نِهَايَةُ رَجُلٍ مُحْتَرَمٍ/ دكتور أحمد محمد المزعنن


أشكر الله على نعمته العظيمة بأن مدَّ في أجلنا حتى شهدنا هذا التقدم العلمي والتقني الهائل في الاتصالات والحاسب الآلي والإنترنت ووسائط الاتصال السريعة، والفضاء المفتوح الذي أتاح للبشر الكثير من البدائل ، وجعلها سلعًا رخيصة في متناول جميع مستويات الدخل الفردي والمجتمعي والدولي ، ومنَّ علينا سبحانه وتعالى بالعلم والمعرفة اللذين يسرا نشر قول الحق والانتصار لأهله ومنهجه ، والانحياز إلى كل مناضل في سبيل رفعة وطنه ، والاعتزاز بأمته لتظل راياتها خفاقة إلى آخر الدهر.

أقدم الشكر والتقدير كذلك لكل إنسان من أي لون ومنهج وملة ودين وجنس وعرق، وفي أي موقع من العالم الذي نعيش فيه ممن جعلوا هذه الوسائل العلمية والتقنية في متناول أيدي الناس ، بحيث ساعدهم على رفع حجب الجهل ، ومكنهم من التفرقة بين أهل الحق وأهل الباطل، وكشف أستار الطواغيت ، وأعان الشعوب على الكفاح والنضال الفكري والثقافي والعلمي ضد كل من تجبر وقمع الأبرياء الشرفاء ،وكل ذلك كان حزمة من نور اليقين بالأمل في تغيير كل واقع حاول به المتجبرون الطغاة أن يطمسوا الحقيقة ويفرضوا أمرًا واقعًا يناطح الحق ، ويعادي منهج الله في العلم والحرية والرقي والعيش الآمن ،وأحبط كل منحرف بسنن الله في الكون .

أشكر شباب الأمة العربية الشجعان، وفرسانها النبلاء، فهم منارات الوعي ورموز الكرامة في مشارق الوطن العربي ومغاربه ، وفي شماليه وجنوبيه ، وأُعلن اعتزازي برواد الأمة النجباء من كل فنون العلم والمعرفة ، نعتز بهم في مغرب الوطن وفي قلبه بأرض الكنانة ، وموطن الحرمين وفي خليجه الذي يحتمل في أحشاء أرضه احتمالات نهضته وقوته ، وفي بلاد الشام أرض الرباط الذين يحاصرون بؤرة العفونة التي يمثلها الكيان اليهودي الصهيوني وحليفته سلطة أوسلو اللعينة المدعومة من أعداء الشعب الفلسطيني.

بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي

يا له من نداء يخرج من القلب يعيد أمجاد أبطال الكنانة ،ويطرب القلب قبل الأذن ترديد مئات الآلاف لهذه الأنشودة التي جسدت قوة روح الشعب العربي المصري في حبه لأرض الحضارات كنانة الله وصية نبينا عليه الصلاة والسلام بأصهاره وأرحامه، إنها وصاة نبينا عليه الصلاة والسلام بأصهاره أهل المحروسة "إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أو ذمة وصهرًا... الحديث "

فرفقًا بالمحروسة وأهلها من أجل وصاة نبيكم عليه الصلاة والسلام (( الله الله في أهل الذمة.أهل المَدَرة السوداء ،السَُحْمِ الجِعاد ، لأن لهم نسبًا وصهرًا.))

(النسب :لأن هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم الذي جاء من نسله النبي محمد بن عبد الله القرشي العدناني ـ عليهم جميعًا الصلاة والسلام ـ هي من مصر )

(والصهر :لأن مارية القبطية أم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم والتي أهداها له المقوقس عظيم القبط هي من مصر أيضًا . )

{"المحروسة" سلام لها وسلام منها وسلام عليها ...

قبل أن يتلفظ أو يكتب أو يفكر أحدهم بكلمة ،أو ينبس ببنت شفة عليه أن يقف تعظيم سلام للمحروسة ولأهلها ،ولكل ذرة تراب من أرضها ،أو قطرة ماء من نيلها، فلعل أن يكون لحم (أكتافه ) من بعض ما جادت به على الناس ...

((... ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ.)(يوسف 99)

هذه الدعوة الكريمة لدخول مصر المحروسة الموجهة من يوسف بن يعقوب عليهما السلام لا علاقة لها بحثالات الأمم من اليهود الصهاينة الخزر المجرمين ، إنها دعوة لكل مؤمنٍ أبيِّ شجاع من أمة العرب والبشرية جمعاء ، وإلى كل غيور على إرث أمة القرآن من أهل موئل الإيمان ـ جزيرة العرب وبلاد الأنبياء والرسل الكرام فيما حولها ، إنها دعوة إلى الأمة الأمينة على وحي الله ،أمة نبي آخر الزمان سيد الرسل، القيِّم على ميراث النبوة من لدن آدم عليه السلام مرورًا بكل إخوته ـ أبناء العَلاَّت ـ حتى تحمل الأمانة وأدى الرسالة .

رفقًا بالمحروسة من أجل كل حرف أو كلمة أو فكرة أو حكمة تعلمها الجنس البشري من أهلها الذين سطروا أمجادهم على الصخر والبردي .

ومن أجل كل قطرة ماء من نيلها الذي ارتوى منه الملايين من روادها عبر القرون .

ومن أجل كل بطل من أبطال الإسلام ذاد عن حمى الدين والأوطان منطلقًا من أرضها.

من أجل صلاح الدين الذي ما كان له أن يحرر الأقصى ويطرد الصليبيين إلا بفضل رجالها والمدد المتواصل من خيراتها .

رفقًا بالمحروسة يا من تعلمتم كيف تمسكون بالأقلام على يد أبنائها في المدارس والجامعات والمعاهد ، وكانت تنفق عليكم من كسب رجالها الذي كانت تغنيه عن نفسها وتمدكم به عن طيب خاطر ، ونفس مطمئنة ، فقد كان المعلمون المصريون في البعثات يستلمون رواتبهم من بلادهم لا من البلاد التي يُوفدون إليها تبرعًا وتكرمًا.

رفقًا بها من أجل عيون الشهداء الأبطال الذين رووا بدمائهم المعطرة ثرى فلسطين في الحروب الأربعة مع الصهاينة الغزاة من يهود الخزر الأغراب.

رفقًا بالمحروسة التي تحفظ بين جنبات ترابها المجيد جسد القائد العظيم جمال عبد الناصر يرحمه الله ، باعث أمجاد الوحدة العربية ، ومحرر آسيا وأفريقيا ، ومُلهم ومعلم المستضعفين من شعوب الأرض الكفاح من أجل الحرية والانعتاق من الاستعمار الغربي البغيض .

رفقًا بكل أبيٍّ من رجالها حرر الجزائر عبر سيل المدد من السلاح والرجال الذي لم يكن ينقطع عبر رمال الصحاري وتحت لهيب شمسها ولفح زمهريرها، وتحمل من أجلها تبعات العدوان الثلاثي الغادر عام 1956م بسبب موقف الثورة المصرية الرائدة من ثورة المليون شهيد .

رفقًا بقوافل الشهداء من أبنائها الذين ارتوت بهم أرض فلسطين وسيناء ولا يزال الكثيرون يجهلون مصير أبنائهم الذين قضوا في حروب التحرير.

رفقًا بالمحروسة من أجل كل مُعلمٍ أو داعية أو عالمٍ أو رائد من أبنائها نشر العلم والمعرفة في بقاع الأرض، فهم رواد التعليم في كل بلاد العرب وكل بلاد آسيا وأفريقيا ، وهم أهل النصرة والنجدة لكل الشعوب المقهورة ، وهم أهل النخوة عندما يتراجع الجميع.

رفقًا بها من أجل صفوة أبنائها الذين حرروا اليمن وكانت دماؤهم وقود مشاعل الحرية التي أضاءت ظلمات جبالها ووهادها كما فتحت عيون أبنائهاعلى أبعاد العالم الواسع .

رفقًا بالمحروسة التي كانت تطعم معظم بلاد المسلمين وكانت بعثتها في الحجاز مأمنًا لكل من ييممها من أصحاب الحاجات من ضيوف الرحمن .

سلام على المحروسة وألف تحية لها من أهل لبنان الذين أقالت عثراتهم مرارًا، ووزنها كان وراء كل عمل مسؤول شجاع أعاد التوازن إلى هذا البلد العربي الأصيل ، وكان سببًا في وصول الكثير من المظلومين إلى حقوقهم ، وتمتعهم حاليًا باعتراف دولتهم بهم بعد أن كانوا في معازلهم لا يحملون بطاقات هوية تثبت انتسابهم إلى بلدهم الذي يسكنونه منذ آباد بعيدة .

