إن الله يمهل ولا يهمل، مصداقا لقوله عز وجل في شأن فرعون:"حتى إذا أدركه الغرق قال آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل ، وأنا مِن المسلمين. الآن وقد عصَيْتَ قبْلُ وكنتَ من المفسِدين. فاليومَ ننجِّيك ببدنِك لتكون لمَن خلْفَك آيةً" (آيات 90 - 92 سورة يونس ).
إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وإذا أخذ الله الظالم بعد طول إمهال، فلا يوجد عاقل يصدّق توبته الماكرة، ووعوده الكاذبة الخادعة. كل ذلك نلخصه في هذه الآية الكريمة: "إنما يستجيب الذين يسمعون ، والموتى يبعثهم الله ، ثم إليه يرجعون " ( صدق الله العظيم).

CONVERSATION

0 comments: