اطرقتُ خاشعاً حين رايت ما يفعله شباب و شعب ليبيا ، هذا الشعب الذي جسد كفاحه في سبيل الحرية بذروة معانيها بمعزل ٍ عن كل دعمٍ إلا من " الحق " في صدور شبابه الذي قرر أن ينتصـر بدمه وروحه ، قرر أن يقدم شبابه قرباناً في محاريب قدسها الاسمى ..
ثورةٌ حمراء هي حين نحسبها بعدد الشهداء في مدة قياسية تقل عن الاسبوع ، ليبيا الابية ، مدنها كلها تعيش اعراسها الحمراء تلك وإن تميزت مدينة بنغازي بريادة صدارة الثورة زخماً وتضحيات ..
الموت في ليبيا اليوم بات شيئاً مختلفاً ، موت ٌ يعبد الطريق نحو الشمس ، الحقيقة التي نسميها نحن " الحرية " ، هذه التي لم يكن ليصدق ولادتها احد في عالمنا العربي وفي " جزيرة " صحراوية منعزلة عن بحار " العالم المعاصر " مثل ليبيا ..
حتى الامس ، كنا نعتقد بان الحرية اسطورة ثقافية علمنا اياها الغرب ، لكن اليوم ، لم تعد مدامعي تهمل كما كنت حين اشاهد الابطال في ميدان التحرير وسط القاهرة ..
فامام ليبيا اخرُ ساجداً في مذبح الحريـة التي تولدُ اميرةً متوهجة بسنا انتصارها ، ولن تجرؤ حتى الدموع ان تنزل حين يكون شعوري بأنني اقفُ قبالة " الامة " الاكثر شجاعة بين الامم ، الحرة التي انجبت عمر المختار صاحب المقولة الخالدة التي التزمتها ليبيا بالحرف دستوراً لثورتها :
نحنُ لن نستسلم ، نموتُ او ننتصـر ..
هذه الشقية الحمراء التي نبتت على ضفاف دم ابناء هذا الجيل الذي تاتي عزائمه على قدره ، كأن التاريخ يقولُ لنا بعد كل الذي شهدناه من جرأة اهل تونس .. وبسالة المصريين ، هاهو يخبرنا بعظمة شجاعة الليبيين الذين ابوا العودة إلى بيوتهم وترك شوارع ليبيا إلا بعد إسقاط الدكتاتور ..
فهل للتاريخ اسطورة عربية ٌ اخرى في حقبة ثوراته هذه ؟
نتمنى ان يجسد الشعب اليمني صورة مشرقة جديدة تكمل لوحة فسيفساء الحرية العربية الملونة ..
فالشعب الليبي ، حتى الآن ، تجاوز بحق الثورة العربية الشاملة برمتها ، حسم امره وقرر أن يرسم موناليزا حريته الحمراء بدماء تجري كانهارٍ أمام امطار الرصاص من مدافع رشاشة مضادة للطائرات ، الحرية الجذلى امام القذائف المضادة للدبابات التي استقبلتها صدور الليبيين متفجرة عن دماء زكية نضاخة بسخاء البادية الفواحة برائحة الرجولة و الكرامة ..
الشعب الليبي يُذبح لكنه مصمم على إزاحة الطاغوت ، يهرق دمه انهاراً ، يزايد بشرف على ثمن الحرية التي رد الإعتبار لها بعد ان ظن الغربُ للحظة ان ثورات العرب ستبقى في مسارها الحقوقي السلمي دون ان تعرض نفسها للموت الزؤام على غرار ما هو " مطلوب " من الجماهير العربية كما يريد ان يراها الغرب ..
كان شعب ليبيا يصدح بخطاب الحرية للتاريخ هادراً بان حريته هي الاغلى بين ثورات القرن الحادي والعشرين ، حتى إن البعض قال إن الليبيين تركوا وحدهم للمذابح ولم تحتج دول اوربا بما يكفي على المجزرة ..
من قال إن اوربا هي الوصي على دماء ابنائنا في ليبيا .. اوربا واميركا وصية على " البترول " الليبي فقط الذي تستثمر فيه شركاتها ..
و من قال إن ما يجري ما هو إلا عرسُ عروبتنا المضمخةِ بحناء الدم ؟
هذا الدم هو ما يزلزل كبرياء الدهور التي ستبقى تذكره على مر الايام ، هو اللحن الخالد الذي تنشده الحرية نفسها لكل الاجيال ..
ليبيا تكتبُ تاريخ امتنا المجيد وتعطي للحرية اقصى طاقة ما تهبه في ربوع الامة من المحيط إلى الخليج ويوصل رسالته لكل من راهنوا على إن امتنا دويلات متعددة أن اخرسوا و اغلقوا افواهكم ، امتنا واحدة وقريباً ستعود متحدة بعد ترتيب اولوياتها الوطنية ، وإلا ما كانت الامة كل الامة لتهب هذه الهبة بعد تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا الحرية الحمراء ، ليبيا اليد المضرجة التي تمسك براية الثورة وهي تسلمها إلى بلدٍ عربي جديد نصبته الاقدار لتجسيد ملحمةٍ جديدة في سفر هذه الامة التي خلعت اعنتها عن سلطان العجم ، تماماً كما انبانا محمد النبي ، الذي عادت روحه متوهجة مشرقة في " محمد البوعزيزي " .. نبي ثورة المسحوقين الجديدة المباركة ..
0 comments:
إرسال تعليق