رفقًا بالمحروسة من أجل عيون رئيسها القائد محمد حسني مبارك ،ولا تنسوا أنه من قادة الطيران ، وهو مهندس الضربة الأولى لمراكز القيادة والتحكم اليهودية التي تهاوت في الساعة الأولى من بدء حرب أكتوبر المجيدة.

رفقًا بها أن يجوع شعبها ، وغيرها متخمٌ ببعض آثار خيرها ، وأن تتأزم أمورها أو أن يساء إلى ذرة تراب من صعيدها ، وهي الحرة الأبية الطاهرة .

رفقًا بها فلا زالت قلعة للمجد والعنفوان ، وحصنًا للأبطال ، ومحضنًا للرجال ،وطودًا لا ينال منه الأعداء ، وجواد سباق للأمة وإن كبا أو اشتد به الأسى ، وعزَّ الدواء مع كثرة الأُساة .

رفقًا بالمحروسة من بعض أهلها الذين يوجهون دفتها نحو شطٍ غير شطها الآمن الذي قادت فيها أساطيل أمتها .

رفقًا بها من بعض إعلامييها وكُتابها ومبدعي تراثها الذي يشوهون وجهها ويلونونها بغير ألوان الخضرة والفيروز والبياض .

رفقًا بالمحروسة وأهلها من أن يسىء إليها مس النسيم ،ونبضات القلوب التي تهفو إلى نسيم هواء نيلها الشمالي من فوق كوبري قصر النيل الذي كان ملتقى عشاقها المتقلدين بعقود الفل والياسمين ،فإذا الدخلاء على روحها يحولونها إلى مقصلة لأبنائها ،وزنزانة تعذيب للمصلين منهم .

وإنه لأمر ظلَّ عزيزًا على النفس ، متمنعًا على الضمير ، مؤلمًا للفؤاد ، قاسيًا على النفس ، شديد الوقع على المعايير القويمة ، والقيم الأخلاقية المستقيمة أن نجد أنفسنا في يومٍ من الأيام نتحدث في مأساة وداهية من نوع ما يجري هذه الأيام العصيبة في قلب العروبة ،في عاصمة ومدن الأرض التي كانت على أنجبت على الدوام جند مصر العظيمة الذين حموا الملة ، ودافعوا عن الدين ، ووقوا العروبة والإسلام شر الغِيَر ، وردوا عنهما سهام المعتدين ، وكانوا على مدى العصور حصنًا وملاذًا لكل مظلوم ، وقلعة تتحطم على صخورها وجدرانها موجات الغزو التي اجتاحت الممالك والأمصار التي داستها أقدام الغزاة كأكوام القش الهش ي اندفاعها بلا مواجهة، ونشرت الخراب والدمار في مشارق الأرض ومغاربها ، لقد كان جند مصر أبطال معركة حطين( يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 م ) التي حطمت أحلام الغزاة الصليبيين في العصور الوسطى ، وهم أبطال معركة عين جالوت(في 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260 م) التي حطمت الغزو المغولي الهمجي ، والتي يُجمع مؤرخو الغرب على أنها حمت الحضارة الأوروبية الحديثة ، وكانت من بين العوامل التي وفرت البيئة التاريخية فعل عوامل النهضة الاقتصادية والصناعية والسياسية .

لقد شقَّ على القلم أن يخط حرفًا واحدًا عن قاهرة الغزاة وأهلها خشية الانحراف إلى طرف دون آخر، واحتياطًا من أن يزل القدم سهوًا أو سوء تقدير أو تحت أي دافع من دوافع التحيز والضعف الإنساني ، وذلك كرامة لروح عبد الناصر ورفاقه الرواد الأبطال ، واعترافًا بفضل يطوق عنق كل من عاش أمجاد الخمسينيات والستينيات حتى حرب العاشر من رمضان العظيمة التي حطمت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر ،ومرغت أنوف الصهاينة وحلفائهم المستعمرين السابقين والحالين في رغام أرض العرب الطاهرة .

أيها الكتاب من كل لون وملة ودين ومذهب ،أيها الإعلاميون والأدباء والفنانون من كل المسشارب :

· رفقًا بالمحروسة وأهلها ،رفقًا بها من كل سهم يزرع الفتنة في شعبها ، أو كلمة تنطلق في غفلة تعمل على تأجيج الخلاف والخصام الذي يعصف بكيانها ،ويحار شعبها بنيران تدمر مقومات حياتهم وتهدد لأول مرة في التاريخ مستقبل أجيالها ،وهي الأَوْلى بأن تقيلوا عثرتها وتمدوا شعبها بكل ما يحتاج إليه فلطالما كانت سندًا لكل شعوب الأرض قاصيها ودانيها ،قريبها وبعيدها ،غريبها ومألوفها ،صديقها وعدوها.

· رفقًا بالمحروسة في شعبها ورئيسها وجيشها وساستها وأبنائها وفلذات أكبادها ،فربما كان لحم أكتافكم أو أكتاف آبائكم أو أجدادكم في فضلة خيرها ،ومما جادت به عن طيب نفس قلوب أهلها النجباء،وربما كان بعض ما تتمتعون به من الصحة وراحة البال في أوطانكم من بعض ما منَّ الله به على أبنائها العظماء النجباء الأفذاذ في كل ميادين العلم والعمل والإنجاز .

· رفقًا بها وقد لفتها أعاصير الخلاف ،وتمكنت منها رياح الفتن وأنتم أيها الأغنياء تعرفون موطن دائها،وأسباب علتها ،ومن لا يزال يعرف أو يعرف ويتجاهل فهي في حاجة ماسة إلى من يقف بجانب أجيالها من الشباب الذين انسدت في وجوههم الآفاق من شظف العيش ، فاقتحوا لهم أبواب طلب الرزق في البقلاد التي صنعتها شجالعة عبد الناصر ،وحررتها دماء وجهود وعرق أبنائها .

· رفقًا بشعب المحروسة وأهلها وهم كانوا منارات العلم والمعرفة ،ورواد النهضة العربية الحديثة في كل بلاد العرب وفي كل البلاد افسلامية ،لقد كان الطلاب المبتعثون من البلاد العربية والإسلامية يستلمون كل رأس شهر مبلغ 12.75 جنيهًا عندما كان راتب أستاذ الجامعة 15 جنيهًا في الخمسينيات والستينيات ،وكان المدرسون المصريون المبتعثون يدرسون في كل بلاد العالم العربي والإسلامي ويتلقون رواتبهم من حكومتهم وليس من الحكومات التي يعملون فيها ،وقد كانوا نماذج مشرفة أينما حلوا ، وكانوا مثار إعجاب واحترام وتقدير كل من يعرف قيمة الرجال ، ويعترف بالفضل لأصحابه ، فردّوا لهؤلاء بعض الجميل بأن تمدوا يد العون لأبنائهم وأحفادهم ، إنه ليس من قبيل الصدقات بل من قبيل الواجب والأمانة في أعناقكم التي طوق بها أهل الكنانة أعناق آبائكم وجدودكم.

· رفقًا بالمحروسة فقد كان الحجيج إلى بيت الله الحرام في الماضي ينتظر ما يحمله المحمل المصري ، ولا يشبع الطعام ولا يجد طيب الرفادة إلا في السبيل المصري في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر.

نهاية رجل محترم من أبناء المحروسة

رفقًا برئيسها فقد كان من أشجع الرجال ، ومن أكثرهم استقامة وأنبلهم صمودًا في الإعداد لحرب العاشر من رمضان، ولا يقلل من تقديره عبث عصابات المنتفعين الذين استغلوا بعض متغيرات المرحلة التي قاد فيها بلاده ،والتفت حوله في حال شيخوخته وعجزه دوائر ممتتابعة من الانتهازيين ، وفرق من الفاسدين المفسدين الذين لم يعرفوا حق وطنهم ،واستغلوا حالة العولمة للكسب الحرام ، والإثراء الفاحش من وجحوه السحت والإجرام.

نحن نتحفظ على القائد المحترم النبيل محمد حسني مبارك ،ونعزل صورته المحترمة التي جاءت به وقبلته الجماهير بناءً عليها انتظارًا للوفاء بوعوده التي قطعها على نفسه ،وقد جاء – كما تجمع خطبه وكلام المراقبين والمحللين لكل ما صدر عنه .

ظلت تلك الصورة المحترمة حتى وقع في المحذور ،ورفعه المنافقون إلى مرتبة الألوهية ،بمعنى أنه يطاع في معصية الله في نكوثه بوعوده ومحاربته لأوليائه من شعبه ،وتقريبه أزلام الفساد ،وعصابات الجريمة المنظمة.

ولن نفرط في الصورة العزيزة لرئيس مصر الذي كان من أسباب نهضتها حتى سمح فيها للأوباش والحثالات والوصوليين والانتهازيين قساة القلوب الفاسدين الإفساديين ليعيثوا فسادًا في سجايا أهلها وخصالهم النبيلة ، ومعادنهم الأصيلة ، فجوعوا أهلهم ، وعذبوهم ونبذوهم وشكلوا من أنفسهم حماة لمقدرات وطن لا يعرفهم ، وأفسدوا البيئة الثقافية والجغرافية وحالوا بينهم وبين حقوقهم في وطنهم ،وحجبوا عن شعوبهم شواطىء البحار والبحيرات ، واستكثروا عليهم أرض وطنهم ،وحولوه إلى إقطاعيات يتصرغون فيها كإرث شخصي ،وأبشع ما في هذا الأمر أن مصر وأهلها مصدر إلهام لشعوب الأمة العربية ،وما طرأ هلى حياتها من ظواهر الفساد أغرى بالكثيرين بالانجراف في تيار الفساد والإفساد.

نهاية الرجل المحترم كانت في إصراره على الانسياق وراء من زيفوا الانتخابات صراحة بدافع شخصي من بعض رموز الحياة التي ظنوا أن المال والجاه المزيف والمكانة المزورة تكفي كمبررات لحكم شعب من أعرق شعوب الأرض ،وتخيلوا أن بذور الكرامة التي أُرضعها أهل الكنانة ،وكوامن الشجاعة والأنفة والعزة التي غذاها عبد الناصر قد طمست واختفت من نفوس الشعب العظيم .

نهاية الرجل المحترم تجلت في أبشع صورتها المأساوية في شيخوخة الرجل المحترم جدًا ،فالشيخوخة تكون من عوامل قطع الأمل في الدنيا بما تمثله من جاه زائل ، واستعداد لملاقاة الله أولا عند الموت ثم في القبر وحياة البرزخ وأخيرًا يوم القيامة وساعة الحساب النهائي الذي يتقرر فيه مصير الإنسان إما إلى جنة أو إلى نار .

وفي حالة الرئيس الرجل المحترم جدًا محمد حسني مبارك فإن الأمر ليس أمرًا عاديًا كأي فرد عادي من عامة الشعب ، بل إن الأمر يتعلق بالمسؤولية الولائية عن أحوال كل فرد من الشعب ، وكل نخلة من نخيل مصر المحروسة ، وكل نبتة فوق أرضها وكل بهيمة من بهائمها ، وبكل لتر غاز من أرضها وبكل شبر من ثراها يتم التصرف فيه خيرًا أو شرًا،وفوق كل ذلك بكل عبارة أو كلمة تتعلق بكرامة وطن لا كباقي الوطان ،وعزة شعب لا كبقية الشعوب .

يا سيادة الرئيس الرجل المحترم جدًا : لقد أدمى قلوبنا ما فعله طواغيت أدعياء المحافظة على الأمن الذين وصلت أخبار تعذيبهم للشعب وقتلهم لشبابه في أكثر من مناسبة ،والاستهانة بشرف بناته ،وعندما كنا نشاهد ذلك على شاشات وسائل الإعلام أو في مواقع شبكة الإنترنت كنا نعجب من المماثلة التامة بين أفعال أعداء الأمة اليهود في الشعب الفلسطيني وأفعال البعض ممن استغل البدلة العسكرية رمز الشرف والنظام والشجاعة والالتزام وأفاعيلهم في الشعب النبيل جدًا .

انتهى الرجل المحترم إلى هذه اللحظة التي لا يستجيب فيها لمطالب فوة شعبه ،ويترك القوى الأجنبية الطامعة في مقادير وأوطان الأمة لتملي عليه ما ينبغي فعله نحو شعبه ،وبعبارات نفاق وسخرية وسوء نية لا تخفي على الصغار والجهلة والبلهاء فكيف تخفي عليه وهو في قمة شعب صناع الحضارات ومعلمي العالم الوعي والفن وملهمي البشرية الحرية والمدنية .

انتهي الرجل المحترم جدًا إلى هذه الساعة التي لا يذهب فيها لقيادة صفوة شعبه من الشباتب الذين يشكلون أنبل ظاهرة إنسانية في قلب العالم المعاصر.

- فهل هذا الموقف الستاتيكي الجامد بسبب الشيخوخة ، وهي أمر حتمي لا مفر من مكابدته والوقوع في أسره ؟

- أم أن السبب هو طوق العزلة الذي ضربه حوله شياطين السياسة وأسرى المصالح الأنانية التي تمنع عنه أخبار المآسي التي مزقت الشعب وقسمت ظهر الوطن ؟

- أم أن السبب عظم هول المصيبة على مستوى الوطن بعد تفكك المؤسسات الأمنية ،والتخريب المتعمد لمقدرات الوطن ؟

- أم أن السبب هو الركون إلى التعتيم المعلومات والمخابراتي والتضليل الإعلامي الذي يقوده فريق من غلاظ الرقاب الجعارين كبار الشداق الكذابين الذين استمرأوا اللعب بأعصاب الناس وعواطفهم ؟

- سيدي الرئيس المحترم جدًا : أرجوك اخرج بنفسك إلى الشباب النبيل في ميدان التحرير فهناك يكمن الحل ،اذهب وأنت القائد الرجل المحترم العظيم لتقود تلك الظاهرة النبيلة وتعبر بها جسور الآلام والأحزان ،وترتفعوا جميعًا فوق كل المآسي ،فهكذا فعل عبد الناصر العظيم يوم التاسع والعاشر من يونيه عام 1967م ،وشحنته الجماهير بطاقة عاش بحرارتها حتى أتم بناء القوات المسلحة التي كنت أنت أحد قادتها العظماء الذين عبروا القناة ،ودخلوا القرن الواحد والعشرين قبل الكثير من البلاد ،وها أنت أمام فرصة جديدة تتاح للرجال العظماء المحترمين من أمثالك ،اختم بها حياتك كما ينصجك الناصحون من شعيك العقلاء من جمهرة الحكماء والمثقفون والخبراء والمستشارون الناصحين وليس فئة الكذابين المنافقين الذين صنعوا هذه الحالة النشاز في تاريخ شعب المحروسة ،اقطع اللغط يا سيادة الرئيس ،واحسم الأمر ،اذهب إلى أولادك في ميدان التحرير فهم أصدق وأشجع وانبل ،احقن دماء الناس واقطع دابر الفتنة .

ولا يفوتنا أن نذَكِّر المحروسة الغالية بلاد أنبل الرجال ، وأهلها ورئيسها أن لهم نسبًا وصهرًا وأهل مودة ووشائج قربى وعلاقات رحم ، وأهل حق عليهم في البقعة الباقية من فلسطين في غزة ، وهذه البقعة الصغيرة تحديدًا كانت ذات يومٍ ليس ببعيد جزءًا عضويًا تديره وتحفظه أمانة ووديعة حتى يأتي الفرج من الله ، فما الذي حدث حتى تنسى كل ما مضى وبعض ما هو حاضر ، وكثيرًا مما يخبئه المستقبل ؟ ما جريرة أهل غزة حتى يقسو قلبها الذي كان حضنًا دافئًا حتى لمن سام أهلها العذاب ؟ وماذا تبدل حتى يتناسى بعض أهلها وشائج القربى وبعض ما يفرضه الجوار؟ والنبي الذي أوصى بأهلها خيرًا هو نفسه عليه الصلاة والسلام الذي قال :(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه؟)

نداء استغاثة إلى الله أن يبعث إلى أهل الكنانة روحًا من عنده تحيي فيهم الأخوة ،وتجدد وشائج القربى،وتعصمهم من الفتنة ،وتبعد عنهكم كل ما يسيء إلى دلالات الحضارة العريقة التي كانوا أنبل مبدعيها .

اللهم احيي عظام عبد الناصر لعل يده تشق القبر في البقعة التي وقف فيها ذات ليلة يوجه منها جحافل البطال لدك صروح الفساد والعمالة ،ولكأنني أشعر بها تلوح لنا في دجى اليأس ، فندرك أنه لا يزال في المحروسة أثر لمآثره ، ونسمع صوته الحاني الذي يبعث التقة والحزم كما عودنا، نتلفت يا أبا خالد حولنا فلا نرى إلا المحتالين الذين أفسدوا الود ، وشوهوا وجه الحقيقة ، وفي الليلة الظلماء نفتقدك أيها الحبيب ، ونشفق على المحروسة التي تظلل غير عروقها، ويصب نيلها في غير شطآنها ، ويذهب حبها إلى قاتلي أبنائها ومصاصي دماء شعبها : الغزاة الصهاينة وحلفائهم الصليبيين الطامعين .

هذا والله من وراء القصد ،وهو سبحانه أعلى وأعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)

CONVERSATION

0 comments: